العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

السلام الأمريكي من فلسطين إلى أوكرانيا

بقلم: د. جيمس زغبي

الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬غضون‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬أصدرت‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬قراراً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بشأن‭ ‬غزة،‭ ‬ونشرت‭ ‬خطة‭ ‬سلام‭ ‬من‭ ‬28‭ ‬بنداً‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬المعلقون‭ ‬والنقاد‭ ‬أوجه‭ ‬تشابه‭ ‬واختلافات‭ ‬جوهرية‭ ‬بين‭ ‬المبادرتين‭.‬

أولاً،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬كلتا‭ ‬الخطتين‭ ‬مدفوعتان‭ ‬بهدف‭ ‬بسيط‭ ‬وجدير‭ ‬بالثناء‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬العنف‭ ‬المستمر‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬الحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مشاكل‭ ‬الخطتين‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬صياغتهما‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إشراك‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬الأوكرانيين‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬انبنت‭ ‬عليها‭ ‬الخطة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بغزة‭ ‬غامضة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬لكن‭ ‬غياب‭ ‬المشاركة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬واضح‭.‬

أثارت‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬عليها‭ ‬الخطة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬جدلاً‭ ‬واسعاً؛‭ ‬ففي‭ ‬البداية،‭ ‬زعمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الروس،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬مسودة‭ ‬روسية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنفي‭ ‬أي‭ ‬تورط‭ ‬أمريكي‭ ‬فيها،‭ ‬ثم‭ ‬أوضحت‭ ‬لاحقاً‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬جهداً‭ ‬أمريكياً‭ ‬روسياً‭ ‬مشتركاً‭.‬

وبعد‭ ‬تصاعد‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬السلبية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وبعض‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬انخرطت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬الأوكرانيين،‭ ‬وأجرت‭ ‬بعض‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مقبولة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مقبولة‭ ‬للروس‭.‬

هنا‭ ‬يكمن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الخطتين؛‭ ‬فأوكرانيا‭ ‬معترف‭ ‬بها‭ ‬ككيان‭ ‬ذي‭ ‬سيادة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬مسودة‭ ‬الخطة‭ ‬تسمح‭ ‬بانتهاكات‭ ‬سيادتها،‭ ‬أما‭ ‬خطة‭ ‬غزة‭ ‬فلا‭ ‬تكتفي‭ ‬بتجاهل‭ ‬السيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬جاهدةً‭ ‬لطمسها،‭ ‬فهي‭ ‬تُخضع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لأهواء‭ ‬إسرائيل‭ ‬والهيئات‭ ‬الدولية‭ -‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭- ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬مستقبل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لكن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬مقيدة‭ ‬بشروط‭ ‬وضعها‭ ‬آخرون،‭ ‬وليست‭ ‬حقوقاً‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُبدد‭ ‬الحماس‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬الدورة‭ ‬الاستثنائية‭ ‬بشأن‭ ‬فلسطين‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬افتتاح‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لهذا‭ ‬العام،‭ ‬حين‭ ‬اعترفت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬بفلسطين‭.‬

أما‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬إزعاجا‭ ‬فهو‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الاستخفاف‭ ‬بالسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعدم‭ ‬اعتراف‭ ‬مهندسي‭ ‬خطة‭ ‬غزة‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ظلت‭ ‬تسعى‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬إلى‭ ‬إفشال‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية‭ ‬ذلك‭ ‬الوعد‭ ‬الذي‭ ‬تولد‭ ‬عن‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬بإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬فإنه‭ ‬تُنظر‭ ‬إليها‭ ‬اليوم‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬كيان‭ ‬تابع‭ ‬يعمل‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬كياناً‭ ‬مستقلاً‭ ‬يتمتع‭ ‬بالحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬ويمثل‭ ‬التطلعات‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

إن‭ ‬إصرار‭ ‬خطة‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬إصلاح‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يثير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭. ‬ما‭ ‬هي‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬تحديداً؟‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإصلاحات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية؟‭ ‬ومع‭ ‬كون‭ ‬إسرائيل‭ ‬أحد‭ ‬الأطراف‭ ‬المكلفة‭ ‬بوضع‭ ‬معايير‭ ‬الإصلاح‭ ‬وقياسها،‭ ‬فهل‭ ‬ستتمتع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الطيعة‭ ‬بالمصداقية‭ ‬اللازمة‭ ‬للحكم،‭ ‬أم‭ ‬سيُنظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬وكيلة‭ ‬للسيادة‭ ‬الحقيقية،‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل؟

وأخيراً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬النسخة‭ ‬الأولية‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تتضمن‭ ‬بعض‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ -‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬التقارير‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬التعديلات‭ ‬الأوكرانية‭- ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬قيود‭ ‬مماثلة‭ ‬مفروضة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بقطاع‭ ‬غزة‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬في‭ ‬تعقيد‭ ‬الأمور‭ ‬وغموضها‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بعيد‭ ‬المنال،‭ ‬إذ‭ ‬تتصرف‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رادع‭ ‬بصفتها‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬المنفذة‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وتقصف‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يومياً‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬إسرائيل‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬مداخل‭ ‬ومخارج‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬انسحبت‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬ويبقى‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬معظمهم‭ ‬محرومين‭ ‬من‭ ‬المأوى‭ ‬والغذاء‭.‬

يتمثل‭ ‬أحد‭ ‬الاختلافات‭ ‬الحاسمة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الخطتين‭ ‬الخاصتين‭ ‬بغزة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬لعبتها‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية،‭ ‬إذ‭ ‬تحظى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بدعم‭ ‬كتلة‭ ‬أوروبية‭ ‬شبه‭ ‬موحدة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دعم‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬الجمهوريين‭ ‬الذين‭ ‬تحركهم‭ ‬مشاعر‭ ‬العداء‭ ‬لروسيا‭. ‬وقد‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬الخطة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأولية‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬28‭ ‬بندًا‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬خطة‭ ‬غزة‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬مسودة‭ ‬عربية،‭ ‬وتمكنت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬إدراج‭ ‬بعض‭ ‬البنود‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬غزة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بحلول‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بتعديلها‭ ‬وحصولها‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬الرسمية،‭ ‬كانت‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬ضاعت‭.‬

لم‭ ‬يفت‭ ‬الأوان‭ ‬بعد‭ ‬للعرب‭ ‬للمطالبة‭ ‬بشروط‭ ‬أفضل،‭ ‬وللفلسطينيين‭ ‬لإصلاح‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الداخلية‭ ‬ووضع‭ ‬خطة‭ ‬حكم‭ ‬وطنية‭ ‬موحدة‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وللعرب‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬للمطالبة‭ ‬بأن‭ ‬تدعو‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬فتح‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬فلسطين‭. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إدخال‭ ‬تغييرات‭ ‬عاجلة،‭ ‬فإننا‭ ‬سنعود‭ ‬للأسف‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭.‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا