العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٨٣ - الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

السلام في غزة... اتفاقية مبهمة وصراع على الثروات

بقلم: سميرة بن رجب

السبت ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

كمثيلاتِها‭ ‬من‭ ‬الاتفاقياتِ‭ ‬السابقة،‭ ‬اتفاقيةِ‭ ‬سايكس‭ ‬بيكو‭ ‬على‭ ‬سبيلِ‭ ‬المثال،‭ ‬خَدَعَنَا‭ ‬الغربُ‭ ‬مرّةً‭ ‬أخرى‭ ‬حولَ‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تسميتُه‭ ‬باتفاقيةِ‭ ‬السلامِ‭ ‬في‭ ‬غزة‭ (‬أكتوبر‭ ‬2025‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬أحتُفلَ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدخلَ‭ ‬وقفُ‭ ‬إطلاقِ‭ ‬النار‭ ‬حيزَ‭ ‬التنفيذِ‭ ‬على‭ ‬أرضِ‭ ‬الواقع‭... ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬التعريفِ‭ ‬بأيِّ‭ ‬ضماناتٍ‭ ‬لتنفيذِها،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬أننا‭ ‬أمامَ‭ ‬اتفاقيةٍ‭ ‬فيها‭ ‬الجاني‭ ‬هو‭ ‬القاضي‭. ‬

تمَّ‭ ‬تعريفُ‭ ‬اتفاقيةِ‭ ‬السلامِ‭ ‬المزعومة‭ ‬بخطوطٍ‭ ‬عامة‭ ‬لا‭ ‬تفاصيلَ‭ ‬لها‭ ‬‮«‬والشيطانُ‭ ‬يكمنُ‭ ‬في‭ ‬التفاصيلِ‭ ‬دائما‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬تُغطِّيها‭ ‬ضبابيَّةٌ‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التكهنِ‭ ‬والشك،‭ ‬فلم‭ ‬تُعلن‭ ‬عبرَ‭ ‬المصادرِ‭ ‬الإخباريَّةِ‭ ‬الدوليَّةِ‭ ‬الموثوقة،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المواقعِ‭ ‬الرسميَّةِ‭ ‬للأطراف،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بياناتٍ‭ ‬معنيَّةِ‭ ‬بالحدثِ‭ ‬عادة‭ ‬تصدرها‭ ‬المنظماتُ‭ ‬الدوليَّةُ‭ ‬مثل‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نسمعه‭ ‬عنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تكهناتُ‭ ‬محللين‭ ‬وإعلاميين‭ ‬يحاولون‭ ‬ركوبَ‭ ‬الموجةِ‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬كلِّ‭ ‬الأحداثِ‭ ‬التي‭ ‬تمرُّ‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭.‬

بعد‭ ‬مرورِ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوعين‭ ‬على‭ ‬إعلانِ‭ ‬خبر‭ ‬اتفاقيَّة‭ ‬إنهاءِ‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يبدو‭ ‬المشهدُ‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مسرحية‭ ‬أمريكيَّة‭- ‬إسرائيليَّة‭ ‬جديدة،‭ ‬دخلها‭ ‬العربُ‭ ‬وهم‭ ‬يصفقون‭ ‬ويهلهلون‭ ‬لنجاةِ‭ ‬من‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬غزة،‭ ‬بعد‭ ‬عامين‭ ‬من‭ ‬حربِ‭ ‬الإبادة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬وحقيقة‭ ‬الاتفاقية‭... ‬والحرب‭ ‬مازالت‭ ‬قائمة‭. ‬

كان‭ ‬‮«‬انتهاءُ‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬عنوانَ‭ ‬الفصلِ‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬المسرحية،‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬مع‭ ‬إسدالِ‭ ‬الستارة‭ ‬على‭ ‬اجتماع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬والحرب‭ ‬مستمرة‭... ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬الفصلُ‭ ‬المسرحيُّ‭ ‬المزيدَ‭ ‬من‭ ‬الشكوك‭ ‬في‭ ‬تفاصيلِ‭ ‬الاتفاقيَّة‭ ‬الذي‭ ‬تأكد‭ ‬أن‭ ‬عدمَ‭ ‬الإفصاح‭ ‬عنها‭ ‬هو‭ ‬لتجنب‭ ‬إثارة‭ ‬الجدل،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬مدة‭ ‬التهدئة،‭ ‬أي‭ ‬فترة‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ (‬مؤقت‭ ‬أم‭ ‬دائم‭ ‬أم‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭)‬؛‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بنودِ‭ ‬الحصار‭ ‬وفتحِ‭ ‬المعابر‭ ‬لدخول‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانيَّة؛‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬نائبُ‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬سابقة‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬دولَ‭ ‬الخليج‭ ‬ستتحملُ‭ ‬مسؤوليةَ‭ ‬دفع‭ ‬تكاليفها‮»‬‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلنَ‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الإعمارُ‭ ‬يعني‭ ‬بناءَ‭ ‬‮«‬ريفييرا‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬أو‭ ‬بناءَ‭ ‬مساكن‭ ‬لمن‭ ‬بقي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬غزة؛‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬الانسحابات‭ ‬العسكرية؛‭ ‬أو‭ ‬مَن‭ ‬سيحكم‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬انسحاب‭ ‬حماس‭ ‬من‭ ‬القطاع،‭ ‬وهو‭ ‬الأمرُ‭ ‬الأكثر‭ ‬غموضا،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الكشفُ‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تفصيل‭ ‬حوله‭ ‬سوى‭ ‬إن‭ ‬توني‭ ‬بلير‭ ‬‮«‬سيء‭ ‬السمعة‮»‬،‭ ‬في‭ ‬المنطقةِ‭ ‬العربيَّة،‭ ‬سيكون‭ ‬أحدَهم‭.‬

وهكذا‭ ‬يتأكد‭ ‬أن‭ ‬تفاصيلَ‭ ‬الاتفاقية‭ ‬مثيرةٌ‭ ‬لعدم‭ ‬الثقة،‭ ‬بدءا‭ ‬بإعلان‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ (‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬العنصرُ‭ ‬‮«‬الأكثر‭ ‬فرحا‮»‬‭ ‬لإشغالِ‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي‭ ‬والفلسطيني‭ ‬به،‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬تمريرُ‭ ‬باقي‭ ‬بنود‭ (‬فصول‭) ‬الاتفاقية‭ (‬المسرحية‭)‬،‭ ‬بتكتيك‭ ‬التدرج‭ ‬في‭ ‬الصدمات،‭ ‬لامتصاص‭ ‬الغضب‭.‬

الدبلوماسيَّة‭ ‬الذكية

‭ ‬مع‭ ‬ضغوط‭ ‬الإبادة

إن‭ ‬عدمَ‭ ‬إعلان‭ ‬تفاصيل‭ ‬اتفاقية‭ ‬وقف‭ ‬الحرب ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬مؤشرًا‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬المفاوضات،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬غالبًا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬دبلوماسية‭ ‬ذكية‭ ‬يمارسها‭ ‬الطرفُ‭ ‬الأقوى،‭ ‬لتمرير‭ ‬مشاريع‭ ‬كبرى‭ ‬بعد‭ ‬نجاح‭ ‬ضغط‭ ‬الإبادة‭ ‬الوحشية‭ ‬الذي‭ ‬يجعلُ‭ ‬الطرفَ‭ ‬الآخر‭ ‬يقبلُ‭ ‬بأقل‭ ‬القليل،‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬شيء‭ ‬مقابل‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬سكوت‭ ‬المدافع‭ ‬فقط؛‭ ‬هي‭ ‬دبلوماسيَّةُ‭ ‬بناء‭ ‬أرضيَّة‭ ‬لإعلان‭ ‬تفاصيل‭ ‬مثيرة‭ ‬لعدم‭ ‬الثقة‭ ‬ولمشاريع‭ ‬أكثر‭ ‬ظلمًا‭ ‬وقسوة‭ ‬من‭ ‬الإبادة‭. ‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬التاريخَ‭ ‬يعيد‭ ‬نفسَه‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬حيث‭ ‬نخوضُ‭ ‬أحداثًا‭ ‬عاشتها‭ ‬المنطقةُ‭ ‬مرات‭ ‬عديدة،‭ ‬حروب‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬القوة،‭ ‬ومفاوضات‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬الأطراف،‭ ‬وقرارات‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬أقسى‭ ‬الحروب‭ ‬دموية‭ ‬ووحشية؛‭ ‬استغفال‭ ‬الطرف‭ ‬القوي‭ ‬للطرف‭ ‬الأضعف،‭ ‬والمفكك‭ ‬في‭ ‬مواقفه‭ ‬ومصالحه،‭ ‬لنستيقظَ‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬على‭ ‬واقع‭ ‬أكثر‭ ‬إيلامًا‭ ‬وظلما،‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬حرب‭ ‬السنتين،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬وصفها‭ ‬بأقسى‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬رادع‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬إقليمي‭ ‬أو‭ ‬دولي‭...‬

إن‭ ‬عدمَ‭ ‬صدور‭ ‬بيانات‭ ‬رسميَّة‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنيَّة‭ ‬أو‭ ‬الوسائل‭ ‬الإعلاميَّة‭ ‬الكبرى‭ ‬بعد‭ ‬اجتماع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬رسالةٌ‭ ‬ومؤشرٌ‭ ‬قوي‭ ‬يمكنُ‭ ‬تفسيرُه‭ ‬بعدة‭ ‬عوامل‭ ‬متشابكة‭ ‬منها‭: ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬اتفاق‭ ‬يُنصف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني؛‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬هوة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للجسر‭ ‬بين‭ ‬الأطراف؛‭ ‬أو‭ ‬ممارسة‭ ‬تكتيك‭ ‬التفاوض‭ ‬والضغط‭ ‬بالصمت‭.‬

وعلى‭ ‬أرضِ‭ ‬الواقع‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬إما‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فعليًّا‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬دخول‭ ‬الصراع‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬الجمود‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭ ‬حاسم‭ ‬ولا‭ ‬اتفاق‭ ‬سياسي‭ ‬حاسم،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬دبلوماسيَّةَ‭ ‬الصمتِ‭ ‬تعدُّ‭ ‬موقفا،‭ ‬وليس‭ ‬حيادًا؛‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يشير‭ ‬الصمتُ‭ ‬الرسمي‭ ‬الشامل‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬منصفٍ‭ ‬وعادل‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬الصمود،‭ ‬وإن‭ ‬الأمرَ‭ ‬كلَّه‭ ‬كان‭ ‬ضمن‭ ‬مخاضات‭ ‬وترقب‭ ‬حصول‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام،‭ ‬والقادم‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬عادلاً‭.‬

وهنا‭ ‬نتساءلُ‭: ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام،‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغربي،‭ ‬المبالغ‭ ‬فيه‭ ‬بقطاع‭ ‬غزة؟‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يُخطط‭ ‬للقطاع؟‭ ‬مع‭ ‬تعددِ‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طرحُها،‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬وإدارة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬وإدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب؟‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬مناقشتُه‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الإسهاب،‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬متوفُّرٌ‭ ‬من‭ ‬معلومات‭.‬

يذكر‭ ‬المفكرُ‭ ‬الاقتصاديُّ‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬المسافر‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أحداثَ‭ ‬التاريخ‭ ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬الأساطيلَ‭ ‬تتحركُ‭ ‬من‭ ‬قواعدها‭ ‬وحروب‭ ‬الإبادة‭ ‬والصراعات‭ ‬الكبرى‭ ‬تتصاعدُ‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬فقط‭ ‬بهدف‭ ‬السيطرةِ‭ ‬على‭ ‬موارد‭ ‬اقتصادية‭ ‬كبرى،‭ ‬وحرب‭ ‬غزة‭ ‬غير‭ ‬مستثناة‭ ‬من‭ ‬هذا‮»‬‭... ‬وعلى‭ ‬هذه‭ ‬القاعدةِ‭ ‬سنحاولُ‭ ‬قراءةَ‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وما‭ ‬يصاحبها‭ ‬من‭ ‬تعتيمٍ‭ ‬إعلاميٍّ‭ ‬شامل‭ ‬على‭ ‬أهدافها‭ ‬الحقيقية‭... ‬ولطالما‭ ‬كانت‭ ‬ثرواتُنا‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬هدفاً‭ ‬مباشراً‭ ‬لجميع‭ ‬أنواع‭ ‬الاستعمارات‭ ‬والحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬المنطقة‭... ‬إذن‭ ‬فلنبحث‭ ‬عن‭ ‬الثرواتِ‭ ‬في‭ ‬أهداف‭ ‬الحربِ‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتِنا‭ ‬المشروعة،‭ ‬ولا‭ ‬نتوقعُ‭ ‬أبداً‭ ‬أن‭ ‬تكشفَ‭ ‬إسرائيلُ‭ ‬عن‭ ‬هدفٍ‭ ‬كهذا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬حقُ‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬هو‭ ‬الهدفُ‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬معداً‭ ‬سلفاً،‭ ‬لكسب‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تمسّك‭ ‬به‭ ‬الإعلامُ‭ ‬الغربيُّ‭ ‬طوال‭ ‬السنتين‭ ‬المنصرمتين،‭ ‬فأين‭ ‬تكمنُ‭ ‬الحقيقة؟‭.‬

سأوجزُ‭ ‬الردَ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السؤالِ‭ ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭ ‬نشرته‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬بتاريخ‭ ‬20‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬غزة‭ ‬وثرواتها‭ ‬النفطية‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‮»‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬قدمتها‭ ‬منظمةُ‭ ‬أونكتاد‭ ‬UNCTAD‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬ثرواتٍ‭ ‬طبيعية،‭ ‬وإن‭ ‬الهدفَ‭ ‬الرئيسي‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬يتمثلُ‭ ‬في‭ ‬‮«‬تحديد‭ ‬واقتراح‭ ‬خطوط‭ ‬عريضة‭ ‬أولية‭ ‬لتقدير‭ ‬حجم‭ ‬الخسارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يتكبدها‭ ‬الشعبُ‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بسبب‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬موارده‭ ‬الطبيعية‭ ‬واستغلالها،‭ ‬ويشتمل‭ ‬هذا‭ ‬الحقُ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬حيث‭ ‬يشملُ‭ ‬جميعَ‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والاقتصادية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬‮«‬شرَعت‭ ‬إسرائيلُ‭ ‬بالفعل‭ ‬تستغلها‭ ‬لمنفعتها‭ ‬الخاصة‭ ‬حصراً،‭ ‬رغم‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المواردَ‭ ‬تكون‭ ‬مشتركةً‭ ‬في‭ ‬العادة‮»‬‭... ‬وترجع‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬تأكيدات‭ ‬لعلماء‭ ‬جيولوجيين‭ ‬واقتصاديين‭ ‬مختصين‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬لتشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأرضَ‭ ‬الفلسطينيَّة‭ ‬تقعُ‭ ‬فوق‭ ‬احتياطياتٍ‭ ‬شاسعة‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬إسرائيلَ‭ ‬‮«‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تسيطرُ‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬العائدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬وتتحكم‭ ‬في‭ ‬تطويرها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1967‮»‬،‭ ‬ومع‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬أوردتها‭ ‬الدراسةُ‭ ‬بالأرقام‭ ‬والبحوث‭ ‬حول‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الكامنة‭ ‬تحت‭ ‬أرض‭ ‬وبحر‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬الشام،‭ ‬من‭ ‬طرطوس‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نؤكِّدَ‭ ‬أن‭ ‬حربَ‭ ‬الإبادة‭ ‬هذه‭ ‬هدفُها‭ ‬الرئيسي‭ ‬هو‭ ‬احتلالُ‭ ‬غزة‭ ‬واستغلال‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ودخول‭ ‬إسرائيل‭ ‬نادي‭ ‬الدول‭ ‬النفطية‭.‬

كما‭ ‬كانت‭ ‬الثرواتُ‭ ‬الطبيعيَّة‭ ‬والاستراتيجيَّة‭ ‬وراء‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وتدميره،‭ ‬فإن‭ ‬الثروات‭ ‬نفسها‭ ‬وراء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭... ‬لذلك‭ ‬يتم‭ ‬رسمُ‭ ‬السيناريو‭ ‬القادم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬الثروات‭ ‬أيضاً؛‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إعلانَ‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬مبهمة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل،‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬مباشرة‭ ‬بعمليات‭ ‬تجري‭ ‬باتجاه‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬وتغيير‭ ‬الخريطة‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬بها‭ ‬نتنياهو‭... ‬خريطة‭ ‬ستظهر‭ ‬فيها‭ ‬‮«‬ريفييرا‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬ومدن‭ ‬وموانئ‭ ‬حديثة‭ ‬وجاهزة‭ ‬لاستثمار‭ ‬الثروات‭... ‬وفي‭ ‬بنود‭ ‬الاتفاقيةِ‭ ‬المبهمةِ‭ ‬تكمنُ‭ ‬التفاصيل،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتمَّ‭ ‬إعلانُها‭ ‬بأذكى‭ ‬أسلوب‭ ‬إعلاميِّ‭ ‬وسيكولوجيِّ‭ ‬يضمنُ‭ ‬تحييدَ‭ ‬دور‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬الأصليين،‭ ‬بعد‭ ‬حربٍ‭ ‬دامية‭ ‬طويلة‭ ‬أدمت‭ ‬كلَّ‭ ‬فردٍ‭ ‬فيهم،‭ ‬جسديًّا‭ ‬وروحيًّا‭ ‬وذهنيًّا‭... ‬حرب‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬الثروات‭.‬

sr@sameerarajab‭.‬net

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا