في عالم المتاحف العالمية، لا تقتصر مخاطرالتلفيات والسرقات على اللوحات فحسب، فالمجوهرات بدورها تُعد كنوزًا ذات قيمة مادية وتاريخية فائقة، ما يجعل المتاحف أهدافًا عالية المخاطر للجريمة المنظمة. ولا تقتصر تبعات مثل هذه السرقات على فقدان قطع ثمينة فقط، بل تمثل خسارة ثقافية لا يمكن تعويضها، وتثير تساؤلات جوهرية حول كيفية تقييم هذه النفائس وآليات تسريبها أو إعادة بيعها في السوق السوداء.
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو الضجة الواسعة التي أثارتها حادثة السطو الأخيرة، التي تعرّض لها متحف اللوفر في باريس. حيث تم تنفيذ سرقة احترافية من قبل مجهولين خلال سبع دقائق فقط. وتمكن من خلالها اللصوص من انتزاع عدد من القطع الجوهرية من المجوهرات الملكية، من بينها تاج للإمبراطورة أوجيني وقطع مرتبطة بنابليون، تُقدَّر قيمتها المعلنة بنحو 88 مليون يورو. وأكدت السلطات الفرنسية أن الخسارة تتجاوز الجانب المادي، إذ تمسّ أيضاً الإرث التاريخي والرمزي المرتبط بهذه التحف البالغة الأهمية.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها. ففي نوفمبر 2019، عُرضت تقارير عن سرقة ما يزيد عن 100 قطعة مجوهرات من متحف «غرين فولت» بألمانيا، وكانت تضم قطعًا من القرن الثامن عشر، وُصفت بأنها لا تقدر بثمن. كما شهد متحف نيزام في مدينة حيدر أباد بالهند، سرقة كبرى بالعام 2018 شملت أدوات ذهبية مرصعة بالألماس والزمرد، قُدّرت في السوق السوداء بحوالي مئات الملايين من الدولارات. ومن الأمثلة التاريخية أيضاً السرقة الشهيرة لمتحف العلوم الطبيعة في نيويورك عام 1964، حين سرق جاك رولاند مورفي مجموعة من الأحجار الكريمة النادرة مثل «ستار أوف إنديا» و»دي لونغ ستار روبي”
أما تقدير قيمة هذه المجوهرات، فيتم على عدة مستويات. أولاً القيمة المادية للمعادن والأحجار الكريمة النادرة والالماس بحسب وزنها ونقاوتها. هذا بالإضافة إلى البُعد التاريخي والتراثي الذي يرفع من قيمة هذه القطع المتحفية الاستثنائية وما يُرتّب عليها غالبًا من صعوبة البيع في أسواق شرعية أو حتى غير قانونية. ويؤكد الخبراء بأن اللصوص غالبًا ما يواجهون صعوبة في إعادة بيع القطع كما هي، لأن (سجل الملكية) يُعرّفها كقطع مسروقة، ما يزيد من خطورة التداول بها علنًا.
ولكن على الرغم من ذلك، فإن البعض لا يستسلم بسهولة ويقبل بالمجازفة . حيث ان هناك سوق سوداء للأحجار الأثرية والمجوهرات المسروقة، ويُعتقد أن بعضها يُعاد تسييله بعد تفكيكه. إذ يُمكن إزالة الأحجار من الإعداد الأصلي، وصهر المعادن الثمينة، ثم بيعها كقطع فردية أو خردة. وفي حالات أخرى اكتُشِفت قطع مسروقة معروضة على مواقع إلكترونية مثل إيباي، مما يوضح بأن القطع المسروقة يمكن أن تفلت وتنجو، وإن كان لفترة مؤقتًة، من أعين السلطات والجهات الامنية.
وبالنسبة لبند التأمين والتعويضات، فغالبًا ما تقيّم المتاحف مجوهراتها من قِبل خبراء مستقلين للحصول على تغطية كبيرة على قطعها المعروضة. وعندما تُسرق احدى هذه القطع، يتم تحديد مبلغ تأمينها بناءً على التقييم الذي يشمل البُعد التاريخي والثقافي، وليس فقط على سعر المعدن الخام والاحجار. وقد تُمنح جوائز لمن يُعيد القطع حتى لو بعد فترة من الزمن، وذلك لتشجيع إعادة التراث بدلًا من تدميره أو صهره.
ختامًا، فإن سرقة المجوهرات من المتاحف ليست مجرد خسارة مادية بل خرق لروابط الثقافة والهوية. حيث تجسد هذه القطع النادرة فصولًا من التاريخ، وقيمتها تتجاوز السعر المادي. و هي جزء من تراث لا يمكن استعادته بالكامل حتى لو وُجدت أجزاء منه وتم تجميعها مرة أخرى. والتحدي الحقيقي يكمن في حماية هذا التراث من الانتهاك، وتقوية أنظمة الأمان، وكذلك ردع من يرون فيها مجرد فرصة للربح السريع على حساب الذاكرة الإنسانية.
هل شدّ انتباهكم يومًا أيُّ قطع من المجوهرات التاريخية خلال زياراتكم للمتاحف حول العالم؟ شاركونا بآرائكم ونتطلع إلى مقترحاتكم للمواضيع القادمة والاجابة على تساؤلاتكم على البريد الالكتروني:
seemajewelsbh@gmail.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك