تشكل صناديق التقاعد ركيزة أساسية في الاستقرار الاجتماعي والمالي لأي دولة، وحمايتها تمثل استثمارًا مباشرًا في مستقبل المواطنين ومتانة الاقتصاد الوطني. والحفاظ على قوة هذه الصناديق يتطلب منهجًا إداريًا متوازنًا يجمع بين الانضباط المالي، والابتكار الاستثماري، وتعزيز الحوكمة، بما يضمن استدامتها سنوات طويلة قادمة وبما يتماشى مع أهداف التنمية الاقتصادية في المملكة.
إن إعادة الهيكلة التنظيمية تعد خطوة محورية، من خلال بناء إدارة عليا تضم مزيجًا من الخبرات الإدارية والمصرفية والاقتصادية، لضمان اتخاذ قرارات استراتيجية تعتمد على المعرفة الدقيقة والدراسات الشاملة. كما أن الاستعانة بالكوادر المتخصصة والمستشارين من شأنه رفع كفاءة منظومة العمل، وتطوير آليات المتابعة لضمان سلامة الإجراءات وجودتها.
ومن الجوانب التي تدعم الاستدامة المالية للصناديق، وضع سياسات مدروسة تعزز مواردها من دون التأثير على المواطنين، مثل استقطاع رمزي ومؤقت من رواتب فئة معينة من الوافدين كإجراء داعم لمرحلة زمنية محدودة، لحين تحقيق فوائض مالية مستقرة. وفي المقابل، يجب أن تُحاط هذه الإيرادات بأعلى درجات الحوكمة، مع منع توجيه أموال الصناديق لأي أغراض غير ذات عائد أو لا تتوافق مع متطلبات الاستدامة طويلة الأمد.
وعلى صعيد الاستثمار، يمثل تنويع مصادر الدخل خطوة حيوية لضمان النمو المستقبلي. إذ يمكن توجيه جزء من الأموال إلى استثمارات عالمية ذات عوائد مستقرة في قطاعات التعليم، الصحة، التكنولوجيا، والابتكار، وهي قطاعات أثبتت عالميًا قدرتها على تحقيق عوائد قوية ومنخفضة المخاطر. وفي الوقت نفسه، يمكن تخصيص نسبة أخرى لتمويل مشاريع داخلية مثل السندات والبنية التحتية، مما يعزز الدورة الاقتصادية ويدعم النمو المحلي.
كما يُعد تحصيل المستحقات المتراكمة لدى بعض المستثمرين جزءًا من منظومة الحوكمة المالية، بما يضمن توجيه كل الموارد إلى مسارها الصحيح. ويكتمل ذلك بسن تشريعات حديثة تحمي حقوق المشتركين والمتقاعدين، وتعزز الشفافية، وترسخ الثقة العامة في المؤسسات التقاعدية.
وتأتي الرقابة المالية الدورية كعنصر أساسي، عبر تقارير ربع سنوية تُرفع إلى مجلس الوزراء لقياس مستويات الإنجاز والعوائد، بما يضمن اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة. كما يمكن تعزيز النمو من خلال الاستثمار في القطاعات الواعدة مثل السياحة، بما تقدمه من عوائد مستدامة وتنوع اقتصادي يخدم أهداف المملكة المستقبلية.
إن تطوير منظومة صناديق التقاعد ليس مجرد ضرورة مالية، بل هو مشروع وطني يعكس التزام البحرين بتأمين مستقبل الأجيال القادمة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وترسيخ الثقة بالقطاع العام. ومع استمرار المملكة في مسار الإصلاح الاقتصادي والرؤية المستقبلية الطموحة، فإن تعزيز منظومة التقاعد يشكل حجر زاوية في بناء اقتصاد متين ومستدام يرتكز على الحوكمة، والكفاءة، والرؤية طويلة المدى.
* ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية العالمية MIET))

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك