العدد : ١٧٤٤٥ - السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٥ - السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

أمريكا والانكفاء عن العالم.. كلفة أخلاقية وسياسية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لم‭ ‬تعد‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬تنظيمية،‭ ‬بل‭ ‬تحوّلت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬مؤشرات‭ ‬كاشفة‭ ‬عن‭ ‬اتجاهات‭ ‬أعمق‭ ‬تتعلق‭ ‬بالهوية،‭ ‬والسلطة،‭ ‬وحدود‭ ‬الانتماء‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يبرز‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬أعادت‭ ‬إدارة‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬تفعيله‭ ‬بوصفه‭ ‬حلقة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬سياسي‭ ‬يعيد‭ ‬تعريف‭ ‬من‭ ‬يُرحَّب‭ ‬به‭ ‬داخل‭ ‬الحدود‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومن‭ ‬يُقصى‭ ‬خارجها،‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬اعتبارات‭ ‬أكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭.‬

خلال‭ ‬فترتيه‭ ‬الرئاسيتين‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فرض‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬والقيود،‭ ‬استهدفت‭ ‬جميعها‭ ‬مواطني‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬ذروته‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2025،‭ ‬عندما‭ ‬تعهّد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بـ«وقف‭ ‬الهجرة‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬جميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‮»‬‭.‬

وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬تمييزية‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬إذ‭ ‬قُدّمت‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬حادثة‭ ‬إطلاق‭ ‬نار‭ ‬استهدفت‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬طالب‭ ‬لجوء‭ ‬أفغاني‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أكدت‭ ‬لوري‭ ‬بول‭ ‬كوبر،‭ ‬نائبة‭ ‬رئيس‭ ‬البرامج‭ ‬القانونية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬المساعدة‭ ‬الدولية‭ ‬للاجئين،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الحظر‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يمتّ‭ ‬بصلة‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يمثل‭ ‬‮«‬محاولة‭ ‬مخزية‭ ‬جديدة‭ ‬لتشويه‭ ‬صورة‭ ‬الناس‭ ‬لمجرد‭ ‬أصولهم‮»‬‭.‬

وتفرض‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬حاليًا‭ ‬قيودًا‭ ‬صارمة‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬تشمل‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬20‭% ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬استهداف‭ ‬خاص‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عبر‭ ‬إجراءات‭ ‬عقابية‭. ‬فقد‭ ‬أفادت‭ ‬وكالة‭ ‬أسوشيتد‭ ‬برس‭ ‬بأن‭ ‬سفر‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬يحمل‭ ‬وثائق‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬شبه‭ ‬مستحيل‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الغرض‭ ‬الهجرة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬السياحة‭ ‬أو‭ ‬الدراسة‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وكما‭ ‬دعمت‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬طموحات‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬السيطرة‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تهجير‭ ‬قسري‭ ‬للسكان،‭ ‬فقد‭ ‬أغلقت‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمهورية‭ ‬أيضًا‭ ‬أبواب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمام‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬والاضطهاد،‭ ‬مفضّلة‭ ‬تسريع‭ ‬إعادة‭ ‬توطين‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬للعودة‭.‬

ويمثل‭ ‬تصعيد‭ ‬ديسمبر‭ ‬2025‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬يُصر‭ ‬فيها‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬خلال‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭. ‬فبعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬دخوله‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2017،‭ ‬أصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أمرًا‭ ‬تنفيذيًا‭ ‬بإغلاق‭ ‬حدود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أمام‭ ‬اللاجئين‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬مواطني‭ ‬سبع‭ ‬دول‭ ‬ذات‭ ‬أغلبية‭ ‬مسلمة،‭ ‬هي‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وإيران‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬والسودان‭ ‬والصومال‭. ‬

وقد‭ ‬قوبل‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بإدانة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمحللين،‭ ‬ووُصف‭ ‬حينها‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬حظر‭ ‬على‭ ‬المسلمين‮»‬‭. ‬وبعد‭ ‬نزاعات‭ ‬قانونية‭ ‬مطوّلة،‭ ‬أقرّت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬الأمريكية‭ ‬نسخة‭ ‬ثالثة‭ ‬من‭ ‬القرار،‭ ‬قضت‭ ‬بحظر‭ ‬دخول‭ ‬الإيرانيين‭ ‬واليمنيين‭ ‬والسوريين‭ ‬والليبيين‭ ‬والصوماليين‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬سابقا‭ ‬ألغت‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭ ‬فور‭ ‬توليها‭ ‬الحكم،‭ ‬فإن‭ ‬عودة‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬نهجها‭ ‬التمييزي‭ ‬كانت‭ ‬متوقعة‭. ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬سيزار‭ ‬غارسيا‭ ‬هيرنانديز،‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ولاية‭ ‬أوهايو،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬كانت‭ ‬تُرسّخ‭ ‬‮«‬مراقبة‭ ‬أشد‭ ‬كثافة‭ ‬وأطول‭ ‬أمدًا‭ ‬للمهاجرين‮»‬‭ ‬الموجودين‭ ‬بالفعل‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

‮ ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬فُرض‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2015‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬لحظر‭ ‬السفر،‭ ‬شمل‭ ‬منعًا‭ ‬كاملًا‭ ‬لدخول‭ ‬12‭ ‬دولة،‭ ‬وقيودًا‭ ‬جزئية‭ ‬على‭ ‬7‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬وفي‭ ‬حينه،‭ ‬وصفت‭ ‬لجنة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬الدولية‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أكبر‭ ‬أزمة‭ ‬لاجئين‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬تراجع‭ ‬إضافي‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الأمريكية‮»‬‭.‬

ويُعد‭ ‬توسيع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2025‭ ‬ليشمل‭ ‬حظرًا‭ ‬كاملًا‭ ‬على‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬إضافية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فلسطين،‭ ‬وقيودًا‭ ‬جزئية‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬دولة‭ ‬أخرى،‭ ‬خطوة‭ ‬وصفها‭ ‬دوغ‭ ‬راند،‭ ‬كبير‭ ‬مستشاري‭ ‬مدير‭ ‬دائرة‭ ‬خدمات‭ ‬المواطنة‭ ‬والهجرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬سابقًا،‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬إغلاق‭ ‬نهائي‭ ‬للباب‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬السفر‭ ‬والهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

وأوضح‭ ‬تايلر‭ ‬بيجر‭ ‬وحامد‭ ‬العزيز‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬أن‭ ‬القرار،‭ ‬المقرر‭ ‬دخوله‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2026،‭ ‬يشمل‭ ‬دولًا‭ ‬تقع‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬الكاريبي‭ ‬أو‭ ‬آسيا‭ ‬أو‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬كما‭ ‬أشارا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القيود‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الأفراد‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬السفر،‭ ‬بل‭ ‬تمتد‭ ‬لتشمل‭ ‬أزواجهم‭ ‬وأطفالهم‭ ‬وآباء‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الحاليين‭.‬

ومع‭ ‬تعهد‭ ‬ترامب‭ ‬بـ«ترحيل‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يُعد‭ ‬إضافة‭ ‬قيّمة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬أن‭ ‬شروط‭ ‬الحظر‭ ‬الجديد‭ ‬يُرجّح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬‮«‬تداعيات‭ ‬كبيرة‮»‬‭ ‬على‭ ‬مواطني‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬المقيمين‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مراجعة‭ ‬البطاقات‭ ‬الخضراء‭ ‬الممنوحة‭ ‬لمواطني‭ ‬19‭ ‬دولة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا‭.‬

وكما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬قرارات‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ترامب،‭ ‬قوبل‭ ‬هذا‭ ‬التصعيد‭ ‬الأخير‭ ‬بإدانة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬بسبب‭ ‬معاييره‭ ‬التمييزية‭ ‬الواضحة‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬تزعم‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬استُهدفت‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬قصور‭ ‬مزمن‭ ‬في‭ ‬إجراءات‭ ‬التدقيق‮»‬‭ ‬و«عدم‭ ‬موثوقية‭ ‬وثائق‭ ‬السفر‭ ‬الحكومية‮»‬،‭ ‬أكدت‭ ‬أندريا‭ ‬ر‭. ‬فلوريس،‭ ‬الزميلة‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬فوروورد‭ ‬يو‭ ‬إس‮»‬‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬إصلاح‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬والعدالة‭ ‬الجنائية‭ ‬والمسؤولة‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬خلال‭ ‬إدارتي‭ ‬أوباما‭ ‬وبايدن،‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يفاجأ‭ ‬المراقبون‮»‬‭ ‬بدفع‭ ‬ترامب‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬نحو‭ ‬حقبة‭ ‬الحصص‭ ‬العرقية‮»‬،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬اعتاد‭ ‬اختيار‭ ‬جنسيات‭ ‬معينة‭ ‬ككبش‭ ‬فداء‮»‬‭.‬

‮ ‬كما‭ ‬انتقدت‭ ‬فلوريس‭ ‬لجوءه‭ ‬إلى‭ ‬الأوامر‭ ‬التنفيذية‭ ‬لفرض‭ ‬لوائح‭ ‬هجرة‭ ‬جديدة‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬الكونغرس،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القوانين‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬تمنحه‭ ‬سلطة‭ ‬تقديرية‭ ‬واسعة‭ ‬للغاية‭ ‬للتمييز‮»‬‭ ‬وفق‭ ‬‮«‬تفضيلاته‭ ‬الشخصية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬متصل،‭ ‬ومع‭ ‬تصاعد‭ ‬تصريحات‭ ‬ترامب‭ ‬العدائية‭ ‬تجاه‭ ‬المهاجرين‭ ‬مثل‭ ‬وصفه‭ ‬‮«‬عبء‭ ‬اللاجئين‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬لـ‮«‬الاختلال‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يشمل‭ ‬‮«‬فشل‭ ‬المدارس‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬والتدهور‭ ‬الحضري‭ ‬واكتظاظ‭ ‬المستشفيات‭ ‬ونقص‭ ‬المساكن‭ ‬والعجز‭ ‬الكبير‮»‬—وهي‭ ‬تصريحات‭ ‬رددها‭ ‬مسؤولون‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬وزيرة‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬كريستي‭ ‬نويم،‭ ‬التي‭ ‬اتهمت‭ ‬دولًا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومنطقة‭ ‬الكاريبي‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بـ«إغراق‭ ‬أمتنا‭ ‬بالقتلة‭ ‬والطفيليين‭ ‬ومدمني‭ ‬الاستحقاقات‮»‬،‭ ‬أدان‭ ‬كريش‭ ‬أومارا‭ ‬فيجناراجا،‭ ‬الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمنظمة‭ ‬‮«‬جلوبال‭ ‬ريفوجي‮»‬،‭ ‬استخدام‭ ‬الإدارة‭ ‬‮«‬لغة‭ ‬الأمن‭ ‬مجددًا‭ ‬لتبرير‭ ‬عمليات‭ ‬استبعاد‭ ‬شاملة‭ ‬تعاقب‭ ‬شعوبًا‭ ‬بأكملها‮»‬‭.‬

وأضاف‭ ‬فيجناراجا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬المعرضين‭ ‬للخطر‮»‬‭ ‬يُتركون‭ ‬‮«‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬سبيل‭ ‬عملي‭ ‬للنجاة‮»‬‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والقمع،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬القيود‭ ‬الأخيرة‭ ‬يجب‭ ‬فهمها‭ ‬بوصفها‭ ‬محاولة‭ ‬جديدة‭ ‬لتقويض‭ ‬الحقوق‭ ‬القانونية‭ ‬والإنسانية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وثّقت‭ ‬جوليا‭ ‬جيلات،‭ ‬المديرة‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬سياسات‭ ‬الهجرة،‭ ‬دخول‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬9000‭ ‬شخص‭ ‬يحملون‭ ‬وثائق‭ ‬سفر‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬يزورون‭ ‬أقاربهم‭. ‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬أغسطس‭ ‬2025،‭ ‬أفادت‭ ‬ميراندا‭ ‬جيريتنام‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬تايم‭ ‬بأن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬علّقت‭ ‬تقريبًا‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬التأشيرات،‭ ‬ما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬التحاق‭ ‬الطلاب‭ ‬بالجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومنع‭ ‬كذلك‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬قمع‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬للاحتجاجات‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قضى‭ ‬قاضٍ‭ ‬فيدرالي‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬بأنه‭ ‬انتهاك‭ ‬للدستور،‭ ‬أدانت‭ ‬الرابطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لمستشاري‭ ‬الطلاب‭ ‬الأجانب‭ ‬ما‭ ‬وصفته‭ ‬بـ«تراجع‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬العالمي‮»‬‭. ‬وأكدت‭ ‬الرابطة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬الشامل‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الجنسيات‭ ‬أو‭ ‬فئات‭ ‬التأشيرات‭ ‬لا‭ ‬يجعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬أمانًا‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬يُضعفها‮»‬‭. ‬وهو‭ ‬تقييم‭ ‬يشاركه‭ ‬فيجناراجا،‭ ‬الذي‭ ‬خلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬استبدال‭ ‬التدقيق‭ ‬الدقيق‭ ‬بالعقاب‭ ‬الجماعي‮»‬‭ ‬يقوّض‭ ‬أنظمة‭ ‬الهجرة،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬تخدم‭ ‬هدفًا‭ ‬أوسع‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬التمييز‭ ‬الممنهج‭ ‬ضد‭ ‬الشعوب‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لا‭ ‬تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬سياسات‭ ‬حظر‭ ‬السفر‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬المشمولة‭ ‬أو‭ ‬صرامة‭ ‬القيود‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المنطق‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬عليه؛‭ ‬منطق‭ ‬يعيد‭ ‬إحياء‭ ‬ممارسات‭ ‬الإقصاء‭ ‬الجماعي‭ ‬ويُفرغ‭ ‬مفاهيم‭ ‬العدالة‭ ‬واللجوء‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭ ‬الإنساني‭. ‬فحين‭ ‬تُستبدل‭ ‬المعايير‭ ‬الفردية‭ ‬بالعقاب‭ ‬الجماعي،‭ ‬وتُوظَّف‭ ‬لغة‭ ‬الأمن‭ ‬لتبرير‭ ‬التمييز،‭ ‬يصبح‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬أداة‭ ‬فرز‭ ‬لا‭ ‬حماية‭. ‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬الحظر‭ ‬إجراءً‭ ‬إداريًا‭ ‬عابرًا،‭ ‬بل‭ ‬امتدادًا‭ ‬لسياسة‭ ‬أوسع‭ ‬تُضيّق‭ ‬سبل‭ ‬الحركة،‭ ‬وتعيد‭ ‬رسم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬للحقوق،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬الحدود،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تعريف‭ ‬من‭ ‬يستحق‭ ‬العبور‭ ‬أصلًا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا