العدد : ١٧٤٠١ - الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠١ - الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

حكاية بحرينية.. إنسانية نبيلة

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تعجز‭ ‬الكلمات‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬الأخلاق‭ ‬النبيلة،‭ ‬في‭ ‬الترفع‭ ‬على‭ ‬الجراح‭ ‬والآلام‭.. ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬تجاوز‭ ‬المصاعب‭ ‬والأوجاع،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬ارتبطت‭ ‬بمشاعر‭ ‬الفقد‭ ‬والمأساة‭.. ‬وكان‭ ‬الضحية‭ ‬فلذة‭ ‬الكبد‭ ‬وابنا‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭.. ‬التسامح‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحدث‭ ‬الجلل‭ ‬قوة‭ ‬إيمان‭ ‬عظيمة،‭ ‬وعملة‭ ‬نادرة،‭ ‬وجزاؤها‭ ‬وثوابها‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬أعظم،‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.‬

الرسالة‭ ‬الأبوية‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬علي‭ ‬حسن‭ ‬المحاري،‭ ‬والد‭ ‬الطفل‭ ‬الراحل‭ ‬حسن،‭ ‬عبر‭ ‬حسابه‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬تنازله‭ ‬رسميًا‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬بالأمس،‭ ‬قصة‭ ‬إنسانية‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تُدرس،‭ ‬إثر‭ ‬وفاة‭ ‬ابنه‭ ‬الذي‭ ‬نسيته‭ ‬السائقة‭ ‬في‭ ‬الباص‭.‬

كل‭ ‬كلمة‭ ‬قالها،‭ ‬وكل‭ ‬عبارة‭ ‬نشرها،‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬قلوب‭ ‬الناس‭.. ‬وضرب‭ ‬بموقفه‭ ‬الإنساني‭ ‬الرفيع‭ ‬قصة‭ ‬أب‭ ‬مكلوم‭ ‬وأم‭ ‬موجوعة،‭ ‬سطرا‭ ‬أروع‭ ‬حكايات‭ ‬التسامح‭ ‬والعفو‭ ‬والرضا‭ ‬بقضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭.‬

يقول‭ ‬الأب‭ ‬المكلوم‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مصابنا‭ ‬جلل،‭ ‬والقلب‭ ‬موجوع،‭ ‬ولكني‭ ‬أشهد‭ ‬الله‭ ‬أني‭ ‬فكرت‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وانتظرت،‭ ‬وسمعت‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬واستشرت‭ ‬العلماء،‭ ‬ودعوت‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يلهمني‭ ‬الصواب‭.. ‬فوجدت‭ ‬أن‭ ‬العفو‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هو‭ ‬قرار‭ ‬إيمان،‭ ‬لا‭ ‬قرار‭ ‬عاطفة‭.. ‬وأنا‭ ‬حين‭ ‬أعفو،‭ ‬لا‭ ‬أنكر‭ ‬حقي‭ ‬ولا‭ ‬أبرئ‭ ‬الخطأ،‭ ‬ولكني‭ ‬أختار‭ ‬أن‭ ‬أترك‭ ‬الحكم‭ ‬لله،‭ ‬واحتسب‭ ‬الأجر‭ ‬عنده‭. ‬ابني‭ ‬حسن‭ -‬لا‭ ‬شك‭ ‬ولا‭ ‬ريب‭- ‬شفيع‭ ‬لنا‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬ولأننا‭ ‬نؤمن‭ ‬أن‭ ‬العقوبة‭ ‬أو‭ ‬السجن‭ ‬لا‭ ‬يعيدان‭ ‬من‭ ‬فقدناه،‭ ‬ولكن‭ ‬العفو‭ ‬قد‭ ‬يحيي‭ ‬القلوب‭ ‬ويزرع‭ ‬الرحمة‮»‬‭.‬

وأوضح‭ ‬الوالد‭ ‬المكلوم‭ ‬أن‭ ‬قراره‭ ‬بالعفو‭ ‬جاء‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬ضعف‭ ‬أو‭ ‬اندفاع‭.. ‬هو‭ ‬عبادة‭ ‬وتوكّل‭ ‬على‭ ‬الله،‭ ‬وطلب‭ ‬رضاه‭ ‬وحده‭.. ‬وقال‭: ‬قررت‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الدية،‭ ‬ليس‭ ‬رفضًا‭ ‬لحكم‭ ‬الله،‭ ‬ولكن‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نُثقل‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬المتسبب‭ ‬بالحادث‭ ‬أو‭ ‬نحملهم‭ ‬فوق‭ ‬طاقتهم،‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نغني‭ ‬أنفسنا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬ألم‭ ‬غيرنا،‭ ‬بل‭ ‬نحتسب‭ ‬الأجر‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والعوض‭ ‬منه،‭ ‬فهو‭ ‬أكرم‭ ‬الأكرمين‭ ‬وأرحم‭ ‬الراحمين،‭ ‬داعيا‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬إلى‭ ‬سنّ‭ ‬تشريع‭ ‬يُلزم‭ ‬المدارس‭ ‬ورياض‭ ‬الأطفال‭ ‬بالتواصل‭ ‬مع‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬عند‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬طفل،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬البسيطة‭ ‬قد‭ ‬تنقذ‭ ‬أرواحًا‭ ‬وتمنع‭ ‬مآسي‭ ‬مؤلمة‭ ‬من‭ ‬التكرار‭.‬

وهذه‭ ‬الدعوة‭ ‬الجليلة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقابلها‭ ‬إجراءات‭ ‬وتشريعات‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬مخاطر‭ ‬نسيان‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المركبات،‭ ‬ووضع‭ ‬آليات‭ ‬مشددة‭ ‬في‭ ‬متابعة‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬الأطفال‭.‬

يقول‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬ما‭ ‬لعبدي‭ ‬المؤمن‭ ‬عندي‭ ‬جزاء‭ ‬إذا‭ ‬قبضت‭ ‬صفيه‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الدنيا‭ ‬ثم‭ ‬احتسبه‭.. ‬إلا‭ ‬الجنة‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬الحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬مات‭ ‬ولد‭ ‬العبد‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬لملائكته‭: ‬‮«‬قبضتم‭ ‬ولد‭ ‬عبدي؟‮»‬‭ ‬فيقولون‭: ‬نعم،‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬قبضتم‭ ‬ثمرة‭ ‬فؤاده؟‮»‬‭ ‬فيقولون‭: ‬نعم‭.. ‬فيقول‭: ‬‮«‬ماذا‭ ‬قال‭ ‬عبدي؟‮»‬‭ ‬فيقولون‭: ‬حمدك‭ ‬واسترجع‭.. ‬فيقول‭ ‬الله‭: ‬‮«‬ابنوا‭ ‬لعبدي‭ ‬بيتا‭ ‬في‭ ‬الجنة‭ ‬وسموه‭ ‬بيت‭ ‬الحمد‮»‬‭.‬

فإلى‭ ‬والد‭ ‬ووالدة‭ ‬وأسرة‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬‮«‬حسن‭ ‬علي‭ ‬المحاري‮»‬‭.. ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬ابنكم‭ ‬‮«‬حسن‮»‬‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬شفيعا‭ ‬لكم،‭ ‬فهو‭ ‬طير‭ ‬من‭ ‬طيور‭ ‬الجنة،‭ ‬وندعوه‭ ‬جل‭ ‬وعلا‭ ‬أن‭ ‬يرزقكم‭ ‬الصبر‭ ‬والسكينة،‭ ‬ويعوضكم‭ ‬خيرا‭.. ‬فقد‭ ‬قدمتم‭ ‬درسا‭ ‬رفيعا،‭ ‬بحرينيا‭ ‬وإنسانيا،‭ ‬في‭ ‬التسامح‭ ‬والعفو‭ ‬والرضا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا