القراء الأعزاء،
عندما كنت على رأس الوظيفة العامة، كان الشعور بأن العمل ووقت العمل مقدس جداً شعوراً عاماً، وكانت الوظيفة نعمة يعُضّ عليها الموظفون بالنواجذ، حيث لم يكن لجملة (نشتغل على قد الراتب) مكان أبداً، ولم يكن المريض من الموظفين يرغب في الاستفادة من اجازته المرضية التي يُخفيها في درجه، ولا يرغب أحد في التقاعد من وظيفته، إلى درجة أننا شاهدنا أثر خبر الإحالة الى التقاعد على كبار السن الذي قد يتسبب في مرض أو وفاة الموظف حباً وتعلقاً في وظيفته.
وحين كنت على رأس الوظيفة العامة اعترف بأنني كنت مثالية بصورة مُبالغ فيها، حيث كنت أرى بأن الترقي في الوظيفة مرتبط بتقدير رئيسك المباشر لحجم وجودة جهدك ومنجزك وليست بناء على طلبك، بينما تكشّف لي فيما بعد بأن الترقية كان يحصل عليها من يطالب بها، ويُحرم منها الساكت عنها.
واستغرب الآن حين استمع إلى الموظفين والموظفات وهم يتندّرون بمقولة (اذهب إلى عملك وكأنك ذاهب إلى موعدٍ غرامي)، حيث تُقال على سبيل الاستهزاء، في دلالة على العبء الذي يعتقد هؤلاء بأنه مرتبط بالوظيفة وبأنظمتها، بخلاف وضع الموظفين القدامى الذين كانوا فعلاً يذهبون إلى مواقع عملهم بشوق يُضاهي شوق اللقاء العاطفي، فما الذي اختلف؟ هل يكمن الاختلاف في تغيّر ثقافة الأجيال وفكرهم وصبرهم؟ أم في القرارات التي تنظم العمل؟ لذا دعونا معاً نجتهد لنجيب عن هذه الأسئلة.
ولأنني يستهويني كثيراً محاورة موظفين في القطاعين الخاص والعام فقد وجدت بأن اكثرهم يحمل نفس الرأي والهمّ وطريقة التفكير، حيث تتمحور قضاياهم حول التقدير الوظيفي، الأحقية في الترقي وارتباطها بالسلطة التقديرية للرؤساء التي لا تخلو من نزعات شخصية، وآلية توزيع المهام الوظيفية في الواقع وليس على الورق، والرغبة في التقاعد رغم صغر السن وغيرها.
وسأتوقف في هذا المقال على الوظيفة العامة، لأنني كما اسلفت قد شغلت وظيفة عامة من قبل، وباعتبار أنها تندرج ضمن الحقوق السياسية التي تُعد حقاً دستورياً لكل مواطن يحكمه مبدأ المساواة أمام تولي الوظائف العامة وفقاً للشروط التي يبينها القانون والتي تستهدف ضمان كفاءة وصلاحية المتقدم لشغل الوظيفة وقدرته على القيام بمهامها التي تضمن حسن سير المرفق العام، وسأتطرق الى أهم المواضيع التي أرى بأنها جديرة بالاهتمام والالتفات إليها على سبيل إعمال الرقابة الجادة على الوظيفة العامة باعتبارها وظيفة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمصلحة العامة وبتسيير المرافق العامة وتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين، والتي تُسهم اسهاماً مباشراً في إعمال حقوق الانسان كركيزة مهمة للمشروع الإصلاحي لصاحب العظمة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المعظم.
ومن الملاحظات التي تستحق أن اتطرق اليها وفقاً لاستماعي لمعاناة بعض الموظفين والموظفات هي مسألة تغيير المسؤولين المباشرين قبل فترات التقييم السنوية، حيث تكون مهمة التقييم صعبة على الرئيس باعتبار حداثة وجوده ومعرفته بالموظفين وما قد يستتبع ذلك من التأثير على تقدير الموظفين بما يتناسب مع عملهم الفعلي، بجانب موضوع التركيز على موظف بعينه وإثقال كاهل الموظف المجتهد في العمل وتهميش المتخاذلين من الموظفين (تركهم يسرحون ويمرحون) بنقل أعمالهم الى الموظف الذي يُنجز الاعمال من دون احتساب ذلك في التقدير السنوي للموظف، وأخيراً وليس آخراً موضوع الرغبة العارمة في التقاعد لدى الشباب فلا تكاد تتحدث مع موظف لم تكد تمض على تعيينه خمس او عشر سنوات تحدث عن رغبته في التقاعد وبدأ في احتساب عدد السنوات المتبقية له على رأس الوظيفة بشيء من الحسرة المرتبطة بالفترة الطويلة المتبقية التي ما زالت تنتظره، ومواضيع أخرى كثيرة.
وفي رأيي الخاص، بأن ما تطرقت اليه في الفقرات السابقة يقتضي من الجهات المعنية أن تباشر عملية رصد مدى رضا الموظفين العموم عن بيئة العمل والقرارات التي تتخذ فيها، والعمل على رفع مستويات الرضا لديهم وتعزيز مشاعر الانتماء الى الوظيفة والى بيئة العمل التي هي الأسرة الثانية للموظف ولاسيما وأنه يقضي فيها وقتاً قد يفوق ما يقضيه مع أسرته الحقيقية، بجانب تدريب المسؤولين الجدد تدريباً يعزز لديهم الموضوعية والحيادية والتجرّد والعدالة في قراراتهم وحسن تعاملهم مع الموظفين لأن الموظف هو العنصر الأهم في الوظيفة وفقاً للقواعد الإدارية الإنسانية الحديثة، فكلما كان الموظف راضياً ومرتاحاً كلما نشط وازداد نتاجه واستطاع أن يُبدع ويبتكر في مجال عمله، وازدهرت بيئة العمل معه لأن الموظف هو روح العمل نفسه، وفقاً لتسمية كتاب ( روح المؤسسة) للكتّاب الاستاذ أحمد فضل والأستاذ محمد المؤذن والدكتورة ندى الحساوي، وربما ألقي ببعض الضوء على فكرة هذا الكتاب في مقال لاحق.
hanadialjowder@gmail.com

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك