العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

صفحات من أوراق جدي القديمة.. وحوار في قضايا معاصرة

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬صندوق‭ ‬جدي‭ ‬الحديدي‭ ‬وجدت‭ ‬قصاصة‭ ‬ورق،‭ ‬يروي‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭:‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬وفي‭ ‬الصحراء‭ ‬العربية‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬وطلاب‭ ‬العلم‭ ‬الشرعي‭ ‬يرحلون‭ ‬على‭ ‬الدواب‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬وعندما‭ ‬جنى‭ ‬الليل‭ ‬جلسوا‭ ‬يتسامرون‭ ‬حول‭ ‬النار‭ ‬ويتحدثون،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬خرج‭ ‬عليهم‭ ‬إبليس،‭ ‬فعرفهم‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭: ‬‮«‬عندي‭ ‬لكم‭ ‬سؤال‭ ‬واحد،‭ ‬وأريد‭ ‬منكم‭ ‬أن‭ ‬تجيبوا‭ ‬عنه،‭ ‬وكل‭ ‬واحد‭ ‬ورأيه‮»‬‭.‬

وافقوا‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬فقال‭ ‬لهم‭: ‬ماذا‭ ‬ستفعلون‭ ‬لو‭ ‬أعطيتكم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬الماضي،‭ ‬فماذا‭ ‬سيفعل‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منكم؟

فكروا‭ ‬قليلاً،‭ ‬ثم‭ ‬أجاب‭ ‬الأول‭: ‬سوف‭ ‬أمنعك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬توسوس‭ ‬لسيدنا‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وأمنع‭ ‬سقوطه‭ ‬في‭ ‬المعصية‭ ‬التي‭ ‬أنت‭ ‬كنت‭ ‬سببًا‭ ‬فيها‭ ‬وجعلته‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬الشجرة،‭ ‬وبسبب‭ ‬تلك‭ ‬المعصية‭ ‬أصبح‭ ‬الناس‭ ‬يبتعدون‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭.‬

قال‭ ‬الثاني‭: ‬سوف‭ ‬أمنعك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وسأجعلك‭ ‬تسجد‭ ‬لسيدنا‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وكل‭ ‬الأمور‭ ‬بعدها‭ ‬ستتغير،‭ ‬لأنه‭ ‬بسبب‭ ‬رفضك‭ ‬لتلك‭ ‬السجدة‭ ‬انتشرت‭ ‬الشرور‭ ‬والمعاصي‭.‬

ثم‭ ‬نظر‭ ‬ابليس‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬صامتًا‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬ونظر‭ ‬الرجل‭ ‬إليه‭ ‬وكأنه‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يسبر‭ ‬أغواره،‭ ‬ثم‭ ‬أتلتف‭ ‬إلى‭ ‬صاحبه،‭ ‬ووقف‭ ‬وقال‭: ‬أعوذ‭ ‬بالله‭ ‬من‭ ‬الشيطان‭ ‬الرجيم،‭ ‬ثم‭ ‬أكمل‭ ‬بقراءة‭ ‬آية‭ ‬الكرسي‭.‬

فاختفى‭ ‬ابليس‭ ‬وهرب،‭ ‬فغضب‭ ‬الرجلان‭ ‬وقالا‭ ‬لصاحبهما‭: ‬لماذا‭ ‬فعلت‭ ‬هذا،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬الأحداث‭ ‬وتنتهي‭ ‬الشرور‭ ‬والمعاصي،‭ ‬وتعود‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

فقال‭ ‬الرجل‭: ‬ومن‭ ‬يمتلك‭ ‬هذه‭ ‬القدرة؟‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الماضي‭ ‬وتعديله؟‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك،‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬فقط‭ ‬يمتلك‭ ‬تلك‭ ‬القدرة،‭ ‬أما‭ ‬ابليس‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬بعقولنا‭ ‬حتى‭ ‬يسخر‭ ‬منا‭ ‬ويضحك‭.‬

ثم‭ ‬سكت‭ ‬لحظة‭ ‬وأنهى‭ ‬كلامه‭ ‬بقوله‭: ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نجادلهم،‭ ‬لأن‭ ‬الحديث‭ ‬معهم‭ ‬مضيعة‭ ‬للوقت‭.‬

وختم‭ ‬جدي‭ ‬القصاصة‭ ‬بالمثل‭ ‬العربي‭ (‬لو‭ ‬كل‭ ‬كلب‭ ‬عوى‭ ‬ألقمته‭ ‬حجرًا،‭ ‬لأصبح‭ ‬الصخر‭ ‬مثقالاً‭ ‬بدينار‭).‬

جلستُ‭ ‬أتأمل‭ ‬في‭ ‬الحكاية،‭ ‬فقلت‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬لو‭ ‬أزلنا‭ ‬ابليس‭ ‬من‭ ‬الحكاية،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬أصنافا‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬مكانه؟‭ ‬ذهبتُ‭ ‬أتأمل‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬نصادفهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وفي‭ ‬المجالس‭ ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأماكن،‭ ‬ماذا‭ ‬نجد،‭ ‬علمًا‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬أشخاص‭ ‬بعينهم،‭ ‬ولكن‭ ‬عن‭ ‬مجمل‭ ‬الذين‭ ‬نقابلهم‭ ‬ونقرأ‭ ‬لهم؟

الحكاية‭ ‬الأولى‭: ‬يأتيك‭ ‬أحدهم‭ ‬ويتحدث‭ ‬عن‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم،‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يحولهم‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬إلى‭ ‬العلمانية‭ ‬أو‭ ‬الليبرالية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬فيعتبر‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬أبا‭ ‬ذر‭ ‬الغفاري‭ ‬رجلا‭ ‬اشتراكيا‭ ‬لأنه‭ ‬اعترض‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬الثراء‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الخليفة‭ ‬الراشد‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬فخرج‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬مهاجرًا‭.‬

بعضهم‭ ‬يتحامل‭ ‬على‭ ‬الغزوات‭ ‬والفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ويعتبرها‭ ‬احتلالاً‭ ‬ونوعا‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وينسى‭ ‬أن‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية‭ ‬كانت‭ ‬فتحًا‭ ‬للشعوب‭ ‬بهدف‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬أمامها‭ ‬لحرية‭ ‬التفكير‭ ‬والعيش‭ ‬بسلام‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرار‭.‬

وبعضهم‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬اجتماع‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬الذين‭ ‬في‭ ‬سقيفة‭ ‬بني‭ ‬ساعدة‭ ‬لانتخاب‭ ‬خليفة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬خروجا‭ ‬عن‭ ‬المنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬وتحولا‭ ‬إلى‭ ‬المنهج‭ ‬والتفكير‭ ‬الليبرالي‭ ‬والعلماني‭ ‬والدنيوي‭ ‬لأنهم‭ ‬تسابقوا‭ ‬للحكم‭ ‬وتركوا‭ ‬جثمان‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ولم‭ ‬يدفن‭ ‬بعد،‭ ‬ونسي‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬الإسلام‭ ‬والدين‭.‬

والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يدعون‭ ‬أنهم‭ ‬عرب،‭ ‬ويدينون‭ ‬بالإسلام‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يتهجمون‭ ‬على‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم،‭ ‬ونسوا‭ ‬أو‭ ‬تناسوا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الفتح‭ ‬–‭ ‬الآية‭ ‬18‭: ‬‮«‬لَقَدْ‭ ‬رَضِيَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْمُؤْمِنِينَ‭ ‬إِذْ‭ ‬يُبَايِعُونَكَ‭ ‬تَحْتَ‭ ‬الشَّجَرَةِ‭ ‬فَعَلِمَ‭ ‬مَا‭ ‬فِي‭ ‬قُلُوبِهِمْ‭ ‬فَأَنْزَلَ‭ ‬السَّكِينَةَ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬وَأَثَابَهُمْ‭ ‬فَتْحًا‭ ‬قَرِيبًا‮»‬،‭ ‬نعم‭ ‬فقد‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عن‭ ‬الصحابة،‭ ‬فما‭ ‬الغاية‭ ‬في‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬عليهم؟

فالتعامل‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬تعامل‭ ‬الشيخ‭ ‬الثالث‭ ‬مع‭ ‬الشيطان،‭ ‬تصد‭ ‬عنهم‭ ‬وتتركهم‭ ‬يأكلون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأنفسهم‭.‬

الحكاية‭ ‬الثانية‭: ‬بعد‭ ‬الطوفان‭ ‬والسابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬انقسمت‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام‭: ‬قسم‭ ‬وقف‭ ‬مع‭ ‬الطوفان‭ ‬قلبًا‭ ‬وقالبًا،‭ ‬وقسم‭ ‬آخر‭ ‬وقف‭ ‬ضد‭ ‬الطوفان‭ ‬قلبًا‭ ‬وقالبًا،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬ألقى‭ ‬باللائمة‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬وخراب‭ ‬وموت‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬الحياة‭ ‬الخانعة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة،‭ ‬والقسم‭ ‬الآخر‭ ‬سكت‭ ‬وآثر‭ ‬السكون‭ ‬فهم‭ ‬يسمعون‭ ‬ولا‭ ‬يعلقون،‭ ‬ويعيشون‭ ‬يومهم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭.‬

ربما‭ ‬كانت‭ ‬الفئة‭ ‬الثالثة‭ ‬هي‭ ‬الأسوأ،‭ ‬لأنهم‭ ‬وقفوا‭ ‬ونظروا‭ ‬ولم‭ ‬يتحدثوا،‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬يسير‭ ‬بصورة‭ ‬آمنة،‭ ‬وكأن‭ ‬الموت‭ ‬والدم‭ ‬الذي‭ ‬يسيل‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬معنى،‭ ‬وكأن‭ ‬الطائرات‭ ‬والدبابات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقصف‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬أفلام‭ ‬كارتون‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬السخرية‭ ‬والضحك‭. ‬أما‭ ‬الفئة‭ ‬الثانية‭ ‬فقط‭ ‬كانت‭ ‬شرسة‭ ‬في‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬وكأن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬تظللها‭ ‬الحرية‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬الإنسان،‭ ‬وكأن‭ ‬بعض‭ ‬الفصائل‭ ‬وأفراد‭ ‬المقاومة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬وجودهم‭ ‬ورغبتهم‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬يتكلمون‭ ‬ويجرمون‭ ‬المقاومة‭ ‬وكأن‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليحدث‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬هؤلاء‭ ‬بطلب‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭.‬

نسألهم‭: ‬ألا‭ ‬نتفق‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬احتلالا؟‭ ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬كان‭ ‬يدمر‭ ‬ويهدم‭ ‬ويغتصب‭ ‬البيوت‭ ‬والبشر‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬80‭ ‬سنة،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬تدعون‭ ‬أنها‭ ‬السبب‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬نفوسكم‭ ‬أمراض‭ ‬لا‭ ‬تريدون‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬فتخفونها‭ ‬تحت‭ ‬كلماتكم،‭ ‬فتقولون‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تعرفون؟

الحكاية‭ ‬الثالثة‭: ‬ظهر‭ ‬لنا‭ ‬بعض‭ ‬الأقوام‭ ‬يتهجمون‭ ‬على‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬بمنطق‭ ‬أنه‭ ‬هل‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬على‭ ‬قرية‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬صحراوية‭ ‬في‭ ‬شبة‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬1400‭ ‬سنة‭ ‬يحكم‭ ‬حتى‭ ‬اليوم؟‭ ‬هل‭ ‬مازالت‭ ‬أحكامه‭ ‬سارية‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صالحة‭ ‬للحياة‭ ‬العصرية‭ ‬التي‭ ‬يحكمها‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والخوارزميات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تقنيات؟‭ ‬هل‭ ‬تعاليم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساير‭ ‬مباهج‭ ‬الدنيا؟‭ ‬لماذا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نؤدي‭ ‬الزكاة‭ ‬وأن‭ ‬نحج‭ ‬إلى‭ ‬مكة،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬نؤدي‭ ‬الصلاة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تعاليم؟

والغريب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬هم‭ ‬أقوام‭ ‬يلبسون‭ ‬ملابسنا‭ ‬ويتحدثون‭ ‬بلساننا،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يفكرون‭ ‬بالعقل‭ ‬الصهيوني‭ ‬الغربي‭.‬

هؤلاء‭ ‬أقوام‭ ‬بدأوا‭ ‬يتكاثرون‭ ‬وينتشرون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وغالبًا‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬وجوههم،‭ ‬وإنما‭ ‬يدعون‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يتحدث‭ ‬ويرسم‭ ‬ويقول،‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬يخفون‭ ‬وجوههم‭ ‬وراء‭ ‬الستار،‭ ‬لأنهم‭ ‬يخافون‭ ‬أن‭ ‬تسطع‭ ‬الأضواء‭ ‬عليهم،‭ ‬لأنهم‭ ‬يخافون‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬دين‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثابتة‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال‭ ‬والسنين،‭ ‬يتغافلون‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬عقل‭ ‬الإنسان‭ ‬وعواطفه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يهدمه‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يمحي‭ ‬وجوده،‭ ‬نسوا‭ ‬وتغافلوا‭ ‬أن‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬الحديثة‭ ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬كان‭ ‬أساسها‭ ‬العلم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬انتشر‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الذهبية‭ ‬من‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬خلال‭ ‬العهد‭ ‬الأموي‭ ‬والعباسي،‭ ‬أثناء‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬يكفر‭ ‬من‭ ‬يغتسل‭ ‬بالماء،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الاستحمام‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬خطيئة‭.‬

وربما‭ ‬هناك‭ ‬حكاية‭ ‬رابعة‭ ‬وخامسة‭ ‬وعاشرة،‭ ‬وربما‭ ‬الكثير‭ ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬تناولها‭ ‬كلها،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬اختم‭ ‬مقالي‭ ‬وأعود‭ ‬إلى‭ ‬قصاصة‭ ‬جدي‭ ‬التي‭ ‬ذكر‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬في‭ ‬قصيدته‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

أَعرِض‭ ‬عَنِ‭ ‬الجاهِلِ‭ ‬السَّفيهِ

فَكُلُّ‭ ‬ما‭ ‬قالَ‭ ‬فَهُوَ‭ ‬فيهِ

ما‭ ‬ضَرَّ‭ ‬بَحرَ‮ ‬الفُرات‮ ‬يَومًا

إِن‭ ‬خاضَ‭ ‬بَعضُ‭ ‬الكِلابِ‭ ‬فيهِ

فالحديث‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بالتعوذ‭ ‬من‭ ‬ابليس‭ ‬عليه‭ ‬لعنة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تتلوث‭ ‬من‭ ‬كلامه‭.‬

وهناك‭ ‬أمر‭ ‬آخر،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬حقيقة‭ ‬بالدلائل‭ ‬والبراهين،‭ ‬نوجهها‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬الحقيقة؛‭ ‬نقول‭: ‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬وهذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬يتعرض‭ ‬لهجوم‭ ‬ومؤامرة‭ ‬كبرى‭ ‬يستهدف‭ ‬فيه‭ ‬هويته‭ ‬وشخصيته‭ ‬ووجوده‭ ‬وكينونته،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يذوب‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬كبير‭ ‬تقوده‭ ‬الصهيونية‭ ‬الغربية،‭ ‬فلا‭ ‬يبقى‭ ‬له‭ ‬وجود،‭ ‬وربما‭ ‬يدعونك‭ ‬تصلى‭ ‬وتصوم،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يرفضون‭ ‬رفضًا‭ ‬قاطعًا‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬اسمه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬الحياة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬نمط‭ ‬التفكير‭ ‬الإسلامي‭ ‬العربي،‭ ‬ربما‭ ‬يتركونك‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالمولد‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لن‭ ‬يدعوك‭ ‬أن‭ ‬تستنبط‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬منهجية‭ ‬حياة‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬أسرية‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬أخلاقيات‭ ‬النبوة‭ ‬وكيفية‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬والأفراد‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭.‬

سيدعونك‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الحج،‭ ‬ولكنهم‭ ‬سيجردون‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬معانيه‭ ‬العظمي،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬الزكاة‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬بضعة‭ ‬دنانير‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬فالامتناع‭ ‬عنها‭ ‬أفضل‭ ‬لك‭ ‬ولأحفادك‭ ‬وأبنائك‭.‬

كل‭ ‬هذا‭ ‬يحدث‭ ‬حولنا،‭ ‬وإبليس‭ ‬أو‭ ‬أولاده‭ ‬من‭ ‬أشباه‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬العربية،‭ ‬ويذهبون‭ ‬إلى‭ ‬المساجد‭ ‬لأداء‭ ‬الصلاة‭ ‬يسجدون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحاريب،‭ ‬ولكن‭ ‬يسوؤهم‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬إلى‭ ‬رشدها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وتقود‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

 

‭ ‬zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا