القراء الأعزاء،
كم منكم قيل له ذات يوم جملة (أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة)؟؟
عندما كُنَّا صغاراً ويدور حوار ما، غالباً ما كنّا نقع تحت هيمنة هذا المثل الشعبي، لينتهي الحوار بخضوعنا لحكمه لأن أكبر منّا بيوم يعرف أكثر عنّا بسنة، لذا كبرنا ونحن نحمل هذه الصورة الذهنية التي تربط حجم العلم والمعرفة بالسن، وآمنا بأنه كلما كبُر الإنسان في العمر تفوَّق في العلم والمعرفة على من هم أصغر منه سناً، هكذا كان يعتقد من سبقونا وغرسوا فينا هذا المعتقد.
ولكن دائما ما يراودني هذا السؤال: ما مدى صحة هذا المثل الآن؟ وأنتم أيها الأعزاء، هل ما زال الأكبر منّا بيوم يسبقنا في علمه بمقدار سنة من الزمن؟ وهل ما زال الأصغر منّا سناً أقل منّا في المعرفة؟ وما بال الذين ردّوا إلى أرزل العمر لكيلا يعلموا بعد علم شيئا؟
بالنسبة إلي وفي رأيي الشخصي أنه إن صحّت هذه المقولة في عصرنا الحالي فإن صحّتها ستكون نسبية إلى حد كبير، وسيوضح مقالي هذا، الأسس التي بنيت عليها هذا الرأي.
إذ إنه من المعلوم أن الإنسان يتلقى علومه الأولى من أسرته ثم التعلّم في المؤسسات التعليمية وأخيراً من القراءة والبحث والاطلاع كجهد فردي، فالوصول إلى المعلومة تقليدياً يستوجب بذل جهد وعمل وتنقل وجد واجتهاد وبحث لكي يسبق الإنسان الآخرين بالمعرفة، حيث كانت مصادر المعرفة محدودة وليست بيسيرة، ولكن في عصرنا الحاضر أصبح العلم متاحاً بصورة أكبر وبسهولة أكثر، وأصبحت المعلومة تصل إلينا جميعاً دون حاجة إلى أن نذهب للبحث عنها، ذلك أنه في ظل العولمة التي أصبح فيها العالم مجرد قرية صغيرة تربطها خيوط شبكة الثورة الإلكترونية، حيث قلبت مفاهيم الوسائل الإعلامية التقليدية وآلية نقل الخبر وجعلت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً محورياً في الحياة اليومية للبشر على اختلاف فئاتهم العمرية وفي مقدمتها المعرفة والعلم، ومن ثم تلاها ولوج البشرية إلى مرحلة ثورة الذكاء الاصطناعي بما يلازمه من قدرة الخوارزميات الفائقة على تقصي وتتبع اهتمامات الإنسان وكل ما قد يدور في ذهنه، كل هذه المتغيرات أثّرت بشكل كبير في تلقي المعلومات والمعرفة (ويشمل ذلك الغث والثمين منها، بما يحمله ذلك من خطر على الثقافة)، والمهم هنا هو أن المعلومات تصل إلى مختلف الفئات العمرية من أطفال وشباب وكبار.
وهنا يهمني أن أتطرق إلى جانبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي باعتبار أن كل وسيلة متاحة قد يُساء استخدامها والعكس صحيح، فالإيجابي هو أثر هذه الإمكانيات العصرية في اطلاع الشباب الجادين على آفاق المعرفة والعلوم والبحث ومتابعتهم للأحداث العالمية وزيارة المكتبات افتراضيا والتي بلا شك قد تركت أثراً قيّماً في توسيع مداركهم وقدرتهم على التحليل وإبداء الرأي الصائب في المواضيع المختلفة المحلية والعالمية، بجانب تمكينهم من مواكبة الأحداث والأفكار في المجالات المختلفة بسهولة ويسر، وذلك لا يتحقق إلا بوعي المهتمين منهم بتنمية علومهم وفكرهم، والذين إذا ما ناقشتهم وحاورتهم ستجد بأن مقولة (أكبر منك بسنة) لا تنسحب عليهم فهم يمتلكون من المعرفة ما يُمكّنهم أن يكونوا ندّاً لك إن لم يتفوقوا عليك.
وعند الفقرة السابقة ينتهي موضوع المقال، ولكني أستكمله خارج موضوعه بالتطرق إلى الجانب السلبي، وهو المتعلق بمصير الأطفال والمحاذير التي تواجههم في هذا الخضم، وللتعريف بالأطفال، فالإنسان يكون طفلاً منذ لحظة ولادته على قيد الحياة، حيث يمر بمرحلتين مهمتين وهما مرحلة سن ما قبل التمييز (أي قبل اتمامه السابعة من العمر) ومرحلة ما بعد التمييز (من بعد إتمام سن سبع سنوات إلى ما قبل إتمام الثامنة عشرة من عمره) وهذا هو سن الطفل المقرر عالمياً وفقاً لاتفاقية حقوق الطفل – نوفمبر 1989، وللقانون رقم 37 لسنة 2012 بإصدار قانون الطفل البحريني.
وتعد نسبة الوعي عند الطفل في أدنى مستوياتها قبل سن التمييز، لذلك فإن الخطر الذي سبق لي أن تناولته في مقالات سابقة يكمن في حجم استخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وفي تلقيه للغث والسمين من الأفكار والمعلومات دون رقابة من والديه، وهو ما قد يُعرضهم للاستغلال الفكري والجنسي ويُسهم في تدمير وعي الأجيال، وليس بخاف بأن أكثر الأطفال يبدأون في استخدام هذه الأجهزة قبل إتمام عامهم الأول، لذا فلو تجاوزنا جميع الأضرار التي قد تلحق بهم من استخدامها في سن مبكرة كهذه، لن نتجاوز ما يمكن أن يُغرس في عقولهم الصغيرة وهي في طور النمو من معلومات وأفكار ستبقى راسخة في أذهانهم لأن ( العلم في الصغر كالنقش على الحجر) لا يزول أبدا ، فالحذر الحذر.

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك