القراء الأعزاء،
من إضاءات الأسبوع الماضي تشرّفي بحضور مؤتمر بعنوان (استشراف المستقبل، حلول مدعومة بالذكاء الاصطناعي) الذي نظمته جمعية الإداريين البحرينية في يومي 8 إلى 9 أكتوبر تحت رعاية سعادة الدكتور عبدالحسين ميرزا وزير الكهرباء والطاقة السابق ومستشار شركة بحرين انرجايزر، واستمتعت بأوراق عمل ملهمة جداّ في هذا الشأن فشكراً للجمعية متمثلة في رئيستها الدكتورة لولوة المطلق والشكر موصول للصديقة المحامية لبنى محمد الحسن.
ويدور السؤال دائماً حول تعريف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، واجتهاداً من خلال البحث وجدت أنها عبارة عن مجموعة من التقنيات التي تُمكّن آلة أو نظاماً من التعلّم والفهم والتصرف والاستشعار من خلال الاستجابة للمحفزات بشكل متّسق مع الاستجابات التقليدية للبشر، بحيث تُحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، وتكاد تحلّ مكان الذكاء البشري الفطري وتقوم بأداء مهامه من خلال تحليل البيانات والتنبؤ بالمستقبل والتخطيط في مجالات كثيرة، ويوجد فئات أربع من الذكاء الاصطناعي، وهي الآلات التفاعلية (Reactive Machines)، والذاكرة المحدودة (Limited Memory)، ونظرية العقل (Theory of Mind)، والوعي الذاتي (Self-Aware).
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي واقعاً يتوجب مواكبته، مع تسارع وتيرة تطور التكنولوجيا الذكية بشكل مدهش، وصار جزءاً أساسياً من حياة الإنسان أسهم في قلب موازين الصناعات العالمية في ثورة عصرية متقدمة جداً، بجانب عديد من المجالات، حتى باتت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحلّ مكان الذكاء البشري الفطري وتقوم بأداء مهامه في مجالات كثيرة ومن أهمها التخطيط والتنبؤات القائمة على البيانات، تنبؤات غالباً ما تكون قاطعة في صحتها.
لذا أصبح لزاماً على الدول وعلى الأفراد تقبّل ومواكبة ومسايرة هذا التطور حتى لا يكون بمعزل عن المستجدات والتطورات العصرية ولا يتخلف عن ركبها ويُمسي خلفها بخطوات كثيرة تُحدث فجوة قد تتسبب في الإضرار بمصالحه المختلفة.
وإن كان الذكاء الاصطناعي كغيره من عوامل التغيير يتعرض لمقاومة تعززها التحديات التي تواجهه وأهمها تحدّي الحفاظ على خصوصية البيانات ضمن بيئة تُحقق أمن المعلومات التي تُشكل عصب عمل الذكاء الاصطناعي في مواجهة حقيقية بين حق الإنسان في الخصوصية وكفاءة الأول في الحفاظ عليها، والموازنة بينها وبين مبدأ الشفافية، ومن ثم تحمّل المسؤولية بالمساءلة الإدارية والجنائية، المخاوف البشرية من تأثيره على سوق العمل والأمن الوظيفي وهي من أهم التحديات على صعيد الإنسانية، وضرورة وجود ضمانات لعدم إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي وتوظيفه لأغراض إرهابية.
وجميع هذه التحديات وغيرها لا تأتي إلا من خلال التشريعات التي تضمنها وتنظم ممارستها بصورة لا تمسّ بالمصلحة العامة أو حقوق وحريات الأفراد الأساسية ولا تضارها، ويظهر أن البنية التشريعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي فيما يختص بالذكاء الاصطناعي مازالت تفتقر إلى تشريعات حديثة شاملة وموحدة لمواجهة هذا التطور الذي لا مفر منه، حيث لم يتم مواجهته تشريعيا باتفاقية مشتركة بين دول مجلس التعاون ولا بقانون خاص في مملكة البحرين التي تبنّت سياسة وطنية للذكاء الاصطناعي ضمن الخطة الوطنية السادسة للاتصال باختيار إرشادات لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع العام وخلصت في عام 2019 إلى تصميم دليل استرشادي بهدف تمكين الدوائر الحكومية من استخدام تقنياته بشكل مسؤول ومستدام وفي سبيل حماية خصوصية الأفراد ومنع التحيّزات الخوارزمية وضعت المبادئ والقيم التي يجب مراعاتها عند تبني وتطوير هذه التقنيات وأرست أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي ثم أطلقت بعدها استراتيجية الحكومة الرقمية 2022، التي سعت من خلالها إلى تحقيق رؤية 2030،
وجدير بالذكر أنه قد لاح في الأفق مشروع اقتراح بقانون بتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماته، ما زال يجول في أروقة مجلس الشورى البحريني حيث جاء ذلك إثر توجيهات ملكية سامية تضمنّها خطاب جلالة ملك البلاد المعظم في الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الفصل التشريعي السادس لمجلسي الشورى والنواب، ولي تعليق على مسودته ربما في مقال آخر.
وسأختم بجزئية مهمة تتعلق بالقيم والأخلاق المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي والتي اقترح بعض المتحدثين تنظيمها بقانون، وأجدني دائماً غير متفقة مع تنظيم المبادئ الإنسانية الوجدانية بقانون، لإيماني بحرية الفكر والوجدان ( أي ما يضمره الإنسان) وبأن القيم السامية والمبادئ هي عبارة عن تراكمات أخلاقية يكتسبها الإنسان بالممارسة وليس بقوة القانون، من خلال بيئته وأسلوب تربيته، فهي أسلوب حياة وثقافة إنسانية ينتهجها الإنسان بصورة تلقائية من منطلق إيمان مطلق بها في داخله، لذا ففي غيابها هناك كُثر ممن لم تطالهم يد القانون لقدرتهم على مراوغته.
لذا يتوجب أن تبدأ من الأسرة ومن ثم المناهج التعليمية التي يتوجب عليها أن تغرس القيم الأخلاقية في الأجيال التي سيكون الذكاء الاصطناعي محور حياتها وحقوقها، ولكي نُهيئ الأجيال لزمنهم القادم من منطلق علم حالي بمتطلبات الزمن الآتي وتوظيفاً لمقولة الإمام علي كرم الله وجهه (ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم).
Hanadialjowder@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك