لطالما كانت البنية التحتية الركيزة الأساسية لأي نهضة عمرانية أو اجتماعية، فهي التي تمنح المدن والقرى مقومات الحياة الكريمة من شوارع ممهدة، شبكات صرف صحي، إنارة عامة، ومرافق خدمية تليق بالمواطن. غير أن واقع الحال في بعض المناطق بالمملكة يكشف عن فجوة بين ما دُفع من رسوم وما تم تنفيذه فعليا على أرض الواقع.
لقد التزم العديد من أصحاب البيوت والمباني، وخصوصاً في المخططات القديمة مثل مشروع مجمع 711 في توبلي وغيرها من القرى والمدن، بدفع رسوم البنية التحتية منذ سنوات طويلة، على أمل أن تصل إليهم الخدمات الموعودة. لكن المفارقة أن هذه الرسوم لم تُترجم حتى اليوم إلى طرق معبّدة أو شبكات صرف صحي متكاملة أو إنارة فاعلة. في المقابل، نجد أن المخططات الحديثة لا تُمنح تراخيص البيع إلا بعد إلزام المطوّرين بإنشاء البنية التحتية الكاملة مسبقاً، وهو ما يطرح سؤال العدالة: ماذا عن أولئك الذين دفعوا في السابق دون أن يتلقوا الخدمة؟
القضية هنا ليست مجرد مطلب خدمي عابر، بل هي قضية ثقة وعدالة. فمن غير المنطقي أن يُترك المواطنون، الذين أوفوا بالتزاماتهم المالية تجاه دفع رسوم البنية التحتية، ينتظرون سنوات وربما لعقود دون أن يروا أثراً لاستثماراتهم. الأدهى من ذلك أن بعض المناطق، التي بيعت وفق المخططات القديمة، لا تزال حتى اليوم تعاني من غياب الطرق المعبدة، وحلول ترقيعية مؤقتة مثل فرش الإسفلت المكسر (النخالة) التي لا تصمد أمام أول هطول للأمطار، فتتحول إلى أكوام رملية وحجرية تضر بعجلات السيارات وتعيد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه.
إن العدالة تقتضي – في أقل تقدير– حصر جميع الحالات التي دفعت رسوم البنية التحتية ولم تتلقَ الخدمة حتى الآن، ثم اتخاذ أحد خيارين: إما التعجيل في تنفيذ الخدمات الأساسية دون تأخير إضافي، أو إعادة المبالغ المدفوعة إلى أصحابها باعتبارها حقوقاً مالية لم تقابلها منفعة. وبهذا فقط يتحقق مبدأ «الخدمة مقابل الرسوم» الذي يضمن مصداقية ويعزز ثقة في جدوى الالتزام مقابل الرسوم المدفوعة مقابل خدمة البنية التحتية غير المتوفرة.
إن معالجة هذا الملف العالق لن يكون مجرد استجابة لمطالب المواطنين دافعين الرسوم، بل هو خطوة عملية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية، وتجسيد حقيقي لشعار التنمية المستدامة التي لا تفرق بين منطقة جديدة أو قديمة، ولا تضع المواطنين في خانة انتظار لا نهاية لها.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذا الملف، فالخدمات (البنية التحتية) ليست ترفاً بل حقاً أساسياً، والرسوم المدفوعة ليست مجرد إيراد مالي بل عقد التزام واضح بين مقدم الخدمة والزبون.
{ الرئيس التنفيذي لمجموعة الفاتح.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك