العدد : ١٧٤٣٩ - الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٣٩ - الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

سحابة رأي:
ذكاؤك قربان للذكاء الاصطناعي!

بقلم: إسراء القصاب

الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

لغالبية‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وجهان‭ ‬مختلفان‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أكثر،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬أحدهما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬إيجابيا‭ ‬والآخر‭ ‬سلبيا؛‭ ‬إما‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬حد‭ ‬البياض‭ ‬والسواد،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬ما‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬رمادية‭ ‬الأشياء،‭ ‬وما‭ ‬يبين‭ ‬طريق‭ ‬هذا‭ ‬التباين؛‭ ‬هو‭ ‬الاستناد‭ ‬إلى‭ ‬المعطيات‭ ‬والنتائج‭ ‬المترتبة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬تفاعلنا‭ ‬أو‭ ‬استخدامنا‭ ‬للشيء‭ ‬الماثل‭ ‬أمامنا‭.‬

والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أنه‭ ‬قادر‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬سيفا‭ ‬ذا‭ ‬حدين؛‭ ‬وفق‭ ‬الشكل‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬توظيفه‭ ‬فيه‭.‬‮ ‬

وعلى‭ ‬الأكيد‭ ‬إنه‭ ‬أوجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والمخاوف؛‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬وتسهيلات‭ ‬للأفراد‭ ‬والمجتمعات‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬المخاوف‭ ‬البشرية‭ ‬تداولًا‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬بديلا‭ ‬عنهم‭! ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬محلهم‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الوظائف‭!‬

وما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الغالبية؛‭ ‬إن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كأداة‭ ‬ليست‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬سرقة‭ ‬الوظائف،‭ ‬ولا‭ ‬بصدد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بديلا‭ ‬لوجودهم،‭ ‬إنما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬خطورة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭! ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬يسرق‭ ‬عقولهم،‭ ‬ويعطل‭ ‬عملها‭ ‬دون‭ ‬دراية‭ ‬أو‭ ‬إدراك‭ ‬منهم‭!‬‮ ‬

حيث‭ ‬كشف‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬حديثًا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬العضوي‭ ‬والنفسي؛‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬غير‭ ‬الواعي‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ضمور‭ ‬مهارات‭ ‬العقل‭ ‬البشري‭!‬

وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إمكانيته‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬الجهد‭ ‬الإدراكي‭ ‬الذي‭ ‬يبذله‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬المهام،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬مهارات‭ ‬التفكير‭ ‬النقدي‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات،‭ ‬كما‭ ‬يؤثّر‭ ‬في‭ ‬قدرات‭ ‬التفكير‭ ‬العميق،‭ ‬والقدرات‭ ‬اللغوية‭ ‬والنشاط‭ ‬العصبي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تراجع‭ ‬قدرات‭ ‬التعلم‭ ‬وتكوين‭ ‬الذاكرة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬سطحي‭ ‬وضعف‭ ‬في‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالمعلومات،‭ ‬كما‭ ‬يقلل‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬البشري‭.‬‮ ‬

إن‭ ‬انجراف‭ ‬البعض‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬نحو‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة،‭ ‬وسبل‭ ‬تسهيل‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬العمل‭ ‬والإنجاز،‭ ‬تجعله‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬مشاكل‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭!‬‮ ‬لأنه‭ ‬بذلك‭ ‬يتغاضى‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬لوجود‭ ‬الآلة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬ومختلف‭ ‬التقنيات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الحديثة،‭ ‬والذي‭ ‬يختزل‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬المهام‭ ‬لا‭ ‬إنجازها‭!‬

لذلك‭ ‬يجب‭ ‬تقنين‭ ‬وترشيد‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬الانجراف‭ ‬نحو‭ ‬الاعتماد‭ ‬المعرفي‭ ‬في‭ ‬استعمال‭ ‬أداة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بشكل‭ ‬كلي،‭ ‬إنما‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬ومساعد‭ ‬في‭ ‬التنفيذ،‭ ‬ومعزز‭ ‬للأفكار،‭ ‬بحيث‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الحرص‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك؛‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تحولنا‭ ‬من‭ ‬منتجين‭ ‬للأفكار‭ ‬إلى‭ ‬مستهلكين‭ ‬للنتائج‭!‬

ولن‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدارة‭ ‬استخدام‭ ‬أداة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بحكمة‭ ‬ودون‭ ‬إفراط‭ ‬أو‭ ‬تفريط؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يكفل‭ ‬حماية‭ ‬الدماغ‭ ‬من‭ ‬الكسل‭ ‬العقلي‭ ‬والتراخي‭ ‬الذهني،‭ ‬وحماية‭ ‬قدرات‭ ‬الفرد‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭ ‬والابتكار‭.‬‮ ‬

لهذا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المستخدم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬أداة؛‭ ‬اعتماد‭ ‬إستراتيجية‭ ‬ذكية‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬معها،‭ ‬وذلك‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدراته‭ ‬العقلية‭ ‬وذكائه‭ ‬الطبيعي‭ ‬وإمكانياته،‭ ‬وذلك‭ ‬باعتبارها‭ ‬امتداد‭ ‬للعقل‭ ‬وليس‭ ‬بديلًا‭ ‬عنه‭.‬

وقبل‭ ‬أن‭ ‬أختم‭ ‬مقالي‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬عليك‭ ‬سؤالًا‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬تطرحه‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬استخدام‭ ‬واستمتاع‭ ‬بما‭ ‬يقدمه‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬سريعة‭ ‬ومريحة‭ ‬ولحظية،‭ ‬هل‭ ‬أنت‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للمخاطرة‭ ‬بقدراتك‭ ‬العقلية‭ ‬ووظائف‭ ‬دماغك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هذه‭ ‬الراحة‭ ‬الوقتية؟‭ ‬وهل‭ ‬أنت‭ ‬مستعد‭ ‬للتضحية‭ ‬بذكائك‭ ‬كقربان‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي؟‭!‬‮ ‬

لذا‭ ‬لا‭ ‬تدع‭ ‬عقلك‭ ‬كبش‭ ‬فداء‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا