العدد : ١٧٤٣٩ - الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رجب ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٣٩ - الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ رجب ١٤٤٧هـ

مقالات

اللغة العربية في ليالي المحرق

بقلم: المحامية د. هنادي بنت عيسى الجودر

الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

لشهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭ ‬نحن‭ ‬أهل‭ ‬البحرين‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة،‭ ‬لأنه‭ ‬شهر‭ ‬الفرح‭ ‬الراسخ‭ ‬برسوخ‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬قلوبنا،‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬فيه‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬احتفاء‭ ‬بالوطن‭ ‬والمخلصين‭ ‬له‭ ‬واحتفال‭ ‬بأفراحه‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬قدومه‭ ‬بالمرأة‭ ‬كعنصر‭ ‬فاعل‭ ‬وأساسي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وبالأعياد‭ ‬الوطنية‭ ‬وذكرى‭ ‬جلوس‭ ‬سيدي‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬المعظم‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وبتكريم‭ ‬ذكرى‭ ‬شهداء‭ ‬الوطن‭ ‬مصحوب‭ ‬باحتفاء‭ ‬مواز‭ ‬بثقافة‭ ‬البحرين‭ ‬وتراثها‭ ‬وموروثها‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقع‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬ليالي‭ ‬المحرّق‭ ‬وديار‭ ‬المحرق‭ ‬والمنامة‭ ‬والقرية‭ ‬التراثية،‭ ‬وهو‭ ‬شهر‭ ‬مُبارك‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬عيد‭ ‬يحتفل‭ ‬فيه‭ ‬أخوتنا‭ ‬المسيحيون‭ ‬بمولد‭ ‬المسيح‭ ‬سيدنا‭ ‬عيسى‭ ‬ابن‭ ‬مريم،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬ثراء‭ ‬وبهاء‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬ومسرّاته‭ ‬الاحتفال‭ ‬باليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬الذي‭ ‬يوافق‭ ‬18‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدت‭ ‬فيه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬سادسة‭ ‬لها‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬تعزيزاً‭ ‬لمكانة‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬الثريّة‭ ‬وأهميتها‭ ‬وإرثها‭ ‬الحضاري،‭ ‬حيث‭ ‬استظلّ‭ ‬الاحتفال‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2025‭ ‬بشعار‭ (‬مسارات‭ ‬مبتكرة‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭).‬

اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الثوابت‭ ‬في‭ ‬دستور‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بجانب‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بنصّه‭ ‬في‭ ‬مادته‭ ‬الثانية‭ ‬على‭ ‬أنه‭: (‬دين‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلام،‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬مصدر‭ ‬رئيسي‭ ‬للتشريع،‭ ‬ولغتها‭ ‬الرسمية‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭).‬

لذا‭ ‬سأتطرق‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬يصدف‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬أمام‭ ‬عيني‭: ‬شخص‭ ‬بالغ‭ (‬أكثرهن‭ ‬نساء‭ ‬وأعرف‭ ‬بعضهم‭) ‬مع‭ ‬طفل‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬سنواته‭ ‬الأولى،‭ ‬وتفاجأ‭ ‬بلغة‭ ‬الخطاب‭ ‬الموجه‭ ‬إليه‭ (‬say‭ ‬thank‭ ‬you‭)‬؟‭ ‬ليش؟؟؟‭  ‬اشفيها‭ ‬شكراً؟؟‭  ‬وسأتفهم‭ ‬أكثر‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬عاملة‭ ‬المنزل‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬ولكنها‭ ‬والدته‭ ‬أو‭ ‬عمته‭ ‬أو‭ ‬خالته‭ ‬أو‭ ‬أخته‭.‬

لذلك،‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬والمستهجن‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬دائماً‭ ‬مشاهدة‭ ‬حرص‭ ‬الأسرة‭ ‬العربية‭ ‬البحرينية‭ ‬العصرية‭ ‬على‭ ‬تعليم‭ ‬أبنائها‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬وحرصهم‭ ‬على‭ ‬جعلها‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬والأمر‭ ‬الذي‭ ‬أعادني‭ ‬لطرح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬مشاهدات‭ ‬متعددة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسر‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق،‭ ‬الذي‭ ‬حرصتُ‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬لياليه‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬سمحت‭ ‬لي‭ ‬به‭ ‬ظروفي،‭ ‬وأفاجأ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بمشهد‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬يُخاطب‭ ‬بلغة‭ ‬أجنبية‭ ‬وليتها‭ ‬كانت‭ ‬سليمة‭ ‬النطق،‭ ‬بل‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬لغة‭ ‬مبتورة‭ ‬الجُمل‭ ‬وضعيفة‭ ‬اللفظ،‭ ‬أوشكت‭ ‬أن‭ ‬أشبهها‭ ‬بالطائر‭ ‬الذي‭ ‬أضاع‭ ‬مشيته‭ ‬بسبب‭ ‬تقليده‭ ‬لمشية‭ ‬طائر‭ ‬آخر‭.‬

ويدور‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬دائماً‭ ‬سؤال‭ ‬أريد‭ ‬توجيهه‭ ‬لهؤلاء‭ ‬هو‭: ‬ما‭ ‬بال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؟‭ ‬لماذا‭ ‬الترفّع‭ ‬عنها‭ ‬والتبرؤ‭ ‬منها؟‭ ‬ومقابل‭ ‬ماذا؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬لغة‭ ‬أفضل‭ ‬منها‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم؟‭ ‬

ثم‭ ‬لن‭ ‬أذكر‭ ‬محاسن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الكثيرة‭ ‬ويكفيها‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ ‬اللغات‭ ‬ثراءً‭ ‬بالكلمات،‭ ‬ولكني‭ ‬سأقف‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬كون‭ ‬لغة‭ ‬الإنسان‭ ‬هي‭ ‬مُكوّن‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬هويّته‭ ‬وثقافته‭ ‬وإرثه‭ ‬الحضاري،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نعتزّ‭ ‬بهذا‭ ‬الإرث‭ ‬وننقشه‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬وعقول‭ ‬أبنائنا‭ ‬منذ‭ ‬الصغر،‭ ‬أوَ‭ ‬ليس‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬كالنقش‭ ‬في‭ ‬الحجر؟؟‭! ‬

لذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬تعليم‭ ‬الأبناء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بكل‭ ‬جماليتها‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نُعلّمهم‭ ‬ما‭ ‬نشاء‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬والفائدة‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬علمهم‭ ‬زاد‭ ‬وعيهم‭ ‬ونما‭ ‬فكرهم‭ ‬وزاد‭ ‬عطاؤهم‭ ‬لوطنهم‭ ‬وللإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬فأنا‭ ‬مع‭ ‬تعلّم‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الحيّة‭ ‬ولكن‭ ‬العربية‭ ‬أولاً‭ ‬فلا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬نعتزّ‭ ‬بلغتنا‭ ‬العربية‭ ‬ونفخر‭ ‬بها‭ ‬ونتناقل‭ ‬هذا‭ ‬الاعتزاز‭ ‬جيلاً‭ ‬إثر‭ ‬جيل‭ ‬كإرث‭ ‬حضاري‭ ‬نفخر‭ ‬به‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬سيجعلنا‭ ‬موضع‭ ‬احترام‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الناطقين‭ ‬بلغتنا،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬أهم‭ ‬منظمة‭ ‬دولية‭ ‬قد‭ ‬اعتدّت‭ ‬بها‭ ‬كلغة‭ ‬رسمية‭ ‬ضمن‭ ‬لغاتها‭ ‬وخصصت‭ ‬لها‭ ‬يوما‭ ‬للاحتفاء‭ ‬بها‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬أن‭ ‬نعتد‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬بلغتنا‭ ‬وهويتنا‭ ‬العربية‭ ‬الأصيلة‭.‬

وللأمانة‭ ‬إن‭ ‬مهرجان‭ ‬ليالي‭ ‬المحرق‭ ‬الناجح‭ ‬بكل‭ ‬المقاييس‭ ‬الإدارية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والتراثية‭ ‬هو‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يمتلك‭ ‬فكراً‭ ‬إبداعياً‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬فشكراً‭ ‬لكل‭ ‬القائمين‭ ‬عليه‭ ‬وللمشاركين‭ ‬فيه‭ ‬ودامت‭ ‬أفراح‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودام‭ ‬عزّها‭.‬

hahadialjowder@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا