العدد : ١٧٣٧٧ - الاثنين ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٧٧ - الاثنين ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٨ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

متسولو الواتساب

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

نشأت‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬متدينة‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬جدّي‭ ‬إمام‭ ‬مسجد‭ ‬حافظا‭ ‬للقرآن،‭ ‬تعلمت‭ ‬منه‭ ‬أحكام‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬بكل‭ ‬سماحتها‭ ‬ويسرها،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مبدأ‭ ‬التكافل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أتعلمه‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬والديّ‭ ‬تلقيناً‭ ‬بل‭ ‬بالعمل‭ ‬وبالأسوة‭ ‬الحسنة،‭ ‬فكانوا‭ ‬لنا‭ ‬القدوة‭ ‬في‭ ‬العطاء‭ ‬وفي‭ ‬رحمة‭ ‬المحتاج‭ ‬بحسب‭ ‬المتاح‭ ‬تحت‭ ‬يدهم‭ ‬فإن‭ ‬زاد‭ ‬زادوا،‭ ‬وأجزم‭ ‬بأن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬مثلهم‭ ‬إعمالاً‭ ‬للآية‭ ‬الكريمة‭: (‬وفي‭ ‬أموالهم‭ ‬حق‭ ‬معلوم‭ ‬للسائل‭ ‬والمحروم‭) ‬وبالحُسنى‭  ‬إعمالاً‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: (‬وأما‭ ‬السائل‭ ‬فلا‭ ‬تنهر‭) ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الأحاديث‭ ‬النبوية‭  ‬الشريفة‭ ‬قد‭ ‬تناولت‭ ‬موضوع‭ ‬التسول‭ ‬بالإباحة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬ضرورية‭  ‬مع‭ ‬التحذير‭ ‬الشديد‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭.‬

وعليه‭ ‬فإن‭ ‬سؤل‭ ‬الحاجة‭ ‬ليس‭ ‬بمستغرب‭ ‬أو‭ ‬عيباً‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬يمرّ‭ ‬بظروف‭ ‬وقتية‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬أصابه‭ ‬العوز‭ ‬وضاقت‭ ‬عليه‭ ‬السُبل‭ ‬وكان‭ ‬يمتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬على‭ ‬التصريح‭ ‬بحاجته‭ ‬للمقربين‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬كون‭ (‬الناس‭ ‬للناس‭) ‬كما‭ ‬يُقال‭ ‬في‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية،‭ ‬ولكن‭ ‬والحق‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬المحتاجين‭ ‬فعلاً‭ ‬يغلب‭ ‬عليهم‭ ‬التعفف‭ ‬وإخفاء‭ ‬الفقر‭ ‬والحاجة‭ ‬بل‭ ‬يُظهر‭ ‬البعض‭ ‬عكس‭ ‬واقعهم‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬كرامتهم‭ ‬وعزّتهم‭.‬

ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أبدو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬كالشخص‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يشُحّ‭ ‬أو‭ ‬يُشيح‭ ‬عن‭ ‬مساعدة‭ ‬محتاج،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬كررت‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ ‬قصص‭ ‬استخدام‭ ‬الواتساب‭ ‬كوسيلة‭ ‬تسول‭ ‬من‭ ‬أشخاص‭ ‬نعرفهم‭ ‬وآخرين‭ ‬لا‭ ‬نعرفهم،‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬مجموعات‭ ‬مختلفة‭ ‬خصوصاً،‭ ‬حتى‭ ‬كاد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭- ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭- ‬ظاهرة‭ ‬يتوجب‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬انتشارها‭ ‬وحجم‭ ‬مردودها‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬اتخذوها‭ ‬وسيلة‭ ‬تكسّب‭ ‬وإثراء‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬عطف‭ ‬الآخرين،‭ ‬لأنني‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬المحتاجين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬لا‭ ‬يُسعفهم‭ ‬لسانهم‭ ‬ولا‭ ‬تسعفهم‭ ‬أيديهم‭ ‬على‭ ‬الطلب‭.‬

والأمر‭ ‬المثير‭ ‬للاستغراب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬لا‭ ‬نعرفهم‭ ‬جيداً‭ ‬ولا‭ ‬نعلم‭ ‬حقيقة‭ ‬احتياجهم‭ ‬ومن‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬وعمر‭ ‬التكّسب‭ ‬والغريب‭ ‬أنهم‭ ‬يطلبون‭ ‬مساعدات‭ ‬من‭ ‬نساء،‭ ‬ومن‭ ‬تجربة‭ ‬شخصية‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬يُكرر‭ ‬الطلب‭ ‬بشكل‭ ‬شهري‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المناسبات‭ ‬المختلفة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬لديهم‭ ‬كشف‭ ‬أسماء‭ ‬يطلبون‭ ‬منهم‭ ‬بصورة‭ ‬دائمة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬حاجة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭! ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬يتكسبون‭ ‬منه‭ ‬ويحفظون‭ ‬به‭ ‬ماء‭ ‬وجوهم‭ ‬عن‭ ‬مذلّة‭ ‬الطلب‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وهل‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الرسمية‭ ‬والأهلية‭ ‬أو‭ ‬لا؟

علماً‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ضمان‭ ‬اجتماعي‭ ‬يُعزز‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لجميع‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬تحرمهم‭ ‬من‭ ‬إعمال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الأخرى،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬وتخفيف‭ ‬آثاره‭ ‬إعمالاً‭ ‬للنص‭ ‬الدستوري‭ (‬‮ ‬تكفل‭ ‬الدولة‭ ‬تحقيق‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬اللازم‭ ‬للمواطنين‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الشيخوخة أو‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬اليتم‭ ‬أو‭ ‬الترمل‭ ‬أو‭ ‬البطالة،‭ ‬كما‭ ‬تؤمّن‭ ‬لهم‭ ‬خدمات‭ ‬التأمين‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬وقايتهم‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬الجهل‭ ‬والخوف‭ ‬والفاقة‭ ‬،‭ ‬الفقرة‭ (‬ج‭) ‬المادة‭ (‬5‭)‬،‭ ‬فيُقدّم‭ ‬صندوق‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التابع‭ ‬لوزارة‭ ‬التنمية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المساعدات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭  ‬مزايا‭ ‬نقدية‭ ‬وعينية‭ ‬تُمنح‭ ‬للأسر‭ ‬المستحقة‭ ‬للضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بهدف‭ ‬مساعدتهم‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭ ‬الأساسية،‭ ‬وهي‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬مخططات‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬غير‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الاشتراكات،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬الجمعيات‭ ‬الخيرية‭ ‬بدور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬العينية‭ ‬والمالية‭ ‬بشكل‭ ‬شهري‭ ‬وفي‭ ‬المواسم‭ ‬المختلفة‭ ‬للأسر‭ ‬المحتاجة‭ ‬لسد‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬كرامتهم‭ ‬الإنسانية‭.‬

يضاف‭ ‬إليهم‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الأفراد‭ ‬الحاصلون‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬بجمع‭ ‬المال‭ ‬للمنفعة‭ ‬العامة‭ ‬وغير‭ ‬الحاصلين‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الأسر‭ ‬المحتاجة‭.‬

وربما‭ ‬تنتظرون‭ ‬أن‭ ‬أخلص‭ ‬إلى‭ ‬مقترح‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭! ‬ولكني‭ ‬أراها‭ ‬شأنها‭ ‬كشأن‭ ‬أكثر‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتي‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬حلّها‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬لحساسية‭ ‬الفكرة‭ ‬نفسها‭ ‬وخصوصيتها،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬القانون‭ ‬رقم‭ ‬5‭ ‬لسنة‭ ‬2007‭ ‬بشأن‭ ‬مكافحة‭ ‬التسول‭ ‬والتشرد‭ ‬قد‭ ‬جرّم‭ ‬التسول‭ ‬وحدد‭ ‬له‭ ‬عقوبة‭ ‬الحبس،‭ ‬فإن‭ ‬التسول‭ ‬عبر‭ ‬برنامج‭ ‬الواتساب‭ ‬يُعدّ‭ ‬جريمة‭ ‬تسول‭ ‬باستخدام‭ ‬وسيلة‭ ‬إلكترونية‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬دابرها‭.‬

للتنويه،‭ ‬اقتصر‭ ‬موضوع‭ ‬المقال‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬برنامج‭ ‬الواتساب‭ ‬وفي‭ ‬مجتمعنا،‭ ‬ولم‭ ‬أتطرق‭ ‬لبقية‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬التسولية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬الدولة‭ ‬فمراسلات‭ ‬التسول‭ ‬تصل‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬محاولات‭ ‬النصب‭ ‬والاحتيال‭ ‬الإلكتروني‭ ‬المتنوعة‭ ‬والمتجددة‭.‬

hanadialjowder@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا