العدد : ١٧٤٠٣ - السبت ١٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٣ - السبت ١٥ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

أخبار البحرين

الحرب في السودان.. صراع داخلي راهن وتقسيم قادم

بقلم: سميرة بن رجب.

السبت ١٥ نوفمبر ٢٠٢٥ - 02:00

الحربُ‭ ‬الدائرةُ‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬منذُ‭ ‬أبريل‭ ‬2023،‭ ‬نزاعٌ‭ ‬معقدٌ‭ ‬ومتعددُ‭ ‬الأبعاد،‭ ‬فهو‭ ‬صراعٌ‭ ‬على‭ ‬السلطةِ‭ ‬بين‭ ‬فصيلين‭ ‬عسكريين،‭ ‬وحربٌ‭ ‬أهليَّة،‭ ‬وصراعٌ‭ ‬على‭ ‬المواردِ‭ ‬والهويَّة،‭ ‬وكارثةٌ‭ ‬إنسانيَّة‭... ‬صراعٌ‭ ‬ذو‭ ‬أبعادٍ‭ ‬داخليَّةٍ‭ ‬وإقليميَّة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنُ‭ ‬فصلُ‭ ‬أسبابِه‭ ‬وأهدافِه‭ ‬عن‭ ‬مشروعِ‭ ‬الشرقِ‭ ‬الأوسطِ‭ ‬الجديد‭.‬

التصنيفُ‭ ‬الأكثرُ‭ ‬شيوعًا‭ ‬للحربِ‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬هو‭ ‬أنها حربٌ‭ ‬أهليَّة،‭ ‬أي‭ ‬نزاعٍ‭ ‬مسلَّحٍ‭ ‬داخلي،‭ ‬غير‭ ‬دوليِّ‭ ‬في‭ ‬مظاهره،‭ ‬نشأ‭ ‬كـصراعٍ‭ ‬على‭ ‬السلطةِ‭ ‬بين‭ ‬فصيلين‭ ‬عسكريين،‭ ‬ثم‭ ‬تحوَّل‭ ‬إلى نزاعٍ‭ ‬معقد تداخلت‭ ‬فيه‭ ‬العواملُ‭ ‬الجيوسياسيَّة‭ ‬والاقتصاديَّة‭ ‬والإثنية‭ ‬والإقليميَّة،‭ ‬والدوليَّة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى كارثةٍ‭ ‬إنسانيَّةٍ‮ ‬طاحنة‭.‬

حرب‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬قويين‭ ‬لديهما‭ ‬مواردُ‭ ‬داخليَّة‭ ‬وخارجيَّة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الحسمَ‭ ‬العسكري‭ ‬الكامل‭ ‬مُكلفًا‭ ‬جدًا،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل؛‭ ‬وإن‭ ‬السيناريو‭ ‬الأكثر‭ ‬واقعيَّة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬هو‭ ‬احتمالُ‭ ‬استمرارها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجمودِ‭ ‬والاستنزاف،‭ ‬مما‭ ‬سيزيدُ‭ ‬من‭ ‬كارثةِ‭ ‬الشعبِ‭ ‬السوداني‭ ‬ويجعل‭ ‬إعادةَ‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬لاحقًا‭ ‬مهمةً‭ ‬شبه‭ ‬مستحيلة‭... ‬وأي‭ ‬حلٍّ‭ ‬حقيقي‭ ‬قد‭ ‬يحتاجُ‭ ‬إلى‭ ‬تغييرٍ‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬أو‭ ‬ولادة‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬يتماهى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ولادةِ‭ ‬نظام‭ ‬سياسيٍّ‭ ‬شامل‭ ‬يحلُّ‭ ‬محلَ‭ ‬منطق‭ ‬السلاح،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬الانفصال،‭ ‬والتقسيم‭ ‬الثاني‭ ‬للسودان‭ (‬بعد‭ ‬فصل‭ ‬الجنوب‭) ‬لإنقاذ‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬كارثةٍ‭ ‬إنسانيَّة‭ ‬ومأساويَّة‭.‬

ولتنشيطِ‭ ‬الذاكرةِ‭ ‬العربية‭ ‬نعيدُ‭ ‬هنا‭ ‬التعريفَ‭ ‬بالمشروعِ‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطي،‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬إدارةُ‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭ ‬تنفذه‭ ‬منذ‭ ‬تسعينياتِ‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬إعادةُ‭ ‬صياغةِ‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬جيوسياسيا،‭ ‬لإنصافِ‭ ‬الطوائف‭ ‬والأثنيات‭ ‬التي‭ ‬تعيشُ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬التعريفُ‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬بوش‭ ‬الأب،‭ ‬السيد‭ ‬كولن‭ ‬باول،‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬الشهير‭ ‬أمام‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬غزو‭ ‬جيوشه‭ ‬للعراق‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2003؛‭ ‬ويعدُّ‭ ‬المشهدُ‭ ‬السوداني‭ ‬الدامي،‭ ‬التي‭ ‬يعيشُ‭ ‬شعبُ‭ ‬السودان‭ ‬تفاصيلَه‭ ‬المأساويَّة‭ ‬اليوم،‭ ‬فصلاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المشروعِ‭ ‬الأمريكيِّ،‭ ‬وتفاصيله‭ ‬التي‭ ‬يتعمدُ‭ ‬الإعلامُ‭ ‬العالميُّ‭ ‬التعتيمَ‭ ‬عليه‭ ‬بهدف‭ ‬خلط‭ ‬الأوراق‭ ‬وتغييب‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتضليل‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬

الانفصال‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬السودان‭... ‬

وصناعة‭ ‬الدويلات‭ ‬‮«‬الفاشلة‮»‬

الحربُ‭ ‬الجاريةُ‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬هي‭ ‬الثانيةُ‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الجنوب‭ (‬1983-‭ ‬2005‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬فصلِ‭ ‬النصفِ‭ ‬الجنوبي‭ ‬من‭ ‬السودان‭ ‬بما‭ ‬يضمُّ‭ ‬من‭ ‬ثرواتٍ‭ ‬نفطيَّةٍ‭ ‬سودانيَّة‭ ‬غنية،‭ ‬ومساحاتٍ‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬المستنقعات؛‭ ‬وإعلان‭ ‬‮«‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2011‭ (‬ويدعى‭ ‬عام‭ ‬الاستقلال‭)‬،‭ ‬في‭ ‬شمال شرق‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وعاصمتها‭ ‬جوبا‭. ‬

بحسب‭ ‬مصادر‭ ‬بعثة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ (‬UNMISS‭)‬،‭ ‬ومكتب‭ ‬تنسيق‭ ‬الشؤون‭ ‬الإنسانية‭ (‬OCHA‭)‬،‭ ‬وبرنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي‭ (‬WFP‭)‬،‭ ‬ومفوضية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لشؤون‭ ‬اللاجئين‭ (‬UNHCR‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬توفِّر‭ ‬على‭ ‬مواقعِها‭ ‬الرسميَّة‭ ‬وتقاريرِها‭ ‬معلوماتٍ‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الإنساني‭ ‬والأمني،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‮»‬،‭ ‬تواجه‭ ‬تحدياتٍ‭ ‬جسيمة،‭ ‬منها‭ ‬غيابُ‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة،‭ ‬أي‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬أو‭ ‬مؤسسات‭ ‬حكم‭ ‬راسخة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬حملت‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬تركة‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬‮ ‬مجتمع‭ ‬ممزق‭ ‬واقتصاد‭ ‬معتمد‭ ‬على‭ ‬المساعدات،‭ ‬أدت‭ ‬سريعاً‭ ‬إلى‭ ‬خلافاتٍ‭ ‬داخلية،‭ ‬وصراعٍ‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والثروة‭ (‬خاصة‭ ‬عائدات‭ ‬النفط‭)‬،‭ ‬وانفجار‭ ‬صراع‭ ‬قبلي‭ ‬مسلح‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2013،‭ ‬تحول‭ ‬سريعاً‭ ‬إلى حرب‭ ‬أهليَّةٍ‭ ‬طائفية شملت‭ ‬مجازرَ‭ ‬وتطهيرا‭ ‬عرقيا،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬خسائرَ‭ ‬بشريَّة‭ ‬كارثية،‭ ‬وأزمةٍ‭ ‬إنسانيَّة،‭ ‬ونزوح‭ ‬الملايين،‭ ‬ومجاعة‭ ‬وانهيار‭ ‬الاقتصاد‭.‬

بحسب‭ ‬تقارير‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬دولةُ‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬التي‭ ‬تتركزُ‭ ‬فيها‭ ‬85%‭ ‬من‭ ‬احتياطي‭ ‬نفط‭ ‬السودان‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المعادنِ‭ ‬الأخرى،‭ ‬تعيشُ‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الأزمات‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75%‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬للبقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة؛‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬فعلياً،‭ ‬حيث‭ ‬السلطة‭ ‬الحقيقية‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬زعماء‭ ‬عسكريين‭ ‬وقبليين‭ ‬ومليشيات‭ ‬متنافسة؛‭ ‬واقتصاد‭ ‬منهار،‭ ‬حيث‭ ‬يعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬شبه‭ ‬كلي‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تحويلُ‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬منها‭ ‬لتمويل‭ ‬الصراعات‭ ‬وشبكات‭ ‬الفساد؛‭ ‬مع‭ ‬تدهور‭ ‬بيئي‭ ‬واجتماعي،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‮ ‬انتشار‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة،‭ ‬تجنيد‭ ‬الأطفال،‭ ‬والعنف‭ ‬الجنسي‭ ‬كأدوات‭ ‬حرب‭.‬

دولةُ‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬من‭ ‬رحمِ‭ ‬حربٍ‭ ‬أهليَّة‭ ‬بقيادة‭ ‬زعماء‭ ‬قبليين‭ ‬وانفصاليين‭ (‬ودعم‭ ‬دولي‭)‬،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬التهمتها‭ ‬آلةُ‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ‬والفساد،‭ ‬وتحول‭ ‬الحلم‭ ‬بالاستقلال‭ ‬إلى‭ ‬كابوسٍ‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الطائفي‭ ‬والمجاعة‭ ‬والنزوح،‭ ‬حيث‭ ‬فشلت‭ ‬النخبةُ‭ ‬الحاكمة‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولة،‭ ‬وفضلت‭ ‬التناحرَ‭ ‬على‭ ‬تقسيم‭ ‬‮«‬كعكة‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬الفاشلة،‭ ‬لتحوز‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬درجة‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬الدول‭ ‬الهشة‭ (‬الفاشلة‭ ‬سابقا‭)‬؛‭ ‬إذ‭ ‬رغم‭ ‬ثراء‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬تعد‭ ‬زراعة‭ ‬‮«‬الكفاف‮»‬‭ (‬بحسب‭ ‬مفهوم‭ ‬تقارير‭ ‬الفاو‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمية،‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬إنتاج‭ ‬زراعي‭ ‬تقليدي‭ ‬منخفض‭ ‬الإنتاجية‭ ‬لتوفير‭ ‬غذاء‭ ‬الأسرة،‭ ‬يسود‭ ‬بين‭ ‬الأسر‭ ‬الريفية‭ ‬الفقيرة‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬النامية،‭ ‬ومتبع‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬المديونة‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭) ‬هي‭ ‬مصدر‭ ‬الدخل‭ ‬الرئيسي‭ ‬لأغلب‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فقر‭ ‬مدقع،‭ ‬مما‭ ‬دعا‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬إضافة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬‮«‬البلدان‭ ‬الأقل‭ ‬نماءً‮»‬،‭ ‬ووصف‭ ‬الوضع‭ ‬بأنه‮ ‬مأساة‭ ‬إنسانيَّة‭ ‬مستمرة مع‭ ‬احتمالات‭ ‬ضعيفة‭ ‬جدًا‭ ‬للاستقرار‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭. ‬

ثروة‭ ‬النفط

‭ ‬ومشروع‭ ‬الانفصال

بإيجازٍ‭ ‬شديد‭ ‬يمكنُ‭ ‬التعرفُ‭ ‬على‭ ‬أسباب‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬وطننا‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقدير‭ ‬حجم‭ ‬ونوع‭ ‬‮«‬الثروات‭ ‬الطبيعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تخزّنها‭ ‬تلك‭ ‬البقعة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬حيث‭ ‬المناطق‭ ‬العربية‭ ‬الأكثر‭ ‬ثراءً‭ ‬بمواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬استهدافاً‭ ‬بالصراعات‭ ‬الأكثر‭ ‬دموية‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬وبدء‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية‭ ‬الجديدة‭... ‬أما‭ ‬الثروات‭ ‬فتتفاوت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النفط‭ ‬والذهب‭ ‬والمعادن‭ ‬والحيوية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للأرض‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭. ‬وبجردة‭ ‬بسيطة‭ ‬نكتشف‭ ‬أن‭ ‬أهمية‭ ‬السودان،‭ ‬كما‭ ‬العراق‭ ‬وليبيا‭ ‬وغزة،‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬ثروتها‭ ‬النفطية‭ ‬أولاً‭ ‬ثم‭ ‬ثروة‭ ‬المعادن،‭ ‬ثم‭ ‬تفاصيل‭ ‬حدودها‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬علماً‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬تحتل‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬إفريقياً‭ ‬والتاسعة‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬منتجي‭ ‬الذهب‭. ‬

يتجاهلُ‭ ‬الإعلامُ‭ ‬أخبارَ‭ ‬السودان‭ ‬الجديد،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعتيم‭ ‬الشامل‭ ‬حول‭ ‬ثرواته‭ ‬وموارده‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والشركات‭ ‬المهيمنة‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬تتجاهل‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية‭ ‬قضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬السوداني‭ ‬عموماً،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الجنوبي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المنظماتُ‭ ‬ووسائلُ‭ ‬الإعلام‭ ‬مقيمةً‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬استقلالها‮»‬‭ ‬المزعوم‭ ‬لصناعة‭ ‬البروبغندا‭ ‬وليس‭ ‬لمد‭ ‬يد‭ ‬العون‭.‬

ثروات‭ ‬السودان

بحسب‭ ‬التقارير‭ ‬المفصلة‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ (‬World‭ ‬Bank‭) ‬حول‭ ‬اقتصاد‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وجنوب‭ ‬السودان،‭ ‬حقق‭ ‬السودان‭ ‬اكتشافات‭ ‬نفطية‭ ‬تجارية‭ ‬منذ‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬واستحوذت‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والبريطانية‭ ‬والكندية،‭ ‬وشركات‭ ‬تشغيل‭ ‬مشتركة‭ ‬منتجة‭ ‬رئيسية‭ ‬من‭ ‬ماليزيا‭ ‬والصين‭ ‬والهند‭ ‬بجانب‭ ‬الشركات‭ ‬الإفريقية‭ ‬والمحلية،‭ ‬على‭ ‬حصص‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬حقوله‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬وحقول‭ ‬تكريره‭ ‬في‭ ‬بورتسودان‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ (‬الشمال‭) ‬قبل‭ ‬الانقسام‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭... ‬ومازالت‭ ‬العمليات‭ ‬النفطية‭ ‬تدار‭ ‬بين‭ ‬الجنوب‭ ‬والشمال،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والفساد‭ ‬والقيود‭ ‬والعقوبات‭ ‬التجارية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬الصادرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬لشركات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬تقييد‭ ‬التجارة‭ ‬وتآكل‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الشركات؛‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تمكين‭ ‬الشركات‭ ‬المحلية‭ ‬السودانية‭ ‬من‭ ‬تنمية‭ ‬قطاعهم‭ ‬النفطي‭ ‬السوداني‭.‬

بالمحصلة‭ ‬يمكن‭ ‬القولُ‭ ‬إنه‭ ‬رغم‭ ‬وجود‭ ‬عوامل‭ ‬رئيسية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬مثل‭ ‬التهميش‭ ‬التاريخي‭ ‬والهوية‭ ‬الذي‭ ‬مارسه‭ ‬الحكمُ‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬إهمال‭ ‬الجنوب‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬واقتصاديًّا‭ ‬وتعليميًّا؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الاختلاف‭ ‬الديني‭ ‬والثقافي‮ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬ذي‭ ‬أغلبية‭ ‬مسلمة‭ ‬وثقافة‭ ‬عربية،‭ ‬وجنوب‭ ‬ذي‭ ‬أغلبية‭ ‬مسيحية‭ ‬وديانات‭ ‬تقليدية‭ ‬وثقافات‭ ‬إفريقية؛‭ ‬ورغم‭ ‬الإرث‭ ‬الاستعماري‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الذي‭ ‬رسم‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الاستعماري‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬للتركيبة‭ ‬الثقافية‭ ‬والدينية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬كان‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬الذي‭ ‬حوَّل‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬نزاع‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬نزاع‭ ‬على‭ ‬ثروة‭ ‬هائلة،‭ ‬وجعل‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬أصعب‭ ‬وزاد‭ ‬من‭ ‬إصرار‭ ‬الطرفين،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الانفصالَ‭ ‬خياراً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬ممكناً،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬له‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭.. ‬واليوم‭ ‬تدار‭ ‬حرب‭ ‬شبيهة‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬السودان،‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬ذات‭ ‬النهاية‭ ‬المحتومة‭.‬

للغرب‭ ‬اليد‭ ‬الطولى

‭ ‬فـي‭ ‬حروب‭ ‬المنطقة

انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬الموجز والدقيق‭ ‬الذي‭ ‬يعكسُ‭ ‬قراءة‭ ‬واقعية‭ ‬لتاريخ‭ ‬محاولات‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬العالم،‭ ‬نحاول‭ ‬قراءة‭ ‬واقع‭ ‬ما‭ ‬خلف‭ ‬المشهد‭ ‬الإنساني‭ ‬الكارثي‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬السودان؛‭ ‬واقع‭ ‬النفط‭ ‬واليد‭ ‬الطولى‭ ‬المتحكمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم،‭ ‬وهي‭ ‬قراءة‭ ‬مدعومة‭ ‬بسجل‭ ‬تاريخي‭ ‬طويل‭.‬

ولاستيفاء‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬هذه‭ ‬القراءة،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬إيجاز‭ ‬لتفاصيل‭ ‬طويلة‭ ‬ودقيقة،‭ ‬حول‭ ‬لماذا‭ ‬يبقى‭ ‬الغرب‭ ‬دائماً‭ ‬لاعباً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬رغم‭ ‬بروز‭ ‬لاعبين‭ ‬إقليميين‭ (‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السوداني‭)‬؟‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬يجب‭ ‬التعريف‭ ‬بقوة‭ ‬اللعبة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬الغرب‭... ‬سواء‭ ‬باللعب‭ ‬على‭ ‬المكشوف،‭ ‬حيث‭ ‬يكسب‭ ‬الغرب‭ ‬النفوذ‭ ‬التاريخي‭ ‬والمصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المباشرة‭ ‬ومواجهة‭ ‬النفوذ‭ ‬المنافس؛‭ ‬أو‭ ‬باللعبة‭ ‬الخفية‭ ‬التي‭ ‬يلعبها‭ ‬الغرب‭ ‬عبر‭ ‬وكلاء‭ ‬محليين‭ ‬وإقليميين،‭ ‬لها‭ ‬معها‭ ‬علاقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وعسكرية‭ ‬عميقة،‭ ‬يعطي‭ ‬الغرب‭ ‬نفوذاً‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬ولكنه‭ ‬فعَّال‭... ‬حيث‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬تتحكم‭ ‬اليد‭ ‬الطولى‭ ‬في‭ ‬خيوط‭ ‬اللعبة،‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬وحتى‭ ‬النهاية،‭ ‬سواء‭ ‬بوعي‭ ‬أو‭ ‬بجهل‭ ‬اللاعبين‭ ‬الوكلاء‭ ‬لقواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬الحقيقية‭.‬

بإيجاز‭ ‬شديد،‭ ‬تظهر‭ ‬قوة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الصراع‭ ‬بمعايير‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬والناعمة،‭ ‬وتظهر‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬متقدمة‭ ‬بمعايير‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬حيث‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬لدور‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬الدولي‭ ‬لتسهيل‭ ‬اندماج‭ ‬الكيانات‭ ‬المنفصلة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬واستثمار‭ ‬مواردها؛‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬دور‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الدولية‭ ‬للاعتراف‭ ‬الدولي‮ ‬بعاصمة‭ ‬جديدة،‭ ‬ومقعد‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬عمليات‮ ‬يحتكر‭ ‬الغرب‭ ‬فيها‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬إقليمي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬صراعات‭ ‬وحروب‭ ‬أطراف‭ ‬متنازعة،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬إقليم‭ ‬كان،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاعتراف‭ ‬والدعم‭ ‬الدولي‭ (‬الغربي‭)... ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المفصل‭ ‬الأكثر‭ ‬حيوية‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬دور‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭.‬

عامل‭ ‬‮«‬الهندسة

‭ ‬الجيوسياسية‮»‬‭ ‬فـي‭ ‬السودان

إن‭ ‬مصطلحَ‭ ‬‮«‬الهندسة‭ ‬الجيوسياسية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬ذكره‭ ‬زبيغنيو‭ ‬بريجينسكي‭ ‬في‭ ‬‮ ‬كتابه‭ ‬الشهير‮ «‬رقعة‭ ‬الشطرنج‭ ‬الكبرى‭: ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومتطلباته‭ ‬الجيوستراتيجية‮»‬‭ ‬يعني‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الحدود‭ ‬والإقليم،‭ ‬والتحالفات‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والهياكل‭ ‬الحاكمة‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭... ‬وتعني‭ ‬أيضاً‭ ‬الممارسة‭ ‬الواعية‭ ‬والمنهجية‭ ‬لدولة‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬تحالفا‭ ‬دوليا،‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الخريطة‭ ‬السياسية‭ ‬والتحالفات‭ ‬والهياكل‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالحها‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬والأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭.‬

وعبر‭ ‬هذا‭ ‬المصطلح‭ ‬يمكننا‭ ‬فهم‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬أو‭ ‬دولية‭ ‬قد‭ ‬تفضل‭ ‬وجود‭ ‬كيانات‭ ‬صغيرة‭ ‬أضعف‭ ‬يسهل‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬ووراثة‭ ‬نفوذها‭ ‬ومواردها،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬يصعب‭ ‬إدارتها‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬منافسًا‭ ‬محتملاً‭. ‬وكما‭ ‬ينطبق‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فإنه‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وفي‭ ‬دارفور‭ ‬الغنية‭ ‬بالذهب‭ ‬والموارد‭ ‬الزراعية،‭ ‬كما‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬السودان‭ ‬‮«‬كعكة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬يفضل‭ ‬البعض‭ ‬تقطيعها‭.‬

المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من

‭ ‬تقسيم‭ ‬السودان

أن فشل‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬شامل‭ ‬وعادل‭ ‬هو‭ ‬القاطرة‭ ‬التي‭ ‬تقود‭ ‬قطار‭ ‬السودان‭ ‬نحو‭ ‬منحدر‭ ‬التقسيم؛‭ ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬الأكثر‭ ‬واقعية‭ ‬كمحصلة،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬انفصالًا‭ ‬منظمًا،‭ ‬بل‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الصراع‭ ‬حتى‮ ‬ينهار‭ ‬الكيان‭ ‬تمامًا وتظهر‭ ‬كيانات‭ ‬طفيلية‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ (‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬وليبيا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭)‬؛‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو،‭ ‬لا‭ ‬حاجة‭ ‬لـ«إعلان‭ ‬انفصال‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يكفي‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬إمداد‭ ‬الأطراف‭ ‬المتحاربة‭ ‬بالسلاح‭ ‬والتمويل‭ ‬لضمان‭ ‬استمرار‭ ‬عملية‭ ‬الانهيار‭.‬

إذًا‭ ‬المشهد‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬نزاعٍ‭ ‬داخلي،‭ ‬أو‭ ‬صراعٍ‭ ‬إقليمي؛‭ ‬وإن تحميلَ‭ ‬الدولِ‭ ‬الإقليميَّة‭ ‬وحدها‭ ‬مسؤوليةَ‭ ‬المشهد‭ ‬فيه‭ ‬تبسيطٌ‭ ‬شديد‭... ‬القوى‭ ‬الغربيَّة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬تتابعُ‭ ‬الموقفَ‭ ‬من‭ ‬كثب‭ ‬وعلى‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬وتدعم‭ ‬في‭ ‬الكواليس،‭ ‬وتلعب‭ ‬بالخيوط‭ ‬وتتحين‭ ‬الفرص‭.‬

الحرب‭ ‬في‭ ‬دارفور‭ ‬هي‭ ‬حربٌ‭ ‬على‭ ‬الثروات،‭ ‬وعلى‭ ‬موقع‭ ‬ذي‭ ‬أهمية‭ ‬جيوسياسية؛‭ ‬وفي‭ ‬حروب‭ ‬كهذه،‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يتخلف‭ ‬الغرب‭ ‬يوماً‭ ‬عن‭ ‬الحضور‭...‬‮ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬حضوره‭ ‬اليوم أكثر‭ ‬دهاءً‭ ‬وغير‭ ‬مباشر‭ (‬عبر‭ ‬شركات‭ ‬أمنية‭ ‬خاصة،‭ ‬وتمويل‭ ‬دراسات،‭ ‬ودعم‭ ‬منظمات‭ ‬حقوقية،‭ ‬وضغوط‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ومالية‭) ‬لكنه‭ ‬حاضر‭ ‬بقوة،‭ ‬وبإحكام‭... ‬حيث‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬تقسيم‭ ‬السودان‭ ‬هو‭ ‬الهدفُ‭ ‬المرسوم‭ ‬في‭ ‬كواليس‭ ‬اللعبة‭.‬

الدرسُ‭ ‬المستفادُ‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬أو‭ ‬تسوية‭ ‬في‭ ‬دارفور‭ (‬أو‭ ‬السودان‭ ‬ككل‭) ‬سيكون مصمماً‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مصمم‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬عاصمة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وإن‭ ‬مصيرَ‭ ‬السودان‭ ‬لن‭ ‬يُقرر‭ ‬فقط‭ ‬محليًّا‭ ‬أو‭ ‬إقليميًّا،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬حيث‭ ‬تُرسم‭ ‬خرائطُ‭ ‬تدفق‭ ‬الثروات‭ ‬والهيمنة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭... ‬

 

sr@sameerarajab‭.‬net

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا