العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٧ - الأربعاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

الموظف روح المؤسسة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٦ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

عندما‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة،‭ ‬كان‭ ‬الشعور‭ ‬بأن‭ ‬العمل‭ ‬ووقت‭ ‬العمل‭ ‬مقدس‭ ‬جداً‭ ‬شعوراً‭ ‬عاماً،‭ ‬وكانت‭ ‬الوظيفة‭ ‬نعمة‭ ‬يعُضّ‭ ‬عليها‭ ‬الموظفون‭ ‬بالنواجذ،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لجملة‭ (‬نشتغل‭ ‬على‭ ‬قد‭ ‬الراتب‭) ‬مكان‭ ‬أبداً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬المريض‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬اجازته‭ ‬المرضية‭ ‬التي‭ ‬يُخفيها‭ ‬في‭ ‬درجه،‭ ‬ولا‭ ‬يرغب‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬التقاعد‭ ‬من‭ ‬وظيفته،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أننا‭ ‬شاهدنا‭ ‬أثر‭ ‬خبر‭ ‬الإحالة‭ ‬الى‭ ‬التقاعد‭ ‬على‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬وفاة‭ ‬الموظف‭ ‬حباً‭ ‬وتعلقاً‭ ‬في‭ ‬وظيفته‭.‬

وحين‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة‭ ‬اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬كنت‭ ‬مثالية‭ ‬بصورة‭ ‬مُبالغ‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬بأن‭ ‬الترقي‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬مرتبط‭ ‬بتقدير‭ ‬رئيسك‭ ‬المباشر‭ ‬لحجم‭ ‬وجودة‭ ‬جهدك‭ ‬ومنجزك‭ ‬وليست‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلبك،‭ ‬بينما‭ ‬تكشّف‭ ‬لي‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بأن‭ ‬الترقية‭ ‬كان‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬يطالب‭ ‬بها،‭ ‬ويُحرم‭ ‬منها‭ ‬الساكت‭ ‬عنها‭.‬

واستغرب‭ ‬الآن‭ ‬حين‭ ‬استمع‭ ‬إلى‭ ‬الموظفين‭ ‬والموظفات‭ ‬وهم‭ ‬يتندّرون‭ ‬بمقولة‭ (‬اذهب‭ ‬إلى‭ ‬عملك‭ ‬وكأنك‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬موعدٍ‭ ‬غرامي‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تُقال‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الاستهزاء،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬العبء‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬هؤلاء‭ ‬بأنه‭ ‬مرتبط‭ ‬بالوظيفة‭ ‬وبأنظمتها،‭ ‬بخلاف‭ ‬وضع‭ ‬الموظفين‭ ‬القدامى‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬فعلاً‭ ‬يذهبون‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬عملهم‭ ‬بشوق‭ ‬يُضاهي‭ ‬شوق‭ ‬اللقاء‭ ‬العاطفي،‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬اختلف؟‭ ‬هل‭ ‬يكمن‭ ‬الاختلاف‭ ‬في‭ ‬تغيّر‭ ‬ثقافة‭ ‬الأجيال‭ ‬وفكرهم‭ ‬وصبرهم؟‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬العمل؟‭ ‬لذا‭ ‬دعونا‭ ‬معاً‭ ‬نجتهد‭ ‬لنجيب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭.‬

ولأنني‭ ‬يستهويني‭ ‬كثيراً‭ ‬محاورة‭ ‬موظفين‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬الخاص‭ ‬والعام‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬بأن‭ ‬اكثرهم‭ ‬يحمل‭ ‬نفس‭ ‬الرأي‭ ‬والهمّ‭ ‬وطريقة‭ ‬التفكير،‭ ‬حيث‭ ‬تتمحور‭ ‬قضاياهم‭ ‬حول‭ ‬التقدير‭ ‬الوظيفي،‭ ‬الأحقية‭ ‬في‭ ‬الترقي‭ ‬وارتباطها‭ ‬بالسلطة‭ ‬التقديرية‭ ‬للرؤساء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬نزعات‭ ‬شخصية،‭ ‬وآلية‭ ‬توزيع‭ ‬المهام‭ ‬الوظيفية‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬التقاعد‭ ‬رغم‭ ‬صغر‭ ‬السن‭ ‬وغيرها‭.‬

وسأتوقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة،‭ ‬لأنني‭ ‬كما‭ ‬اسلفت‭ ‬قد‭ ‬شغلت‭ ‬وظيفة‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وباعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الحقوق‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تُعد‭ ‬حقاً‭ ‬دستورياً‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬يحكمه‭ ‬مبدأ‭ ‬المساواة‭ ‬أمام‭ ‬تولي‭ ‬الوظائف‭ ‬العامة‭ ‬وفقاً‭ ‬للشروط‭ ‬التي‭ ‬يبينها‭ ‬القانون‭ ‬والتي‭ ‬تستهدف‭ ‬ضمان‭ ‬كفاءة‭ ‬وصلاحية‭ ‬المتقدم‭ ‬لشغل‭ ‬الوظيفة‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بمهامها‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬حسن‭ ‬سير‭ ‬المرفق‭ ‬العام،‭ ‬وسأتطرق‭ ‬الى‭ ‬أهم‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬أرى‭ ‬بأنها‭ ‬جديرة‭ ‬بالاهتمام‭ ‬والالتفات‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬إعمال‭ ‬الرقابة‭ ‬الجادة‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة‭ ‬باعتبارها‭ ‬وظيفة‭ ‬مرتبطة‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بالمصلحة‭ ‬العامة‭ ‬وبتسيير‭ ‬المرافق‭ ‬العامة‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬المختلفة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬والتي‭ ‬تُسهم‭ ‬اسهاماً‭ ‬مباشراً‭ ‬في‭ ‬إعمال‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬كركيزة‭ ‬مهمة‭ ‬للمشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لصاحب‭ ‬العظمة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭.‬

ومن‭ ‬الملاحظات‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬اتطرق‭ ‬اليها‭ ‬وفقاً‭ ‬لاستماعي‭ ‬لمعاناة‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬والموظفات‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬تغيير‭ ‬المسؤولين‭ ‬المباشرين‭ ‬قبل‭ ‬فترات‭ ‬التقييم‭ ‬السنوية،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬مهمة‭ ‬التقييم‭ ‬صعبة‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬باعتبار‭ ‬حداثة‭ ‬وجوده‭ ‬ومعرفته‭ ‬بالموظفين‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يستتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬الموظفين‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬عملهم‭ ‬الفعلي،‭ ‬بجانب‭ ‬موضوع‭  ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬موظف‭ ‬بعينه‭ ‬وإثقال‭ ‬كاهل‭ ‬الموظف‭ ‬المجتهد‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وتهميش‭ ‬المتخاذلين‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ (‬تركهم‭ ‬يسرحون‭ ‬ويمرحون‭) ‬بنقل‭ ‬أعمالهم‭ ‬الى‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يُنجز‭ ‬الاعمال‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التقدير‭ ‬السنوي‭ ‬للموظف،‭ ‬وأخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخراً‭ ‬موضوع‭ ‬الرغبة‭ ‬العارمة‭ ‬في‭ ‬التقاعد‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬فلا‭ ‬تكاد‭ ‬تتحدث‭ ‬مع‭ ‬موظف‭ ‬لم‭ ‬تكد‭ ‬تمض‭ ‬على‭ ‬تعيينه‭ ‬خمس‭ ‬او‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬التقاعد‭ ‬وبدأ‭ ‬في‭ ‬احتساب‭ ‬عدد‭ ‬السنوات‭ ‬المتبقية‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الوظيفة‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحسرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالفترة‭ ‬الطويلة‭ ‬المتبقية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تنتظره،‭ ‬ومواضيع‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭.‬

وفي‭ ‬رأيي‭ ‬الخاص،‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬تطرقت‭ ‬اليه‭ ‬في‭ ‬الفقرات‭ ‬السابقة‭ ‬يقتضي‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬أن‭ ‬تباشر‭ ‬عملية‭ ‬رصد‭ ‬مدى‭ ‬رضا‭ ‬الموظفين‭ ‬العموم‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬والقرارات‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬فيها،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬مستويات‭ ‬الرضا‭ ‬لديهم‭ ‬وتعزيز‭ ‬مشاعر‭ ‬الانتماء‭ ‬الى‭ ‬الوظيفة‭ ‬والى‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬الأسرة‭ ‬الثانية‭ ‬للموظف‭ ‬ولاسيما‭ ‬وأنه‭ ‬يقضي‭ ‬فيها‭ ‬وقتاً‭ ‬قد‭ ‬يفوق‭ ‬ما‭ ‬يقضيه‭ ‬مع‭ ‬أسرته‭ ‬الحقيقية،‭ ‬بجانب‭ ‬تدريب‭ ‬المسؤولين‭ ‬الجدد‭ ‬تدريباً‭ ‬يعزز‭ ‬لديهم‭ ‬الموضوعية‭ ‬والحيادية‭ ‬والتجرّد‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬قراراتهم‭ ‬وحسن‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬لأن‭ ‬الموظف‭ ‬هو‭ ‬العنصر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬وفقاً‭ ‬للقواعد‭ ‬الإدارية‭ ‬الإنسانية‭ ‬الحديثة،‭ ‬فكلما‭ ‬كان‭ ‬الموظف‭ ‬راضياً‭ ‬ومرتاحاً‭ ‬كلما‭ ‬نشط‭ ‬وازداد‭ ‬نتاجه‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يُبدع‭ ‬ويبتكر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬عمله،‭ ‬وازدهرت‭ ‬بيئة‭ ‬العمل‭ ‬معه‭ ‬لأن‭ ‬الموظف‭ ‬هو‭ ‬روح‭ ‬العمل‭ ‬نفسه،‭ ‬وفقاً‭ ‬لتسمية‭ ‬كتاب‭ ( ‬روح‭ ‬المؤسسة‭) ‬للكتّاب‭ ‬الاستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬فضل‭ ‬والأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬المؤذن‭ ‬والدكتورة‭ ‬ندى‭ ‬الحساوي،‭ ‬وربما‭ ‬ألقي‭ ‬ببعض‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬لاحق‭.‬

 

hanadialjowder@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا