في غضون أسبوع واحد أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً في مجلس الأمن الدولي بشأن غزة، ونشرت خطة سلام من 28 بنداً يتعلق بالحرب في أوكرانيا. وقد لاحظ المعلقون والنقاد أوجه تشابه واختلافات جوهرية بين المبادرتين.
أولاً، يبدو أن كلتا الخطتين مدفوعتان بهدف بسيط وجدير بالثناء يتمثل في إنهاء العنف المستمر الناجم عن الحرب، إلا أن مشاكل الخطتين تنبع من صياغتهما الأولية من دون إشراك الفلسطينيين أو الأوكرانيين. لا تزال الأسس التي انبنت عليها الخطة المتعلقة بغزة غامضة إلى حد ما، لكن غياب المشاركة الفلسطينية واضح.
أثارت الأسس التي قامت عليها الخطة الأوكرانية جدلاً واسعاً؛ ففي البداية، زعمت الولايات المتحدة أنه تم وضعها بالتعاون مع الروس، استناداً إلى مسودة روسية، قبل أن تنفي أي تورط أمريكي فيها، ثم أوضحت لاحقاً أنها كانت جهداً أمريكياً روسياً مشتركاً.
وبعد تصاعد ردود الفعل السلبية من جانب الأوروبيين وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، انخرطت الولايات المتحدة مع الأوكرانيين، وأجرت بعض التغييرات التي قد تكون مقبولة أو غير مقبولة للروس.
هنا يكمن الفرق بين الخطتين؛ فأوكرانيا معترف بها ككيان ذي سيادة، رغم أن مسودة الخطة تسمح بانتهاكات سيادتها، أما خطة غزة فلا تكتفي بتجاهل السيادة الفلسطينية، بل تسعى جاهدةً لطمسها، فهي تُخضع الفلسطينيين لأهواء إسرائيل والهيئات الدولية -بقيادة الولايات المتحدة- التي ستكون في وضع يسمح لها باتخاذ قرارات من شأنها أن تشكل مستقبل الشعب الفلسطيني.
لكن هذه الحقوق مقيدة بشروط وضعها آخرون، وليست حقوقاً بحد ذاتها، وهو ما يُبدد الحماس الذي رافق الدورة الاستثنائية بشأن فلسطين التي سبقت افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام، حين اعترفت عدة دول بفلسطين.
أما الأمر الأكثر إزعاجا فهو يتمثل في كل هذا الاستخفاف بالسلطة الفلسطينية وعدم اعتراف مهندسي خطة غزة بأن إسرائيل ظلت تسعى على مدى ثلاثة عقود إلى إفشال السلطة الفلسطينية.
ورغم أن السلطة الفلسطينية لا تزال تمثل من الناحية النظرية ذلك الوعد الذي تولد عن اتفاقيات أوسلو بإقامة دولة فلسطينية، فإنه تُنظر إليها اليوم بشكل متزايد في الضفة الغربية على أنها كيان تابع يعمل نيابة عن إسرائيل بدلاً من كونها كياناً مستقلاً يتمتع بالحكم الذاتي ويمثل التطلعات الوطنية الفلسطينية.
إن إصرار خطة غزة على إصلاح السلطة الفلسطينية يثير العديد من التساؤلات. ما هي هذه الإصلاحات تحديداً؟ هل تستطيع السلطة الفلسطينية تنفيذ الإصلاحات في ظل استمرار الهيمنة الإسرائيلية على الضفة الغربية؟ ومع كون إسرائيل أحد الأطراف المكلفة بوضع معايير الإصلاح وقياسها، فهل ستتمتع السلطة الفلسطينية الطيعة بالمصداقية اللازمة للحكم، أم سيُنظر إليها على أنها وكيلة للسيادة الحقيقية، أي دولة إسرائيل؟
وأخيراً، في حين أن النسخة الأولية من خطة أوكرانيا تتضمن بعض القيود على روسيا -حتى قبل التقارير الأخيرة عن التعديلات الأوكرانية- إلا أنه لا توجد قيود مماثلة مفروضة على إسرائيل في خطة الأمم المتحدة المتعلقة بقطاع غزة.
ولعل ما يزيد في تعقيد الأمور وغموضها أن «وقف إطلاق النار» نفسه المتفق عليه لا يزال بعيد المنال، إذ تتصرف إسرائيل من دون رادع بصفتها الجهة الوحيدة المنفذة لوقف إطلاق النار، وتقصف الفلسطينيين يومياً.
علاوة على ذلك، لا تزال إسرائيل تسيطر على مداخل ومخارج الجزء الذي انسحبت منه من غزة، ويبقى الفلسطينيون في معظمهم محرومين من المأوى والغذاء.
يتمثل أحد الاختلافات الحاسمة في تطوير الخطتين الخاصتين بغزة من ناحية وأوكرانيا من ناحية أخرى في الأدوار التي لعبتها القوى الخارجية، إذ تحظى أوكرانيا بدعم كتلة أوروبية شبه موحدة، إلى جانب دعم جانب من الجمهوريين الذين تحركهم مشاعر العداء لروسيا. وقد أدى ذلك إلى تخفيف حدة الخطة الأمريكية الأولية المكونة من 28 بندًا.
ورغم أن خطة غزة كانت في الأصل مسودة عربية، وتمكنت الدول العربية وغيرها من إدراج بعض البنود في قرار الأمم المتحدة بشأن غزة، إلا أنه بحلول الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة وإسرائيل بتعديلها وحصولها على موافقة الرئيس ترامب الرسمية، كانت الحقوق الفلسطينية قد ضاعت.
لم يفت الأوان بعد للعرب للمطالبة بشروط أفضل، وللفلسطينيين لإصلاح أوضاعهم الداخلية ووضع خطة حكم وطنية موحدة للضفة الغربية وقطاع غزة، وللعرب والفلسطينيين للمطالبة بأن تدعو الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى إعادة فتح النقاش حول مستقبل فلسطين. إذا لم يتم إدخال تغييرات عاجلة، فإننا سنعود للأسف إلى نقطة الصفر.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك