العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٤٦ - الأحد ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٨ رجب ١٤٤٧هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

ولا عزاء لسنجار وأمثاله

نشر‭ ‬أحد‭ ‬الناشطين‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬مؤخرا‭ ‬تويتة‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬‮«‬العالم‭ ‬التركي‭ ‬عزيز‭ ‬سنجار‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬متابعيه‭ ‬350‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬ومثله‭ ‬كثير‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.. ‬بينما‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬اشتهر‭ ‬بتحريك‭ ‬أو‭ ‬هز‭ (‬كرشه‭)‬؛‭ ‬أي‭ ‬بطنه،‭ ‬يتابعه‭ ‬15‭ ‬مليون‭ ‬متابع‭.. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يلخص‭ ‬بوضوح‭ ‬حجم‭ ‬التدهور‭ ‬في‭ ‬الذوق‭ ‬العام‭ ‬وسيطرة‭ ‬التفاهة‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الناس‭.. ‬وتراجع‭ ‬قيمة‭ ‬العلم‭ ‬والإنجاز‭ ‬الحقيقي‮»‬‭!‬

شخصيا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬بشدة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬حجم‭ ‬المتابعة‭ ‬اليوم‭ ‬لأي‭ ‬صاحب‭ ‬حساب‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرضه‭ ‬من‭ ‬رأي‭ ‬أو‭ ‬فكر‭ ‬أو‭ ‬ثقافة،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬يقدمه‭ ‬من‭ ‬محتوى‭ ‬يواكب‭ ‬تفشي‭ ‬ثقافة‭ ‬التفاهة‭ ‬وخاصة‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تسعى‭ ‬وراء‭ ‬المتعة‭ ‬اللحظية‭ ‬والترفيه‭ ‬والسطحية‭.‬

اليوم‭ ‬الانشغال‭ ‬بات‭ ‬بالقضايا‭ ‬الفارغة‭ ‬وغير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬طرحه‭ ‬الكاتب‭ ‬والفيلسوف‭ ‬الكندي‭ ‬‮«‬دونو‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ (‬ثقافة‭ ‬التفاهة‭) ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬الذي‭ ‬حقق‭ ‬انتشار‭ ‬واسعا‭ ‬وصدى‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم،‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬فيه‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سيطرة‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬محدودي‭ ‬الكفاءة‭ ‬والتفكير،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬بروز‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬التافهين‭ ‬الذين‭ ‬باتوا‭ ‬يهيمنون‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬وتقاس‭ ‬أهميتهم‭ ‬بعدد‭ ‬اللايكات‭ (‬الإعجابات‭). ‬

بالفعل‭ ‬وكما‭ ‬أشار‭ ‬المراقبون‭ ‬والمحللون‭ ‬أصبحت‭ ‬التفاهة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬محتوى‭ ‬ترفيهي،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬فيروسا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬ينتشر‭ ‬بسرعة،‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغلغلت‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬مثلت‭ ‬فيها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬حتى‭ ‬راح‭ ‬البعض‭ ‬يحذر‭ ‬من‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬صناعة‭ ‬قائمة‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأصيلة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬

للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬هيمنة‭ ‬التفاهة‭ ‬باتت‭ ‬أمرا‭ ‬يثير‭ ‬الاشمئزاز‭ ‬بل‭ ‬والقرف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬وهو‭ ‬يبرهن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬قيمي‭ ‬وانحراف‭ ‬أخلاقي،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬الحوكمة‭ ‬الرقمية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عدم‭ ‬التعامل‭ ‬القانوني‭ ‬الرادع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ضاعف‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬التفاهة‭ ‬والتافهين‭.‬

ولا‭ ‬عزاء‭ ‬لسنجار‭ ‬وأمثاله‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا