الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
حكاية بحرينية.. إنسانية نبيلة
كثيرا ما تعجز الكلمات عن وصف الأخلاق النبيلة، في الترفع على الجراح والآلام.. وكثيرا ما يصعب على الإنسان تجاوز المصاعب والأوجاع، وخاصة إذ ما ارتبطت بمشاعر الفقد والمأساة.. وكان الضحية فلذة الكبد وابنا في عمر الزهور.. التسامح في مواجهة الحدث الجلل قوة إيمان عظيمة، وعملة نادرة، وجزاؤها وثوابها عند الله أعظم، في الدنيا والآخرة.
الرسالة الأبوية المؤثرة التي نشرها المواطن البحريني علي حسن المحاري، والد الطفل الراحل حسن، عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي، بعد الانتهاء من تنازله رسميًا أمام المحكمة بالأمس، قصة إنسانية تستحق أن تُدرس، إثر وفاة ابنه الذي نسيته السائقة في الباص.
كل كلمة قالها، وكل عبارة نشرها، وصلت إلى قلوب الناس.. وضرب بموقفه الإنساني الرفيع قصة أب مكلوم وأم موجوعة، سطرا أروع حكايات التسامح والعفو والرضا بقضاء الله وقدره.
يقول الأب المكلوم: «إن مصابنا جلل، والقلب موجوع، ولكني أشهد الله أني فكرت كثيرًا، وانتظرت، وسمعت جميع الأطراف، واستشرت العلماء، ودعوت الله أن يلهمني الصواب.. فوجدت أن العفو في مثل هذه الحالة هو قرار إيمان، لا قرار عاطفة.. وأنا حين أعفو، لا أنكر حقي ولا أبرئ الخطأ، ولكني أختار أن أترك الحكم لله، واحتسب الأجر عنده. ابني حسن -لا شك ولا ريب- شفيع لنا بإذن الله، ولأننا نؤمن أن العقوبة أو السجن لا يعيدان من فقدناه، ولكن العفو قد يحيي القلوب ويزرع الرحمة».
وأوضح الوالد المكلوم أن قراره بالعفو جاء عن وعي وطمأنينة، لا عن ضعف أو اندفاع.. هو عبادة وتوكّل على الله، وطلب رضاه وحده.. وقال: قررت التنازل عن الدية، ليس رفضًا لحكم الله، ولكن لأننا لا نريد أن نُثقل على أهل المتسبب بالحادث أو نحملهم فوق طاقتهم، ولا نريد أن نغني أنفسنا على حساب ألم غيرنا، بل نحتسب الأجر من الله والعوض منه، فهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، داعيا الجهات المعنية إلى سنّ تشريع يُلزم المدارس ورياض الأطفال بالتواصل مع أولياء الأمور عند غياب أي طفل، مؤكدا أن مثل هذه الإجراءات البسيطة قد تنقذ أرواحًا وتمنع مآسي مؤلمة من التكرار.
وهذه الدعوة الجليلة يجب أن تقابلها إجراءات وتشريعات تقضي على مخاطر نسيان الأطفال في المركبات، ووضع آليات مشددة في متابعة أمن وسلامة الأطفال.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه.. إلا الجنة». وفي الحديث النبوي الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: «قبضتم ولد عبدي؟» فيقولون: نعم، فيقول: «قبضتم ثمرة فؤاده؟» فيقولون: نعم.. فيقول: «ماذا قال عبدي؟» فيقولون: حمدك واسترجع.. فيقول الله: «ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد».
فإلى والد ووالدة وأسرة المواطن البحريني «حسن علي المحاري».. نسأل الله تعالى أن يجعل ابنكم «حسن» رحمه الله شفيعا لكم، فهو طير من طيور الجنة، وندعوه جل وعلا أن يرزقكم الصبر والسكينة، ويعوضكم خيرا.. فقد قدمتم درسا رفيعا، بحرينيا وإنسانيا، في التسامح والعفو والرضا.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك