انقشع غبار ثورات صفقت ورقصت لها الجماهير العربية، وقائع عصفت بالأمة وكان لها تأثير في فكر وتوجه وعقيدة العقل العربي، زعزع فيها استقرار دول، وقدر لها التمزق والوهن والخراب على يد ومساعدة أبنائها في جو من الفرح والأهازيج. ثم سربت بعد عقود، وثائق رسمية وشهادات ضباط ميدانيين، أن تلكم الثورات القومية المجيدة، والخالدة في وجدان الأمة العربية كما خطط لها أن تقدم.. من تدبير أجهزة الاستخبارات الدولية، ولم تكن سوى مسرحيات حيكت في مطبخ سفارات الدول الأجنبية، وأن زعماء الانقلابات وقادة المجالس الثورية ورؤساء الحركات التصحيحية كانوا من صنائعهم وأدواتهم.
ولا يزال المسلسل قائمًا والمخرج في قمة عطائه، وصناعة الرؤساء وترميز القادة ورسم الخرائط، يعرض على يد اللاعب الأقوى في الساحة الدولية، وسيستمر مدبلجًا بعناوين مختلفة ما دام العقل العربي يتغذى على وهم التغيير والفئوية والحزبية. في ماضي السنين رغب السيد إكس أن يعمل متخفيًا عن مسرح السياسة لصياغة الحدث، ولثقته بإمكاناته وتفوقه تكنولوجيًا وإعجابه بقوته قرر حاليًا أداء بطولة المشهد على غير عادته مبديًا آراءه وفلسفته علنًا.
من أبرزها تصريح المبعوث الأمريكي توم باراك مؤخرًا: «لا يوجد شرق أوسط والدول القومية نشأت عبر سايكس بيكو»، أخذ الرجل يجتر الماضي بمفهومه الخاص ويبدي تشخيصه لأزمات المنطقة، مستعرضًا قبولًا واعترافًا أمريكيًا بحق تقرير المصير للجماعات والأعراق، قائلًا: «إن الاعتقاد بإمكانية توحيد 27 دولة مختلفة في المنطقة تضم 110 مجموعات عرقية على موقف سياسي واحد هو مجرد وهم».
أهو هذيان مسؤول رفيع المستوى؟ أم هو تبشير بمستقبل ومتغيرات؟؟ وكأنما أراد توم باراك منافسة عبر التاريخ مع الدبلوماسيين سايكس وبيكو وبلفور، فكلامه رسالة موجهة لا تخلو من التحريض ورغبة دولية لتغييرات جيوسياسية في المنطقة.
وفي دول مجلس التعاون التي تمتع بالأمن والاستقرار بحمد من الله، هي أقوى من أي وقت مضى وقد بدا واضحًا لمجتمع الساسة الكبار وبقناعة مترسخة أنها مصونة بدرع حنكة وتلاحم قادتها وتكاتفهم ووحدة شعوبهم، وتلاقيهم في الرؤى والمصير المشترك وصونهم للأمن الخليجي، تجسد مؤخرًا بالموقف الخليجي الموحد ضد الاعتداء على الشقيقة دولة قطر، الذي حمل في معانيه رسائل عدة، وأن هذا التكتل السياسي الأخوي قد حقق الكثير من الاستحقاقات والإنجازات على مر الأزمات التي مرت على المنطقة.
وتعقد آمال شعوب الخليج على وحدة خليجية تكاملية، حلم بها دومًا شعب الخليج المؤمن بمصيره المشترك وأهدافه ورسالته النبيلة النابعة من ثقافته وعاداته، حمايًة لمكتسباته ومواجهة لأي تحديات مستقبلية ومخططات تمس أمن دوله واستقرارها.
«رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات»، بقيادة قائد النهضة المباركة والمسيرة المظفرة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك