العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

تحولات مالية لتعزيز الاستدامة الاقتصادية في البحرين

بقلم: رجل الأعمال المهندس إسماعيل الصراف

الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

تشهد‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬المالي‭ ‬المؤسسي،‭ ‬تعكس‭ ‬نضجًا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وقدرة‭ ‬المملكة‭ ‬على‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬ودعم‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تأتي‭ ‬المبادرات‭ ‬المالية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬جرى‭ ‬طرحها‭ ‬للنقاش‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬كفاءة‭ ‬المالية‭ ‬العامة،‭ ‬وتوسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬الإيرادات‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬وترسيخ‭ ‬أسس‭ ‬مالية‭ ‬أكثر‭ ‬مرونة‭ ‬وقدرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬التحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭.‬

الجوهر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرات‭ ‬لا‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬الجباية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬ذكية‭ ‬لتدفقات‭ ‬الإيرادات‭ ‬والنفقات،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬عدالة‭ ‬التوزيع،‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬تنافسية‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬ويعزز‭ ‬كفاءة‭ ‬استخدام‭ ‬الموارد‭. ‬فالتركيز‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬مالية‭ ‬مدروسة،‭ ‬وتحديث‭ ‬بعض‭ ‬الرسوم‭ ‬والآليات‭ ‬التنظيمية،‭ ‬يعكس‭ ‬توجهًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬نحو‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الإيرادات،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬زيادتها،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل‭.‬

ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬تسهم‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الإيرادات‭ ‬الدورية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬المالي‭ ‬طويل‭ ‬الأجل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬إيجابًا‭ ‬على‭ ‬مؤشرات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني،‭ ‬ويعزز‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين،‭ ‬ويقوي‭ ‬مناعة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬أمام‭ ‬الصدمات‭ ‬الخارجية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬توجيه‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬نحو‭ ‬دعم‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنفاق‭ ‬وتحسين‭ ‬إدارة‭ ‬المصروفات‭ ‬الحكومية‭ ‬يرسّخ‭ ‬مفهوم‭ ‬الاستدامة‭ ‬المالية‭ ‬بوصفه‭ ‬ركيزة‭ ‬للنمو،‭ ‬لا‭ ‬عائقًا‭ ‬أمامه‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاجية،‭ ‬فإن‭ ‬إدماج‭ ‬برامج‭ ‬توظيف‭ ‬وتدريب‭ ‬مصاحبة‭ ‬لهذه‭ ‬التغييرات‭ ‬المالية‭ ‬يعكس‭ ‬فهمًا‭ ‬عميقًا‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإصلاح‭ ‬المالي‭ ‬والنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الشامل‭. ‬فرفع‭ ‬كفاءة‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وتحفيز‭ ‬توظيف‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتنظيم‭ ‬مساهمة‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬ضمن‭ ‬أطر‭ ‬اقتصادية‭ ‬واضحة،‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وتحقيق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬حقيقية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الوطني،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بتوازن‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬تنافسيته‭.‬

ولضمان‭ ‬تحقيق‭ ‬الأثر‭ ‬الأمثل‭ ‬لهذه‭ ‬المبادرات،‭ ‬يبرز‭ ‬عنصر‭ ‬التواصل‭ ‬المسبق‭ ‬والشفافية‭ ‬كإحدى‭ ‬أهم‭ ‬الأدوات‭ ‬الداعمة‭ ‬لنجاح‭ ‬السياسات‭ ‬المالية‭. ‬فإتاحة‭ ‬المعلومات‭ ‬بشكل‭ ‬مبكر،‭ ‬وشرح‭ ‬الأبعاد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والجدوى‭ ‬المتوقعة،‭ ‬وتحديد‭ ‬الجداول‭ ‬الزمنية‭ ‬بوضوح،‭ ‬يمنح‭ ‬الأفراد‭ ‬والشركات‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستعداد‭ ‬والتكيف،‭ ‬ويحوّل‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬مالي‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬للتخطيط‭ ‬الأفضل‭ ‬واتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اعتماد‭ ‬آليات‭ ‬تقييم‭ ‬دورية‭ ‬وقياس‭ ‬الأثر‭ ‬يعزز‭ ‬الثقة‭ ‬ويضمن‭ ‬التطوير‭ ‬المستمر‭ ‬للسياسات‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭.‬

وتؤكد‭ ‬التجربة‭ ‬البحرينية‭ ‬أن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المالية‭ ‬حين‭ ‬تُدار‭ ‬ضمن‭ ‬رؤية‭ ‬اقتصادية‭ ‬متكاملة،‭ ‬تصبح‭ ‬أداة‭ ‬لتمكين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لا‭ ‬عبئًا‭ ‬عليه‭. ‬فالتدرج،‭ ‬والمرونة،‭ ‬وربط‭ ‬السياسات‭ ‬المالية‭ ‬بالأهداف‭ ‬التنموية‭ ‬الأوسع،‭ ‬عوامل‭ ‬تضمن‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬محفزًا‭ ‬للنمو،‭ ‬وداعمًا‭ ‬للاستقرار،‭ ‬وجزءًا‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬إصلاحي‭ ‬متوازن‭ ‬يضع‭ ‬الإنسان‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المعادلة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬السياسات‭ ‬المالية‭ ‬يعكس‭ ‬توجيهات‭ ‬ورؤية‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬الذي‭ ‬أرسى‭ ‬دعائم‭ ‬اقتصاد‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬والاستدامة‭ ‬والانفتاح‭. ‬كما‭ ‬يجسد‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬لسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬منظومة‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية،‭ ‬وربط‭ ‬الإصلاح‭ ‬المالي‭ ‬بأهداف‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬متطلبات‭ ‬الحاضر‭ ‬وطموحات‭ ‬المستقبل‭. ‬وبفضل‭ ‬هذه‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة،‭ ‬تواصل‭ ‬البحرين‭ ‬ترسيخ‭ ‬نموذج‭ ‬اقتصادي‭ ‬متزن،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬التحديات‭ ‬إلى‭ ‬فرص،‭ ‬وبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬مالي‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭.‬

 

ماجستير‭ ‬تنفيذي‭ ‬بالإدارة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ (‬EMBA‭)‬

عضو‭ ‬بمعهد‭ ‬المهندسين‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬البريطانية‭ ‬العالمية‭ ((‬MIET

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا