ننشأ جميعاً على أمثال تحمل من الحكمة ما يكفي لتشكيل شخصياتنا، وكان من أكثرها أثراً في حياتي قول والدي، رحمه الله: «أنتِ قدها يبه والنجاح في الميدان يا حميدان». بهذه العبارة البسيطة علّمني قيمة الجد والاجتهاد، وغرس في داخلي روح المسؤولية والمثابرة والإيمان بأن النجاح يصنعه العمل الجاد. ولقد كانت عبارة «قدها» دافعاً يلازمني طوال مسيرتي العملية والشخصية، ولطالما منحتني القدرة على المضي ثابتة رغم التحديات.
ومبادرة «قدها» التي أطلقها سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة جاءت لتعزز هذا المبدأ المجتمعي، وترتقي به إلى مستوى وطني شامل، فهي ليست مجرد شعار، بل منهج عمل ومفهوم يُسهم في تشكيل بيئة قادرة على المنافسة. لقد ألهمتني هذه الفكرة للنظر بعمق إلى الطاقة الكامنة في الشباب البحريني، وإلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الروح التحفيزية في صياغة مستقبل العمل المؤسسي الذي يعتمد على كفاءاتها الوطنية.
إن ترسيخ ثقافة التميز المؤسسي يأتي في عبارة «أنت قدها»، حين تتحول إلى ثقافة عمل، تخلق بيئة مؤسساتية تُقدّر الإنجاز، وترفع سقف التوقعات، وتمنح الموظف الإيمان بقدراته. فليس عيبًا أن يكون الموظف المجتهد ذو الكفاءة نموذجاً يُحتذى به، بل هو ضرورة لبناء مؤسسات قوية تملك القدرة على تقديم مخرجات عالية الجودة. ولطالما أثبت البحرينيون في مختلف المواقع أنهم قادرون على التميز حين يتوافر لهم الدعم والثقة.
ولأن المبادرة تحمل في جوهرها رسالة وطنية عميقة، فإن تطويرها وتفعيلها في سياق مؤسسي يمكن أن يعزز أثرها، ومن ذلك طرح جائزة وطنية سنوية تحت عنوان «موظف قدها» بشرط الحيادية التي تُمنح لأصحاب الإنجازات البارزة في مؤسسات الدولة، وتشمل فئات متعددة: القيادة الشابة، الإبداع المؤسسي، خدمة المجتمع، والعمل الميداني.
إن إعداد برنامج وطني مؤسسي لتأهيل القيادات الشابة (جيل قدها) يشمل كافة وزارات الدولة يهدف إلى إعداد قيادات حكومية شابة تمتلك مهارات التحليل، والإدارة، واتخاذ القرار، وتكون نواة لجيل إداري جديد قادر على الابتكار، وتطعيمه بالخبرات الوطنية من الموارد البشرية للمؤسسة، وبذلك يتكامل البرنامج حيث تكون في طياته الحداثة والخبرة التقادمية، وهذا يعطي التميز في المؤشر الوطني لثقافة التميز في المؤسسات، حيث يقيس مستوى تطبيق قيم الإبداع والانضباط والمبادرة في الجهات الحكومية، ويُربط بنتائج تقييم الأداء المؤسسي.
ومن جانب التدريب العملي، فإن اعتماد برامج حديثة قائمة على أفضل الممارسات العالمية وليس تلك البرامج التقليدية التي تستنزف موارد المؤسسات ماليا وتهدر الوقت وضعف المخرجات يُعد خطوة أساسية للارتقاء بالأداء المؤسسي. وفي هذا السياق، تأتي فكرة عقد ورش عمل دورية داخل المؤسسات تحت شعار «قدها في موقعك»، بهدف تحفيز الموظفين على تطوير أدائهم، واكتساب مهارات جديدة، وتعزيز تبادل الأفكار التطويرية التي تُسهم في رفع كفاءة العمل وجودة المخرجات.
واستئناساً بفكرة «قدها» حبذا لو تم تدشين منصة رقمية بعنوان «قدها»، تهدف إلى عرض نجاحات البحرينيين وجمع قصص الإنجاز والإسهامات الوطنية في مختلف القطاعات، لتكون مصدر إلهام وقدوة للأجيال القادمة، مع الالتزام بأعلى المعايير والشروط العالمية، وأن تنشر هذه المنصة على المستوى الإعلامي الوطني والعالمي.
وتظهر ترجمة رؤية القيادة في هذه المبادرات التي تنسجم مع الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة الملك – حفظه الله ورعاه – في دعم وتمكين الشباب، ومع المشروع الإصلاحي الذي جعل البحرين موطنًا للكفاءات. كما تتكامل مع جهود سمو الشيخ ناصر بن حمد والشباب البحريني الطموح، وحرص سمو رئيس الوزراء على تعزيز التنمية وتمكين الكفاءات الوطنية التي نفتخر بها في كل المحافل.
إن تمكين الشباب البحريني ليس خياراً تكميلياً، بل استثمارا استراتيجيا في نهضة الوطن وازدهاره، بل هو الركيزة الأساسية لنمو اقتصادي مستدام، ولنهضة وطنية شاملة. فحين تقول لكل شاب بحريني «أنت قدها» فأنت في الحقيقة تفتح له الباب ليصنع مستقبله ويصنع معك مستقبل الوطن وهو استثمار وطني طويل الأمد.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك