العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

عندما يطغى «الأنا» على الصالح العام

بقلم: سميرة بن رجب.

السبت ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

ما‭ ‬هي‭ ‬معايير‭ ‬القائد‭ ‬الجيد،‭ ‬والقائد‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬لديه‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬على‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭!!! ‬

الدول‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬بناها‭ ‬قادة‭ ‬عظماء،‭ ‬آثروا‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أنفسهم‭ ‬


ما‭ ‬هي‭ ‬معايير‭ ‬القائد‭ ‬الجيد،‭ ‬والقائد‭ ‬الذي‭ ‬يعلو‭ ‬لديه‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬على‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭!!!‬

إنه‭ ‬موضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقيادة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬لفهم‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للقيادة‭ ‬الفعالة‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬المشاكل‭ ‬المعقدة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬سياقات‭ ‬مختلفة؛‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬الضرورة‭ ‬العملية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬وسياق‭ ‬الملاحظات‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬القيادي‭ ‬العربي،‭ ‬وعلاقته‭ ‬باستمرارية‭ ‬الفشل‭ ‬التنموي،‭ ‬والتراجع‭ ‬المعرفي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬لفهم‭ ‬معايير‭ ‬القائد‭ ‬ومعضلة‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭... ‬بالمحصلة‭ ‬هو‭ ‬موضوع‭ ‬يتعلق‭ ‬بمبادئ‭ ‬القيادة‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأدبيات‭ ‬الإدارية،‭ ‬وبأخلاقيات‭ ‬وقدرات‭ ‬قيادية‭ ‬يملكها‭ ‬البعض‭ ‬ذاتياً،‭ ‬ولا‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬آخرون‭ ‬حتى‭ ‬بأرفع‭ ‬درجات‭ ‬التعلّم‭.‬

لفهم‭ ‬الاختلاف‭ ‬والمختلف‭ ‬نبدأ‭ ‬بالقائد‭ ‬الجيد،‭ ‬وهو‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الرسالة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بمعايير‭ ‬مترابطة‭ ‬ومتشكلة‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬متكامل،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬بعضا‭ ‬منها،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬يدمجها‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬وسلوكه،‭ ‬أهمها‭: ‬1‭- ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬معدل‭ ‬الوضوح‭ ‬في‭ ‬الهدف‭ ‬وربطه‭ ‬بالمصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬مع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬طويل‭ ‬المدى،‭ ‬وتقديم‭ ‬رواية‭ ‬ملهمة‭ ‬وحقيقية‭ ‬تجمع‭ ‬الناس‭ (‬ولا‭ ‬تفرقهم‭). ‬2-‭ ‬النزاهة،‭ ‬والمحاسبة‭ ‬الذاتية،‭ ‬وهما‭ ‬أخلاقيات‭ ‬أساسية‭ ‬ينشأ‭ ‬معهما‭ ‬التواضع‭ ‬واعتبار‭ ‬المنصب‭ ‬‮«‬أمانة‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬يتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬العدالة‭ ‬وعدم‭ ‬المحاباة‭ ‬والنفاق‭. ‬3‭- ‬الكفاءة‭ ‬والحكمة،‭ ‬وعناصرها‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬والقيم‭ ‬المرافقة‭ ‬لها،‭ ‬مثال‭ ‬حسن‭ ‬اختيار‭ ‬فريق‭ ‬العمل،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالمشورة‭ ‬والمرونة‭ ‬وتصحيح‭ ‬المسار‭. ‬و4‭- ‬التواصل‭ ‬والتمكين‭ ‬والشجاعة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬تحمُّل‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬هذا‭ ‬المعيار‭ ‬هو‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستماع،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬المؤسسات‭ (‬وليس‭ ‬تعزيز‭ ‬الأشخاص‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحمُّل‭ ‬المسؤولية‭ ‬عند‭ ‬الفشل‭ ‬وحماية‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭.‬

أما‭ ‬القائد‭ ‬السيئ‭ ‬فهو‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬،‭ ‬وأبرز‭ ‬علاماته‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬ذاته‭ ‬والمؤسسة‭ ‬أو‭ ‬الدولة؛‭ ‬وصعود‭ ‬مصالحه‭ ‬الشخصية‭ (‬السلطة،‭ ‬المجد،‭ ‬الثروة،‭ ‬الإرث‭) ‬كمحرك‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬أدائه،‭ ‬بجهل‭ ‬أو‭ ‬بعلم‭ ‬وإصرار‭.‬

وعلامات‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬الخطاب‭ ‬الانفعالي‭ ‬والتفرد،‭ ‬الذي‭ ‬يختار‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬بأن‭ ‬يبدو‭ ‬الخيار‭ ‬الأفضل‭ ‬والأوحد،‭ ‬فيبني‭ ‬نظاماً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الاستمرارية‭ ‬من‭ ‬بعده‭. ‬ومنها‭ ‬أيضاً‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدائم‭ ‬بتزكية‭ ‬الذات،‭ ‬الذي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬يصبح‭ ‬بوقاً‭ ‬دعائياً‭ ‬لعملية‭ ‬التزكية‭ ‬وإبراز‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬،‭ ‬وأداة‭ ‬لقتل‭ ‬الإبداع‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التملق‭.‬

أما‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬فهي‭ ‬عديدة،‭ ‬حيث‭ ‬ظهر‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬القريب‭ ‬والبعيد،‭ ‬ومازالت‭ ‬المجتمعات‭ ‬تصنع‭ ‬أنواعا‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬الذين‭ ‬يتميزون‭ ‬بالحساسية‭ ‬المفرطة‭ ‬للنقد،‭ ‬ويحولون‭ ‬مؤسساتهم،‭ ‬أو‭ ‬الدولة،‭ ‬إلى‭ ‬مزرعة‭ ‬شخصية،‭ ‬ويصنعون‭ ‬من‭ ‬شعوبهم‭ ‬أعداء،‭ ‬ويختزلون‭ ‬مستقبل‭ ‬أوطانهم‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬فرد‭.‬

الجذور‭ ‬التربوية‭ ‬لسلوك‭ ‬قيادات‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬

هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬التربية‭ ‬والشخصية‭ ‬النرجسية‭ ‬المتضخمة‭ ‬بـ«الأنا‮»‬،‭ ‬وفشل‭ ‬القيادة‭ ‬والإدارة‭ ‬والتنمية‭ ‬عموماً‭ ‬وفشل‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬القيم‭ ‬الجماعية‭ ‬وقيم‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

إن‭ ‬شخصية‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬تفاعل‭ ‬سام‭ ‬بين‭ ‬عوامل‭ ‬نفسية‭ ‬مبكرة،‭ ‬وبيئة‭ ‬أسرية،‭ ‬وسياقات‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مُشجعة،‭ ‬وهذه‭ ‬العوامل‭ ‬تعمل‭ ‬كـبيئة‭ ‬محمية‭ ‬لتنمية‭ ‬النرجسية،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬قيادي‭ ‬مدمر‭.‬

ولا‭ ‬يعد‭ ‬التعليم‭ ‬عاملاً‭ ‬محايداً‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬شخصية‭ ‬القائد؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬التربة‭ ‬الخصبة‭ ‬أو‭ ‬المقفرة‭ ‬التي‭ ‬تُزرع‭ ‬فيها‭ ‬بذور‭ ‬القيادة‭. ‬ويمكن‭ ‬للتعليم‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬قائداً‭ ‬مؤسسياً،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬ويضخم‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬صناعة‭ ‬قائد‭ ‬متعجرف‭.‬

إن‭ ‬تأثير‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬عميق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مسارات‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬واضحة‭ ‬للمحلل،‭ ‬أو‭ ‬الباحث،‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بين‭ ‬سلوكيات‭ ‬محددة‭ ‬لشخصيات‭ ‬قيادية‭ ‬والمناهج‭ ‬التعليمية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬قطاعات‭ ‬التعليم‭.. ‬فهناك‭ ‬أنظمة‭ ‬التعليم‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬‮«‬الفرد‭ ‬البطل‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التنافس‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬الترتيب‭ ‬والعلامات‭ ‬وتحويل‭ ‬اليوم‭ ‬الدراسي‭ ‬إلى‭ ‬معركة‭ ‬بين‭ ‬الزملاء،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬عقلية‭ ‬النجاح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخرين‭ ‬وليس‭ ‬بالتعاون‭ ‬بينهم؛‭ ‬وهناك‭ ‬ظاهرة‭ ‬تمجيد‭ ‬‮«‬العبقري‮»‬‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬دور‭ ‬البطولة‭ ‬الفردية‭ ‬كمصدر‭ ‬وحيد‭ ‬للإنجاز‭ ‬العظيم،‭ ‬وليس‭ ‬كمصدر‭ ‬للعمل‭ ‬المؤسسي‭ ‬وفريق‭ ‬العمل‭.. ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬عليها‭ ‬الأجيال،‭ ‬عبر‭ ‬التعليم،‭ ‬اعتقاداً‭ ‬أنها‭ ‬قيم‭ ‬إيجابية‭ ‬لعدم‭ ‬قدرة‭ ‬القيادات‭ ‬التعليمية‭ ‬استدراك‭ ‬الأمر،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬وبروز‭ ‬قيادات‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬مفرغة‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬وتنتهي‭ ‬به‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬تجاهل‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬لتدريس‭ ‬تاريخ‭ ‬الأفكار‭ ‬ودور‭ ‬المؤسسات‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬النجاح‭ ‬كسلسلة‭ ‬أحداث‭ ‬يقودها‭ ‬العظماء‭ ‬من‭ ‬الملوك‭ ‬والقادة‭ ‬العسكريين،‭ ‬لترتكز‭ ‬المعرفة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬يأتي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬‮«‬الرجل‭ ‬العظيم‮»‬‭ ‬الفرد،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬حركات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬تطور‭ ‬مؤسسي‭.‬

التربية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التعليم‭ ‬العاطفي‭ ‬والأخلاقي

ويعد‭ ‬غياب‭ ‬التعليم‭ ‬العاطفي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة؛‭ ‬حينها‭ ‬تفشل‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬مهارات‭ ‬أساسية‭ ‬لضبط‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬مناهجها‭ ‬لا‭ ‬تعلّم‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬والمرونة‭ ‬المعرفية،‭ ‬فلا‭ ‬يتعلم‭ ‬الطالب‭ ‬التواضع‭ ‬الفكري‭ ‬الذي‭ ‬يبدأ‭ ‬بالشك‭ ‬في‭ ‬أفكاره‭ ‬أولاً،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يتقبل‭ ‬النقد‭ ‬البنّاء؛‭ ‬فتنتج‭ ‬المدارس‭ ‬شخصيات‭ ‬متعصبة‭ ‬تعتبر‭ ‬النقد‭ ‬هجوماً‭ ‬شخصياً،‭ ‬ما‭ ‬يضطر‭ ‬القائد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحيط‭ ‬نفسه‭ ‬بمن‭ ‬يؤكدون‭ ‬له‭ ‬دائماً‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬على‭ ‬صواب‮»‬‭.‬

إن‭ ‬غياب‭ ‬التعاطف‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬يعد‭ ‬الأكثر‭ ‬بؤساً‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬الحديثة،‭ ‬فتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬ظهور‭ ‬قيادات‭ ‬منعزلة‭ ‬عن‭ ‬هموم‭ ‬الناس،‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬تأثير‭ ‬القرارات‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمواطن‭ ‬العادي،‭ ‬وتبقى‭ ‬دوائر‭ ‬الاهتمام‭ ‬ضيقة‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬الأسرة‭ ‬والذات،‭ ‬بدون‭ ‬حس‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخر‭.‬

تربية‭ ‬النخب‭ ‬في‭ ‬معزل‭ ‬عن‭ ‬الواقع

وعندما‭ ‬يكون‭ ‬التعليم‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬نخبة‭ ‬معزولة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الخاصة‭ ‬الباهظة‭ ‬التكاليف‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬كليات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬حزبية‭ ‬مغلقة،‭ ‬تخلق‭ ‬المدرسة‭ ‬طبقة‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وتعيش‭ ‬في‭ ‬فقاعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مع‭ ‬أبناء‭ ‬نفس‭ ‬الطبقة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تنوع‭ ‬وتحديات‭ ‬المجتمع‭ ‬الواقعية،‭ ‬فينشأ‭ ‬منهم‭ ‬القائد‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬عليه‭ ‬فهم‭ ‬احتياجات‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬أداؤه‭ ‬وسلوكه‭ ‬نابعاً‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬اقتصادي‭ ‬واجتماعي‭ ‬ضيق‭.‬

فما‭ ‬هو‭ ‬الحل؟

إن‭ ‬تأثير‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الشخص‭ ‬القيادي‭ ‬ليس‭ ‬حتمياً،‭ ‬لكنه‭ ‬قوي؛‭ ‬والتعليم‭ ‬الذي‭ ‬ينتج‭ ‬قائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬يكافئ‭ ‬التفرد‭ ‬على‭ ‬التعاون،‭ ‬والامتثال‭ ‬على‭ ‬النقد،‭ ‬والاستحقاق‭ ‬على‭ ‬الجدارة،‭ ‬والعزلة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭.‬

القائد‭ ‬الجيد‭ ‬ليس‭ ‬معجزة‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬العدم؛‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬بيئة‭ ‬تعليمية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تزرع‭ ‬فيه‭ ‬بذور‭ ‬التواضع‭ ‬والفضول‭ ‬والمسؤولية‭ ‬تجاه‭ ‬الآخرين،‭ ‬وبدون‭ ‬إصلاح‭ ‬جذري‭ ‬للتربة‭ ‬التعليمية،‭ ‬ستستمر‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬في‭ ‬حصاد‭ ‬قادة‭ ‬ترتفع‭ ‬لديهم‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬،‭ ‬ويغيب‭ ‬لديهم‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭.‬

فأحد‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬ناجح‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬الجماعية،‭ ‬وليس‭ ‬الامتحانات‭ ‬والتنافسية‭ ‬الفردية؛‭ ‬وبناء‭ ‬نظام‭ ‬تعليم‭ ‬خدمي‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الطالب‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬حقيقي‭ ‬للخدمة‭ ‬المجتمعية؛‭ ‬بالإضافة،‭ ‬وهي‭ ‬الأهم،‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬تدريس‭ ‬الفلسفة‭ ‬والأخلاق‭ ‬والتفكير‭ ‬النقدي‭ ‬كمواد‭ ‬أساسية‭ ‬وليس‭ ‬ترفاً‭ ‬فكرياً‭.‬

إن‭ ‬المعيار‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬القائد‭ ‬الجيد‭ ‬وقائد‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬هو‭ ‬خدمة‭ ‬المؤسسة‭ ‬والهدف‭ ‬العام،‭ ‬وليس‭ ‬خدمة‭ ‬الذات‭ ‬والمجد‭ ‬الفردي‭.‬

وإن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ازدهرت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬بناها‭ ‬قادة‭ ‬عظماء،‭ ‬آثروا‭ ‬الصالح‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أنفسهم؛‭ ‬والقائد‭ ‬العظيم‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬إرثه‭ ‬المؤسسي‭ ‬لا‭ ‬الشعارات،‭ ‬وإلى‭ ‬كفاءته‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬السلطة‭ ‬تحت‭ ‬قيادته‭ ‬لا‭ ‬تمركزها،‭ ‬وإلى‭ ‬مدى‭ ‬اندماجه‭ ‬مع‭ ‬حال‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬فقاعة‭ ‬النخب‭.‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا