العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

أعلمُ منك بسنة

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

كم‭ ‬منكم‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬جملة‭ (‬أكبر‭ ‬منك‭ ‬بيوم‭ ‬يعرف‭ ‬عنك‭ ‬بسنة‭)‬؟؟

عندما‭ ‬كُنَّا‭ ‬صغاراً‭ ‬ويدور‭ ‬حوار‭ ‬ما،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كنّا‭ ‬نقع‭ ‬تحت‭ ‬هيمنة‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي،‭ ‬لينتهي‭ ‬الحوار‭ ‬بخضوعنا‭ ‬لحكمه‭ ‬لأن‭ ‬أكبر‭ ‬منّا‭ ‬بيوم‭ ‬يعرف‭ ‬أكثر‭ ‬عنّا‭ ‬بسنة،‭ ‬لذا‭ ‬كبرنا‭ ‬ونحن‭ ‬نحمل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬حجم‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬بالسن،‭ ‬وآمنا‭ ‬بأنه‭ ‬كلما‭ ‬كبُر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬تفوَّق‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أصغر‭ ‬منه‭ ‬سناً،‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يعتقد‭ ‬من‭ ‬سبقونا‭ ‬وغرسوا‭ ‬فينا‭ ‬هذا‭ ‬المعتقد‭.‬

ولكن‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬يراودني‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬صحة‭ ‬هذا‭ ‬المثل‭ ‬الآن؟‭ ‬وأنتم‭ ‬أيها‭ ‬الأعزاء،‭ ‬هل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الأكبر‭ ‬منّا‭ ‬بيوم‭ ‬يسبقنا‭ ‬في‭ ‬علمه‭ ‬بمقدار‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الزمن؟‭ ‬وهل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الأصغر‭ ‬منّا‭ ‬سناً‭ ‬أقل‭ ‬منّا‭ ‬في‭ ‬المعرفة؟‭ ‬وما‭ ‬بال‭ ‬الذين‭ ‬ردّوا‭ ‬إلى‭ ‬أرزل‭ ‬العمر‭ ‬لكيلا‭ ‬يعلموا‭ ‬بعد‭ ‬علم‭ ‬شيئا؟

بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬وفي‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬أنه‭ ‬إن‭ ‬صحّت‭ ‬هذه‭ ‬المقولة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬فإن‭ ‬صحّتها‭ ‬ستكون‭ ‬نسبية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وسيوضح‭ ‬مقالي‭ ‬هذا،‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬بنيت‭ ‬عليها‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭. ‬

إذ‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يتلقى‭ ‬علومه‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬ثم‭ ‬التعلّم‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬وأخيراً‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬والبحث‭ ‬والاطلاع‭ ‬كجهد‭ ‬فردي،‭ ‬فالوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومة‭ ‬تقليدياً‭ ‬يستوجب‭ ‬بذل‭ ‬جهد‭ ‬وعمل‭ ‬وتنقل‭ ‬وجد‭ ‬واجتهاد‭ ‬وبحث‭ ‬لكي‭ ‬يسبق‭ ‬الإنسان‭ ‬الآخرين‭ ‬بالمعرفة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬مصادر‭ ‬المعرفة‭ ‬محدودة‭ ‬وليست‭ ‬بيسيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحاضر‭ ‬أصبح‭ ‬العلم‭ ‬متاحاً‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬وبسهولة‭ ‬أكثر،‭ ‬وأصبحت‭ ‬المعلومة‭ ‬تصل‭ ‬إلينا‭ ‬جميعاً‭ ‬دون‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نذهب‭ ‬للبحث‭ ‬عنها،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬فيها‭ ‬العالم‭ ‬مجرد‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‭ ‬تربطها‭ ‬خيوط‭ ‬شبكة‭ ‬الثورة‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬حيث‭ ‬قلبت‭ ‬مفاهيم‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلامية‭ ‬التقليدية‭ ‬وآلية‭ ‬نقل‭ ‬الخبر‭ ‬وجعلت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للبشر‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬فئاتهم‭ ‬العمرية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تلاها‭ ‬ولوج‭ ‬البشرية‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬ثورة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بما‭ ‬يلازمه‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الخوارزميات‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬تقصي‭ ‬وتتبع‭ ‬اهتمامات‭ ‬الإنسان‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬ذهنه،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬أثّرت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬المعلومات‭ ‬والمعرفة‭ (‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الغث‭ ‬والثمين‭ ‬منها،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭)‬،‭ ‬والمهم‭ ‬هنا‭ ‬هو‭  ‬أن‭ ‬المعلومات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬وشباب‭ ‬وكبار‭.‬

وهنا‭ ‬يهمني‭ ‬أن‭ ‬أتطرق‭ ‬إلى‭ ‬جانبين‭ ‬أحدهما‭ ‬إيجابي‭ ‬والآخر‭ ‬سلبي‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬وسيلة‭ ‬متاحة‭ ‬قد‭ ‬يُساء‭ ‬استخدامها‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬فالإيجابي‭ ‬هو‭ ‬أثر‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬اطلاع‭ ‬الشباب‭ ‬الجادين‭ ‬على‭ ‬آفاق‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلوم‭ ‬والبحث‭ ‬ومتابعتهم‭ ‬للأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬وزيارة‭ ‬المكتبات‭ ‬افتراضيا‭ ‬والتي‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬أثراً‭ ‬قيّماً‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬مداركهم‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬التحليل‭ ‬وإبداء‭ ‬الرأي‭ ‬الصائب‭ ‬في‭ ‬المواضيع‭ ‬المختلفة‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية،‭ ‬بجانب‭ ‬تمكينهم‭ ‬من‭ ‬مواكبة‭ ‬الأحداث‭ ‬والأفكار‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المختلفة‭ ‬بسهولة‭ ‬ويسر،‭ ‬وذلك‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بوعي‭ ‬المهتمين‭ ‬منهم‭ ‬بتنمية‭ ‬علومهم‭ ‬وفكرهم،‭ ‬والذين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ناقشتهم‭ ‬وحاورتهم‭ ‬ستجد‭ ‬بأن‭ ‬مقولة‭ (‬أكبر‭ ‬منك‭ ‬بسنة‭) ‬لا‭ ‬تنسحب‭ ‬عليهم‭ ‬فهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬ما‭ ‬يُمكّنهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬ندّاً‭ ‬لك‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتفوقوا‭ ‬عليك‭.‬

وعند‭ ‬الفقرة‭ ‬السابقة‭ ‬ينتهي‭ ‬موضوع‭ ‬المقال،‭ ‬ولكني‭ ‬أستكمله‭ ‬خارج‭ ‬موضوعه‭ ‬بالتطرق‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬السلبي،‭ ‬وهو‭ ‬المتعلق‭ ‬بمصير‭ ‬الأطفال‭ ‬والمحاذير‭ ‬التي‭ ‬تواجههم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم،‭ ‬وللتعريف‭ ‬بالأطفال،‭ ‬فالإنسان‭ ‬يكون‭ ‬طفلاً‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬ولادته‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬يمر‭ ‬بمرحلتين‭ ‬مهمتين‭ ‬وهما‭ ‬مرحلة‭ ‬سن‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التمييز‭ (‬أي‭ ‬قبل‭ ‬اتمامه‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬العمر‭) ‬ومرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬التمييز‭ (‬من‭ ‬بعد‭ ‬إتمام‭ ‬سن‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬إتمام‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمره‭) ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬سن‭ ‬الطفل‭ ‬المقرر‭ ‬عالمياً‭ ‬وفقاً‭ ‬لاتفاقية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬‭ ‬نوفمبر‭ ‬1989،‭ ‬وللقانون‭ ‬رقم‭ ‬37‭ ‬لسنة‭ ‬2012‭ ‬بإصدار‭ ‬قانون‭ ‬الطفل‭ ‬البحريني‭.‬

وتعد‭ ‬نسبة‭ ‬الوعي‭ ‬عند‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬قبل‭ ‬سن‭ ‬التمييز،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الخطر‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬تناولته‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬سابقة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬استخدام‭ ‬الأطفال‭ ‬للأجهزة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفي‭ ‬تلقيه‭ ‬للغث‭ ‬والسمين‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعلومات‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬من‭ ‬والديه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُعرضهم‭ ‬للاستغلال‭ ‬الفكري‭ ‬والجنسي‭ ‬ويُسهم‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬وعي‭ ‬الأجيال،‭ ‬وليس‭ ‬بخاف‭ ‬بأن‭ ‬أكثر‭ ‬الأطفال‭ ‬يبدأون‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬قبل‭ ‬إتمام‭ ‬عامهم‭ ‬الأول،‭ ‬لذا‭ ‬فلو‭ ‬تجاوزنا‭ ‬جميع‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تلحق‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬كهذه،‭ ‬لن‭ ‬نتجاوز‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُغرس‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ ‬الصغيرة‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النمو‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬وأفكار‭ ‬ستبقى‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬أذهانهم‭ ‬لأن‭ ( ‬العلم‭ ‬في‭ ‬الصغر‭ ‬كالنقش‭ ‬على‭ ‬الحجر‭) ‬لا‭ ‬يزول‭ ‬أبدا‭ ‬،‭ ‬فالحذر‭ ‬الحذر‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا