لغالبية الأشياء في الحياة وجهان مختلفان أو ربما أكثر، ولكن على الأكيد أن أحدهما قد يكون إيجابيا والآخر سلبيا؛ إما بشكل مطلق حد البياض والسواد، أو إلى حدٍ ما وصولاً إلى رمادية الأشياء، وما يبين طريق هذا التباين؛ هو الاستناد إلى المعطيات والنتائج المترتبة بناءً على طريقة تفاعلنا أو استخدامنا للشيء الماثل أمامنا.
والذكاء الاصطناعي واحد من أبرز الأمثلة على ذلك في الوقت الحالي، لا سيما أنه قادر بأن يكون سيفا ذا حدين؛ وفق الشكل الذي يتم توظيفه فيه.
وعلى الأكيد إنه أوجد الكثير من التحديات والمخاوف؛ إلى جانب ما قدمه من خدمات وتسهيلات للأفراد والمجتمعات بشكل عام، وقد تكون أكثر المخاوف البشرية تداولًا هي أن يأتي بديلا عنهم! أو أن يحل محلهم خاصة في مجال الوظائف!
وما لا يدركه الغالبية؛ إن الذكاء الاصطناعي كأداة ليست على وشك سرقة الوظائف، ولا بصدد أن يكون بديلا لوجودهم، إنما قد يكون ذا خطورة أكثر من ذلك بكثير! لأنه قد يسرق عقولهم، ويعطل عملها دون دراية أو إدراك منهم!
حيث كشف مؤخرًا عدد من الدراسات التي أجريت حديثًا في مجال الطب على الصعيدين العضوي والنفسي؛ أن الاعتماد غير الواعي على استخدام الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى ضمور مهارات العقل البشري!
وذلك من خلال إمكانيته في تقليل الجهد الإدراكي الذي يبذله الأفراد في إنجاز المهام، الأمر الذي بدوره يؤدي إلى تآكل مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، كما يؤثّر في قدرات التفكير العميق، والقدرات اللغوية والنشاط العصبي، إلى جانب تراجع قدرات التعلم وتكوين الذاكرة، الأمر الذي يؤدي إلى فهم سطحي وضعف في الاحتفاظ بالمعلومات، كما يقلل بشكل ملحوظ على المدى البعيد من الذكاء البشري.
إن انجراف البعض المبالغ فيه نحو وسائل الراحة، وسبل تسهيل متطلبات الحياة بشكل عام، وتسريع وتيرة العمل والإنجاز، تجعله يقع في فخ الوقوع في مشاكل هو في غنى عنها! لأنه بذلك يتغاضى عن السبب الحقيقي لوجود الآلة والذكاء الاصطناعي، ومختلف التقنيات التكنولوجية الحديثة، والذي يختزل في تسهيل المهام لا إنجازها!
لذلك يجب تقنين وترشيد هذا الاستخدام، بحيث لا يتم الانجراف نحو الاعتماد المعرفي في استعمال أداة الذكاء الاصطناعي بشكل كلي، إنما كشريك في التفكير، ومساعد في التنفيذ، ومعزز للأفكار، بحيث من الأهمية بمكان أن يتم الحرص أثناء ذلك؛ على عدم تحولنا من منتجين للأفكار إلى مستهلكين للنتائج!
ولن يتم ذلك إلا من خلال إدارة استخدام أداة الذكاء الاصطناعي بحكمة ودون إفراط أو تفريط؛ الأمر الذي من شأنه أن يكفل حماية الدماغ من الكسل العقلي والتراخي الذهني، وحماية قدرات الفرد على الإبداع والابتكار.
لهذا يجب على المستخدم كما هو الحال مع أي أداة؛ اعتماد إستراتيجية ذكية في التعاطي معها، وذلك لتعزيز قدراته العقلية وذكائه الطبيعي وإمكانياته، وذلك باعتبارها امتداد للعقل وليس بديلًا عنه.
وقبل أن أختم مقالي أود أن أطرح عليك سؤالًا عزيزي القارئ، وأتمنى أن تطرحه على نفسك قبل أي استخدام واستمتاع بما يقدمه الذكاء الاصطناعي من نتائج سريعة ومريحة ولحظية، هل أنت على استعداد للمخاطرة بقدراتك العقلية ووظائف دماغك من أجل هذه الراحة الوقتية؟ وهل أنت مستعد للتضحية بذكائك كقربان للذكاء الاصطناعي؟!
لذا لا تدع عقلك كبش فداء.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك