في عالمٍ يتسارع فيه إيقاع الابتكار، وتتحول فيه الأفكار إلى ثرواتٍ تسهم في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي، تتجلى أهمية الملكية الفكرية كصمام أمان يحمي الإبداع، وكأساسٍ يُبنى عليه اقتصاد المعرفة. وانطلاقًا من هذا المفهوم، جاء المؤتمر الخليجي الثاني للملكية الفكرية الذي نظمته الجمعية البحرينية للملكية الفكرية بالتعاون مع جمعية الإمارات للملكية الفكرية، ليجدد تأكيد أن دول الخليج ماضية بثقة نحو ترسيخ بيئة قانونية واستثمارية متطورة تعزز موقعها كمركزٍ إقليمي للابتكار والإبداع. المؤتمر الذي جمع نخبة من الخبراء والمختصين والمسؤولين من مختلف الدول الخليجية والعربية، شكّل منصةً فكرية رفيعة لتبادل الخبرات والرؤى حول سبل تعزيز حماية الحقوق الفكرية ودورها الحيوي في دعم الاقتصاد والتنمية المستدامة. وقد خرجت جلساته بتوصيات نوعية تستحق الوقوف عندها، أبرزها الدعوة إلى توحيد السياسات والتشريعات الخليجية الخاصة بالملكية الفكرية، وإنشاء منصة إلكترونية خليجية موحدة لتسجيل الحقوق، إلى جانب تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، وإدماج مفاهيم الملكية الفكرية في المناهج التعليمية والجامعية لبناء جيلٍ واعٍ بأهمية الإبداع وحمايته. كما شدّد المشاركون على ضرورة تحفيز الاستثمار في الابتكارات المحلية وتفعيل دور القضاء في البت السريع في قضايا الملكية الفكرية، مؤكدين أن حماية الفكرة لا تقل أهمية عن حماية الثروة، وأن الإبداع هو الوقود الحقيقي للاقتصاد الحديث. اللافت في هذا الحدث كانت الروح الخليجية الموحدة التي سادت أجواءه، وإدراك الجميع أن حماية الإبداع لم تعد ترفًا قانونيًا، بل ضرورة تنموية واقتصادية تفتح آفاقًا رحبة أمام الشباب ورواد الأعمال والمبدعين في شتى المجالات. من وجهة نظري، فإن توصيات المؤتمر تمثل منعطفًا حقيقيًا في مسار تطوير منظومة الملكية الفكرية في الخليج والعالم العربي. فهي ليست مجرد مخرجات مؤتمر، بل رؤية مستقبلية شاملة تؤكد أن الإبداع مورد استراتيجي لا يقل قيمة عن النفط أو الاستثمار المالي. تحقيق هذه الرؤية يتطلب إرادة جماعية وتنسيقًا فعّالًا بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات التعليمية، فالقوانين وحدها لا تكفي لحماية الإبداع ما لم تُدعَم بثقافة تؤمن بأن الفكرة هي الثروة، وبأن حماية المبدع تعني حماية الوطن ذاته. إن تطبيق هذه التوصيات ليس خيارًا يمكن تأجيله، بل واجبا وطنيا وخليجيا تمليه ضرورات المرحلة المقبلة، فالمستقبل لا يُكتب إلا بلغة الفكر والمعرفة، ومن يحمي فكرَه اليوم يصنع غدَه بثقة واقتدار.
مقالات
نحو رؤية خليجية موحدة تدعم الابتكار والتنمية

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك