العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤١١ - الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

هل مازال منطق «السقف السيادي» عادلا

بقلم: عدنان أحمد يوسف {

الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

كما‭ ‬لاحظنا‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية،‭ ‬فإن‭ ‬بعض‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬العالمية‭ ‬تتعامل،‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬السقف‭ ‬السيادي‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬قاعدة‭ ‬شبه‭ ‬مقدّسة‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬تجاوزها‭. ‬فوفق‭ ‬هذا‭ ‬المنطق،‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬لأي‭ ‬بنك‭ ‬أو‭ ‬مؤسسة‭ ‬مالية‭ ‬داخل‭ ‬دولة‭ ‬معينة‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬تصنيف‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬السيادي‭ ‬لتلك‭ ‬الدولة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬المؤسسة‭ ‬تتمتع‭ ‬بميزانية‭ ‬أقوى،‭ ‬وإدارة‭ ‬مخاطر‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً،‭ ‬وملاءة‭ ‬مالية‭ ‬متينة‭. ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬ظل‭ ‬سائداً‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬المنطق‭ ‬الحاكم‮»‬‭ ‬لتقييم‭ ‬المخاطر،‭ ‬لكنه‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬الحديثة،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬كافياً‭ ‬لتفسير‭ ‬الفروقات‭ ‬الهائلة‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭.‬

ونحن‭ ‬نود‭ ‬إبداء‭ ‬وجهة‭ ‬نظرنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬زاويتين‭. ‬الزاوية‭ ‬الأولى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق‭ ‬الخليجية‭ ‬اليوم‭ ‬سيجد‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مرتبطاً‭ ‬عضوياً‭ ‬باقتصاد‭ ‬الدولة‭ ‬الأم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬عشرين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً‭. ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬يعمل‭ ‬بنموذج‭ ‬عابر‭ ‬للحدود،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬وعمليات‭ ‬وتمويل‭ ‬خارجي‭ ‬يشكل‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬نشاطه‭ ‬مثل‭ ‬بنوك‭ ‬الجملة‭ ‬الموجودة‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬حيث‭ ‬نسبة‭ ‬الأصول‭ ‬المحلية‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬10‭ ‬إلى‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬أصولها‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬اتخذ‭ ‬كافة‭ ‬التدابير‭ ‬الاحتياطية‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬التقلبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المحلية‭ ‬ويتمتع‭ ‬بمصادر‭ ‬دخل‭ ‬منوعة‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬مخاطرها‭ ‬المخاطر‭ ‬السيادية‭ ‬للدولة‭ ‬التي‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬مقرها‭ ‬القانوني‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تصر‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬على‭ ‬إخضاعها‭ ‬لسقف‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بواقعها‭ ‬الفعلي،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬تفرض‭ ‬قيودا‭ ‬على‭ ‬التحويلات‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬لأزمة‭ ‬مالية‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

الزاوية‭ ‬الثانية‭ ‬هي‭ ‬إننا‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمسين‭ ‬الماضية‭ ‬ومنذ‭ ‬بدأت‭ ‬الحكومات‭ ‬الخليجية‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬ولو‭ ‬حادثة‭ ‬واحدة‭ ‬تعثرت‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬سداد‭ ‬مستحقاتها‭ ‬والتزاماتها‭. ‬وهذا‭ ‬السجل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يشفع‭ ‬لهذه‭ ‬الحكومات‭ ‬عند‭ ‬وضع‭ ‬التصنيفات‭ ‬الائتمانية‭ ‬لها‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الجوهري‭ ‬هنا‭: ‬لماذا‭ ‬نفترض‭ ‬أن‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬تلقائياً‭ ‬وبالدرجة‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬العاملة‭ ‬فيها؟‭ ‬أليست‭ ‬هناك‭ ‬بنوك‭ ‬تمتلك‭ ‬ملاءة‭ ‬رأس‭ ‬مالية‭ ‬ذات‭ ‬ملاءة‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬نفسها؟‭ ‬أليست‭ ‬هناك‭ ‬مؤسسات‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬بالدولار‭ ‬أو‭ ‬اليورو،‭ ‬وهذا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وتتمتع‭ ‬بإدارة‭ ‬مخاطر‭ ‬متينة؟

ولقد‭ ‬شهدنا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية‭ ‬أزمات‭ ‬عالمية‭ ‬مثل‭ ‬أزمة‭ ‬العام‭ ‬2008‭ ‬وتقلبات‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وأثناء‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬وقد‭ ‬تأثرت‭ ‬مالية‭ ‬الدولة‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬البنوك‭ ‬أثبتت‭ ‬صلابتها‭ ‬وقوتها‭ ‬ومناعتها‭.‬‮ ‬

الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬للجدل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تبالغ‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬سيناريوهات‭ ‬نادرة‭ ‬تاريخيا،‭ ‬مثل‭ ‬فرض‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬العملة‭ ‬أو‭ ‬أقفال‭ ‬أسواق‭ ‬النقد‭. ‬هذه‭ ‬السيناريوهات‭ ‬استخدمت‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬لتبرير‭ ‬السقف‭ ‬السيادي،‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬باقتصادات‭ ‬عالمية‭ ‬وتخضع‭ ‬لأنظمة‭ ‬مالية‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬أمراً‭ ‬مكلفاً‭ ‬وغير‭ ‬واقعي‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تتجاهل‭ ‬هذه‭ ‬الوكالات‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬البنوك‭ ‬اليوم‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬منظومات‭ ‬رقابية‭ ‬صارمة،‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬رسملة‭ ‬وسيولة‭ ‬تفوق‭ ‬بكثير‭ ‬ما‭ ‬تفرضه‭ ‬الأسواق‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭.‬

إن‭ ‬مراجعة‭ ‬مفهوم‭ ‬السقف‭ ‬السيادي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬رفاهية‭ ‬فكرية،‭ ‬بل‭ ‬ضرورة‭ ‬تفرضها‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الأسواق‭ ‬الحديثة‭. ‬فالتصنيفات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬الموضوعي‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬تفقد‭ ‬تدريجياً‭ ‬قيمتها‭ ‬وصدقيتها،‭ ‬وتحملها‭ ‬أعباء‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬خصوصا‭ ‬عند‭ ‬لجوئها‭ ‬إلى‭ ‬الاقتراض‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭. ‬ولعل‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬لتنتقل‭ ‬وكالات‭ ‬التصنيف‭ ‬من‭ ‬منطق‭ ‬‮«‬التعميم‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬‮«‬التمييز‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬تقيّم‭ ‬المؤسسات‭ ‬بما‭ ‬تستحق،‭ ‬وأن‭ ‬تأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬التاريخ‭ ‬الائتماني‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬توجد‭ ‬فيه‭.‬


رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا