العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٨ - الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

سياسات الغرب بين التناقضات وازدواجية المعايير

بقلم: د. رمزي بارود

الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬أحدث‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬لويد‭ ‬أوستن‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬عندما‭ ‬أبلغ‭ ‬المشرعين‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قتلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬امرأة‭ ‬وطفل‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حتى‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬أعلنه‭ ‬أوستن،‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬حقيقةً‭ ‬قوضت‭ ‬فورًا‭ ‬خطاب‭ ‬حكومته‭ ‬وسببت‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬لسببين‭ ‬اثنين‭ ‬رئيسيين‭.‬

أولا‭: ‬كان‭ ‬الجنرال‭ ‬أوستن‭ ‬نفسه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬دبر‭ ‬التدفق‭ ‬المستمر‭ ‬لشحنات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الصنع‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مما‭ ‬مكن‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬الحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬قادتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبرياء‭ ‬الذي‭ ‬يعدون‭ ‬بالآلاف‭.‬

وثانياً‭: ‬كان‭ ‬الرقم‭ ‬المقدم‭ ‬أعلى‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الضحايا‭ ‬الذي‭ ‬أبلغت‭ ‬عنه‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لنفس‭ ‬الفترة‭ ‬ــ‭ ‬22‭ ‬ألف‭ ‬امرأة‭ ‬وطفل‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬146‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.‬

لكن‭ ‬جوهر‭ ‬التناقض‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬التفصيلية‭ ‬التي‭ ‬أوردها‭ ‬أوستن‭ ‬عن‭ ‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتمويل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬قلبت‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬الرواية‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬ينشرها‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬بانتظام‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬ومنذ‭ ‬25‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أسبوعين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬–‭ ‬بدأ‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬نفسه‭ ‬يشكك‭ ‬في‭ ‬تقديرات‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لأعداد‭ ‬القتلى،‭ ‬حيث‭ ‬صرح‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬ليس‭ ‬لديّ‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬الأعداد‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الفلسطينيون‮»‬‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬لم‭ ‬يُضعف‭ ‬إعلان‭ ‬أوستن‭ ‬تأييده‭ ‬الثابت‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ولم‭ ‬يُخفف‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬بايدن‭ ‬المُتعالي‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬ازداد‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بعد‭ ‬جلسة‭ ‬الاستماع‭ ‬في‭ ‬الكونغرس‭.‬

وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬والأرقام‭ ‬الموثقة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والمالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬نحو‭ ‬17‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬التناقضات‭ ‬الظاهرة‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬أي‭ ‬تناقضات‭ ‬إطلاقًا،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعكس‭ ‬سياسة‭ ‬مدروسة‭ ‬بعناية‭. ‬فمن‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬تتيح‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬توارثتها‭ ‬الإدارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬انتهاك‭ ‬مبادئها‭ ‬المعلنة‭ ‬باستمرار‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الغُزو‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعراق‭ ‬قد‭ ‬أزهق‭ ‬أرواحًا‭ ‬ودمَّر‭ ‬مجتمعاتٍ،‭ ‬فقد‭ ‬وضع‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬النيات‭ ‬الحسنة‮»‬‭: ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬شابه‭. ‬واستمرَّت‭ ‬معاناة‭ ‬أفغانستان‭ ‬المُطوّلة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬لعقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬باسم‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬ونشر‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬وحقوق‭ ‬المرأة‭.‬

يُرضي‭ ‬الجانب‭ ‬العملي‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬العسكريين‭ ‬والسياسيين،‭ ‬كما‭ ‬يُبقي‭ ‬الخطاب‭ ‬الفارغ‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬المثقفين،‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬غارقين‭ ‬في‭ ‬نقاش‭ ‬مطول‭ ‬وغير‭ ‬مُثمر،‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬إخفاء‭ ‬السياسات‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬فيها‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ربما‭ ‬أتقنت‭ ‬فنّ‭ ‬التناقضات‭ ‬المتعمدة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬المصدر‭ ‬الأصلي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التناقضات‭. ‬فمن‭ ‬الناحية‭ ‬التاريخية،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬مملوكةً‭ ‬بالكامل‭ ‬تقريبًا‭ ‬للغرب‭: ‬فقد‭ ‬صور‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعمار‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬حل‭ ‬للعبودية،‭ ‬وبرر‭ ‬عمليات‭ ‬التبشير‭ ‬والتحويل‭ ‬الديني‭ ‬القسرية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مهماتٌ‭ ‬حضارية‭.‬

لذلك،‭ ‬نجد‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬موقف‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يُقدم‭ ‬أوضح‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬المتعمد،‭ ‬إذ‭ ‬يكفي‭ ‬استعراض‭ ‬موجز‭ ‬لسياسات‭ ‬ومواقف‭ ‬ألمانيا‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬لتوضيح‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭.‬

تعد‭ ‬ألمانيا‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مورد‭ ‬أسلحة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬لم‭ ‬تكتفِ‭ ‬ألمانيا‭ ‬برفض‭ ‬تعريف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الذي‭ ‬أقرته‭ ‬دول‭ ‬عديدة،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬سعت‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬توجيه‭ ‬هذا‭ ‬الاتهام‭ ‬إليها‭.‬

وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬المحلي،‭ ‬قمعت‭ ‬ألمانيا‭ ‬بوحشية‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬واحتجزت‭ ‬عددا‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬الناشطين،‭ ‬وحظرت‭ ‬استخدام‭ ‬العلم‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التدابير‭ ‬الصارمة‭ ‬الأخرى‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬واصلت‭ ‬ألمانيا‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬وانتقاد‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬يُزعم‭ ‬أنها‭ ‬قيدت‭ ‬هامش‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬ذاتها‭ ‬وانتهكت‭ ‬الحقوق‭.‬

وكما‭ ‬كان‭ ‬متوقعًا،‭ ‬واصلت‭ ‬ألمانيا‭ ‬تسليح‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مُختلقةً‭ ‬كل‭ ‬مبرر‭ ‬ممكن‭ ‬لدعمها‭ ‬لتل‭ ‬أبيب،‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬مذكرات‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬كبار‭ ‬القادة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬ولم‭ ‬تستسلم‭ ‬سلطات‭ ‬برلين‭ ‬أخيرًا‭ ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬تصاعد‭ ‬الضغوط‭ ‬مما‭ ‬اضطرها‭ ‬إلى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭.‬

وخلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فقد‭ ‬أفادت‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ (‬BBC‭)‬،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬نوفمبر‭ ‬2025‭ ‬أن‭ ‬ألمانيا‭ ‬ستعيد‭ ‬تصدير‭ ‬أسلحتها‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مبررةً‭ ‬قرارها‭ ‬بإعلان‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وهو‭ ‬وقف‭ ‬انتهكته‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬مئات‭ ‬المرات‭.‬

وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬صحفي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬قرار‭ ‬ألمانيا‭ ‬برفع‭ ‬تعليقها‭ ‬الجزئي‭ ‬لشحنات‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬متهور‭ ‬وغير‭ ‬قانوني‭ ‬ويرسل‭ ‬رسالة‭ ‬خاطئة‭ ‬تماما‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬الإدانة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تجاهلها‭ ‬تماما‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭.‬

بعد‭ ‬مرور‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد،‭ ‬أظهر‭ ‬بحث‭ ‬جديد‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسستان‭ ‬أكاديميتان‭ ‬مرموقتان‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬قُتلوا‭ ‬نتيجة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬أرقام‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬العمر‭ ‬المتوقع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬انخفض‭ ‬بنحو‭ ‬النصف‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هاتين‭ ‬المؤسستين‭ ‬معهد‭ ‬ماكس‭ ‬بلانك‭ ‬للأبحاث‭ ‬الديموغرافية‭ (‬MPIDR‭) ‬الألماني،‭ ‬وهو‭ ‬معهد‭ ‬بحثي‭ ‬رائد‭ ‬عالميًا‭ ‬يستفيد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬عامة‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬الجهة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تُزوّد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأسلحة‭ ‬التي‭ ‬أسهمت،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وفي‭ ‬خضم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السيناريوهات،‭ ‬يظل‭ ‬الغرب‭ ‬المثقل‭ ‬بإرثه‭ ‬الاستعماري‭ ‬القاتم‭ ‬يمارس‭ ‬دور‭ ‬القاضي‭ ‬والجلاد‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬والباحث‭ ‬الصادق‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬والحقيقة‭ ‬وصانع‭ ‬الأسلحة،‭ ‬والمنتهك‭ ‬والمدافع‭ ‬الذي‭ ‬نصب‭ ‬نفسه‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

يجب‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬سكان‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬ألا‭ ‬يستسلموا‭ ‬ببساطة‭ ‬لدور‭ ‬الضحية،‭ ‬التي‭ ‬تُزهق‭ ‬أرواحها‭ ‬وتُحصَى‭ ‬بدقة‭. ‬ولاستعادة‭ ‬سلطتنا‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬العالمي،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬بداية‭ ‬أن‭ ‬تناقضات‭ ‬الغرب‭ ‬المدروسة‭ ‬مُصممة‭ ‬خصيصًا‭ ‬لإدامة‭ ‬العلاقة‭ ‬الجائرة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬وباقي‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬لأطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة‭.‬

إننا‭ ‬لن‭ ‬نتمكن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬أنفسنا‭ ‬من‭ ‬الوهم‭ ‬التاريخي‭ ‬القائل‭ ‬بأن‭ ‬الحل‭ ‬لمشكلتنا‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الغربي‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كشف‭ ‬هذا‭ ‬النفاق‭ ‬ورفضه‭ ‬بقوة‭ ‬والتصدي‭ ‬له‭.‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا