القراء الأعزاء،
لشهر ديسمبر في قلوبنا نحن أهل البحرين مكانة خاصة، لأنه شهر الفرح الراسخ برسوخ هذا الوطن في قلوبنا، كل لحظة فيه هي عبارة عن احتفاء بالوطن والمخلصين له واحتفال بأفراحه التي تبدأ منذ لحظة قدومه بالمرأة كعنصر فاعل وأساسي في المجتمع وبالأعياد الوطنية وذكرى جلوس سيدي حضرة صاحب الجلالة المعظم الملك حمد بن عيسى آل خليفة وبتكريم ذكرى شهداء الوطن مصحوب باحتفاء مواز بثقافة البحرين وتراثها وموروثها الشعبي من خلال مواقع متعددة في ليالي المحرّق وديار المحرق والمنامة والقرية التراثية، وهو شهر مُبارك بلا شك حيث إنه عيد يحتفل فيه أخوتنا المسيحيون بمولد المسيح سيدنا عيسى ابن مريم، ويزيد من ثراء وبهاء هذا الشهر ومسرّاته الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الأمم المتحدة اللغة العربية لغة رسمية سادسة لها عام 1973، تعزيزاً لمكانة هذه اللغة الثريّة وأهميتها وإرثها الحضاري، حيث استظلّ الاحتفال هذا العام 2025 بشعار (مسارات مبتكرة للغة العربية).
اللغة العربية التي تُعد أحد أهم الثوابت في دستور مملكة البحرين بجانب الشريعة الإسلامية، بنصّه في مادته الثانية على أنه: (دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية).
لذا سأتطرق إلى هذا المشهد الذي يصدف أن يقع أمام عيني: شخص بالغ (أكثرهن نساء وأعرف بعضهم) مع طفل يبدو في سنواته الأولى، وتفاجأ بلغة الخطاب الموجه إليه (say thank you)؟ ليش؟؟؟ اشفيها شكراً؟؟ وسأتفهم أكثر لو كانت عاملة المنزل هي المسؤولة ولكنها والدته أو عمته أو خالته أو أخته.
لذلك، من المستغرب والمستهجن في رأيي دائماً مشاهدة حرص الأسرة العربية البحرينية العصرية على تعليم أبنائها اللغة الأجنبية وحرصهم على جعلها لغتهم الأم، والأمر الذي أعادني لطرح هذا الموضوع هو مشاهدات متعددة لمثل هذه الأسر في مهرجان ليالي المحرق، الذي حرصتُ على حضور لياليه بقدر ما سمحت لي به ظروفي، وأفاجأ في كل مرة بمشهد طفل صغير يُخاطب بلغة أجنبية وليتها كانت سليمة النطق، بل غالباً ما كانت لغة مبتورة الجُمل وضعيفة اللفظ، أوشكت أن أشبهها بالطائر الذي أضاع مشيته بسبب تقليده لمشية طائر آخر.
ويدور في ذهني دائماً سؤال أريد توجيهه لهؤلاء هو: ما بال اللغة العربية؟ لماذا الترفّع عنها والتبرؤ منها؟ ومقابل ماذا؟ وهل هناك لغة أفضل منها وهي لغة القرآن الكريم؟
ثم لن أذكر محاسن اللغة العربية الكثيرة ويكفيها أنها أكثر اللغات ثراءً بالكلمات، ولكني سأقف فقط عند كون لغة الإنسان هي مُكوّن أساسي من مكونات هويّته وثقافته وإرثه الحضاري، فلماذا لا نعتزّ بهذا الإرث وننقشه في أذهان وعقول أبنائنا منذ الصغر، أوَ ليس العلم في الصغر كالنقش في الحجر؟؟!
لذا يجب أن تكون الخطوة الأولى تعليم الأبناء اللغة العربية بكل جماليتها ومن ثم نُعلّمهم ما نشاء من لغات أخرى لمزيد من العلم والفائدة إذ إنه كلما زاد علمهم زاد وعيهم ونما فكرهم وزاد عطاؤهم لوطنهم وللإنسانية جمعاء، فأنا مع تعلّم أكبر عدد من اللغات الحيّة ولكن العربية أولاً فلا ننسى أن نعتزّ بلغتنا العربية ونفخر بها ونتناقل هذا الاعتزاز جيلاً إثر جيل كإرث حضاري نفخر به وذلك ما سيجعلنا موضع احترام من غير الناطقين بلغتنا، وإذا ما كانت الأمم المتحدة وهي أهم منظمة دولية قد اعتدّت بها كلغة رسمية ضمن لغاتها وخصصت لها يوما للاحتفاء بها فمن باب أولى أن نعتد نحن العرب بلغتنا وهويتنا العربية الأصيلة.
وللأمانة إن مهرجان ليالي المحرق الناجح بكل المقاييس الإدارية والإنسانية والاجتماعية والثقافية والتراثية هو بلا شك مصدر إلهام لكل من يمتلك فكراً إبداعياً في جميع المجالات، فشكراً لكل القائمين عليه وللمشاركين فيه ودامت أفراح مملكة البحرين ودام عزّها.
hahadialjowder@gmail.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك