القراء الأعزاء،
نشأت في أسرة متدينة فقد كان جدّي إمام مسجد حافظا للقرآن، تعلمت منه أحكام الدين الإسلامي بكل سماحتها ويسرها، وفي مقدمتها مبدأ التكافل الاجتماعي الذي لم أتعلمه منه ومن والديّ تلقيناً بل بالعمل وبالأسوة الحسنة، فكانوا لنا القدوة في العطاء وفي رحمة المحتاج بحسب المتاح تحت يدهم فإن زاد زادوا، وأجزم بأن كثيرا من المسلمين مثلهم إعمالاً للآية الكريمة: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) وبالحُسنى إعمالاً لقوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) وإن كانت الأحاديث النبوية الشريفة قد تناولت موضوع التسول بالإباحة في حالات معينة ضرورية مع التحذير الشديد منه في معظم الأحيان.
وعليه فإن سؤل الحاجة ليس بمستغرب أو عيباً إذا كان الإنسان يمرّ بظروف وقتية أو قد أصابه العوز وضاقت عليه السُبل وكان يمتلك الجرأة على التصريح بحاجته للمقربين منه من منطلق كون (الناس للناس) كما يُقال في الأمثال الشعبية، ولكن والحق يُقال إن أكثر المحتاجين فعلاً يغلب عليهم التعفف وإخفاء الفقر والحاجة بل يُظهر البعض عكس واقعهم حفاظاً على كرامتهم وعزّتهم.
ولا أريد أن أبدو من خلال هذا المقال كالشخص الذي قد يشُحّ أو يُشيح عن مساعدة محتاج، ولكن قد حدث أن كررت طرح موضوع قصص استخدام الواتساب كوسيلة تسول من أشخاص نعرفهم وآخرين لا نعرفهم، في أكثر من لقاء مع مجموعات مختلفة خصوصاً، حتى كاد هذا الأمر أن يكون- في رأيي الشخصي- ظاهرة يتوجب الوقوف على حجم انتشارها وحجم مردودها على أولئك الذين اتخذوها وسيلة تكسّب وإثراء على حساب عطف الآخرين، لأنني أعلم أن المحتاجين الحقيقيين لا يُسعفهم لسانهم ولا تسعفهم أيديهم على الطلب.
والأمر المثير للاستغراب هو أن السؤال قد يأتي من نساء لا نعرفهم جيداً ولا نعلم حقيقة احتياجهم ومن بعض الشباب الذين هم في مقتبل العمر وعمر التكّسب والغريب أنهم يطلبون مساعدات من نساء، ومن تجربة شخصية أستطيع أن أؤكد أن البعض منهم يُكرر الطلب بشكل شهري بالإضافة إلى المناسبات المختلفة، بل إنه ربما يكون لديهم كشف أسماء يطلبون منهم بصورة دائمة، الأمر الذي يثير التساؤل عن حقيقة حاجة هؤلاء الأشخاص! ولماذا لا يبحث هؤلاء الأشخاص عن مصدر رزق يتكسبون منه ويحفظون به ماء وجوهم عن مذلّة الطلب هنا وهناك، وهل هم من المستفيدين من خدمات الضمان الاجتماعي الرسمية والأهلية أو لا؟
علماً بأن الدولة قد اتخذت كل الوسائل من أجل تحقيق ضمان اجتماعي يُعزز الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص في الظروف التي تحرمهم من إعمال حقوق الإنسان الأخرى، ويهدف إلى الحدّ من الفقر وتخفيف آثاره إعمالاً للنص الدستوري ( تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة ، الفقرة (ج) المادة (5)، فيُقدّم صندوق الضمان الاجتماعي التابع لوزارة التنمية الاجتماعية المساعدات الاجتماعية والمتمثلة في مزايا نقدية وعينية تُمنح للأسر المستحقة للضمان الاجتماعي بهدف مساعدتهم في تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية، وهي تندرج ضمن مخططات الضمان الاجتماعي غير القائمة على الاشتراكات، كما تقوم الجمعيات الخيرية بدور كبير في تقديم المساعدات العينية والمالية بشكل شهري وفي المواسم المختلفة للأسر المحتاجة لسد احتياجاتهم والحفاظ على كرامتهم الإنسانية.
يضاف إليهم الدور الذي يلعبه الأفراد الحاصلون على تراخيص بجمع المال للمنفعة العامة وغير الحاصلين عليه في تلبية احتياجات الأسر المحتاجة.
وربما تنتظرون أن أخلص إلى مقترح للحد من هذه الظاهرة! ولكني أراها شأنها كشأن أكثر الظواهر التي ارتبطت بوسائل التواصل الاجتماعي والتي ربما يكون حلّها من الصعوبة بمكان لحساسية الفكرة نفسها وخصوصيتها، وحيث إن القانون رقم 5 لسنة 2007 بشأن مكافحة التسول والتشرد قد جرّم التسول وحدد له عقوبة الحبس، فإن التسول عبر برنامج الواتساب يُعدّ جريمة تسول باستخدام وسيلة إلكترونية يتوجب على الجهات المختصة العمل على قطع دابرها.
للتنويه، اقتصر موضوع المقال على استخدام برنامج الواتساب وفي مجتمعنا، ولم أتطرق لبقية وسائل التواصل الاجتماعي التي تزخر بمثل هذه الممارسات التسولية على نطاق أكبر من إقليم الدولة فمراسلات التسول تصل من دول عربية مختلفة جنباً إلى جنب مع محاولات النصب والاحتيال الإلكتروني المتنوعة والمتجددة.
hanadialjowder@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك