لأهلِ البحرين صفاتٌ لا تُشترى ولا تُصنع، بل تنبعُ من عمقِ الأرضِ وذاكرةِ البحر وتقاليد الأجداد. ابتسامةُ البائعِ في سوق المحرق، ولمعةُ عيني الغواص وانبهاره حين يعثرُ على لؤلؤةٍ في قلب محارة جاء بها من الهير، وكوبُ الشاي الذي يقدمُه لك صاحبُ مقهى شعبي في المنامة وكأنه يعرفك منذ زمن، النسَّاجُ وهو يباهي بسحرِ نوله في بني جمرة، والصقارُ يدعوك إلى تأمُّلِ سرعة خفقان جناحي طيره وشموخه، كلُّ هذه التفاصيل تتركُ أثرًا خالدًا في ذاكرةِ السائح ويعودُ بها إلى وطنه ليحملَ بين طيات قلبه ذكرياتٍ لا تُنسى.
هذه السماتُ اكتسبها أهلُ البحرين من روحِ هذه الأرض وتاريخها وثقافتها وتراثها، ولعل أبرزها ما يتميزون به من حفاوةٍ وترحاب كطباعٍ أصيلة تتجلّى في صدقِ الابتسامة وكرمِ الاستقبال ولطفِ التعامل، وهي سماتٌ ترسِّخُ في ذاكرةِ كلِّ ضيف وزائر انطباعًا لا يمحى. فمنذ لحظة وصول السائح إلى مملكة البحرين، يجدُ نفسَه في حضرة مجتمعٍ يفتحُ له الأبوابَ والقلوب، لا تكلّفًا، بل بفطرةٍ صادقة تُشبه طيبَ الأرض التي يمشي عليها.
ولعل ما يميِّزُ البحرين اليوم أن مشاريعَها السياحية باتت تمتدُّ في كل زاوية: من المحرق إلى قرى الشمال، ومن قلب العاصمة إلى الصحراء في الصخير، ومن قلالي إلى الزلاق، وصولاً إلى جزر حوار. هذه الخارطة المتنوعة تؤكد أن السياحة أصبحت نسيجًا متكاملًا يروي حكايات آسرة عن عراقة الأماكن وتراث سُكّانها، ويمتد أثرها ليشمل المدن المركزية. وفي كل هذه المواقع، تظل القيمة الحقيقية للمكان في التجربة الإنسانية التي يعيشها الزائر؛ فكل وجهة لا تكتمل دون تلك اللمسة الصادقة التي تميز الشعب البحريني.
وفي ظل هذا الامتداد الواسع في المشاريع السياحية وتنوع الخيارات، تبرز أهمية مواصلة البناء على الخصائص الثقافية التي تنفرد بها البحرين. فكرم الضيافة المتجذر في المجتمع البحريني يشكّل دون شك أحد أبرز مقومات الجذب السياحي ونقطة قوة حقيقية تميز شعب البحرين الأصيل، والذي يعد ركيزة مهمة للاستثمار فيها، بحيث يتكامل مردودها مع متطلبات السياحة الحديثة ومعاييرها المتطورة.
ومن هذا المنطلق، يكتسب الاستثمار في الكفاءات البشرية أهمية متزايدة، بوصفه خيارًا تنظيميًا وباعتباره امتدادًا طبيعيًا لقيم الضيافة ذاتها. فمواصلة تعزيز مهارات العاملين في القطاع، وتمكينهم عبر التدريب المستمر، وفتح آفاق أوسع أمام الشراكات مع القطاع الخاص، كلها خطوات تسهم في مواصلة تعزيز جودة التجربة السياحية، وتحافظ في الوقت نفسه على الروح البحرينية الأصيلة التي يبحث عنها الزائر ويتفاعل معها.
إنّ جوهر نجاح التجربة السياحية البحرينية ينطلق من تعزيز ما نملكه من أصالة وعفوية، وتطويرها عبر أدوات ومعايير حديثة تواكب أفضل التجارب العالمية، مع الحفاظ على هويتنا المتجذّرة. فالحضارة تُعاش في عمق التفاصيل اليومية، والثقافة تتجلّى في سلوك الإنسان وتفاعله مع محيطه، لا في العروض أو المناسبات فحسب.
من هنا، فإن دمج السياحة في نسيج المجتمع لا يقل أهمية عن بناء المنتجعات والمرافق. يجب أن يشعر السائح بأن ثقافة المجتمع وروحه ليست شيئاً يحكى له، بل تجربة يعيشها فعلاً. أن يختبر الحكاية لا أن يقرأها. أن يعيش البحرين الحقيقية، لا صورتها التجارية.
إن الإنسان البحريني هو أعظم أصولنا السياحية، ليس فقط بصفته مضيفًا، بل كصانع تجربة، وناقل ذاكرة، وراوٍ لقصة المكان. ومن هذا المنطلق، فإن الاستثمار في هذا الإنسان أولوية، ليس فقط بالتدريب، بل بإدماجه في سردية السياحة الوطنية، ومنحه مساحة أكبر للمشاركة في تشكيل صورة البحرين في أذهان الزوار.
ولأن البحرين تحتل موقعاً استراتيجياً في قلب الخليج، وتتبوأ مكانة مميزة في وجدان شعوب المنطقة. لذا، يجد الزائر الخليجي والأجنبي على حد سواء تجربة فريدة تمزج بين الألفة والتميز، حيث تتيح له المملكة اكتشاف جوانب جديدة تشعره بالقرب والريادة في آنٍ معاً.
في نهاية المطاف، قد تكون البنية التحتية هي الواجهة، لكن الإنسان هو الجوهر والروح. وكلما توسعت المشاريع وتعددت الخيارات، تبقى لمسة البحريني –بصدقه وعفويته– هي ما يمنح السياحة في البحرين طابعها المتفرد، ويحوّل كل زيارة إلى تجربة تُروى.
في وطن تُقاس فيه الجاذبية بصدق التعامل قبل بريق العناوين، فإن التحدي ليس في أن نُبقي على هذا السحر، بل في أن نرتقي به. فلنجعل من كل مشروع فرصة لتعزيز حضور هذه الروح التي نعتز بها، ومن كل تجربة سياحية حكاية تبدأ من الناس وتبقى في الذاكرة.
لقد أثبت الإنسان البحريني – بطبعه العفوي وروحه الدافئة– أنه أعظم سفير لهذا الوطن. واليوم، يأتي دورنا جميعًا – مؤسسات وأفرادًا، قطاعًا خاصًا ومجتمعًا – لنمنح هذا التميّز حقه من الرعاية والتنمية.
ولهذا، فإننا مدعوون اليوم لتبني رؤية شاملة تعزز من مكانة «الإنسان البحريني» في صميم التجربة السياحية، من خلال مبادرات تدريبية وطنية، وشراكات هادفة مع القطاع الخاص، وفرص تشاركية تتيح للبحرينيين أن يكونوا في الواجهة – في الفنادق، والمتاحف، والمواقع التراثية، والمطاعم، وحتى في الأسواق.
حتى الوافدون الذين طال بهم المقام في هذه الأرض تجدهم قد تشربوا من هذه الروح، لكن البصمة البحرينية تبقى هي الأساس والعنصر الفارق الذي يضفي على كل تجربة طابعها الإنساني الفريد.
فلنجعل من كل مشروع سياحي، ومن كل نقطة التقاء بين مملكة البحرين وزائريها، مساحة لتجسيد هذه الروح، وتحويلها إلى رافد تنموي حقيقي يرسّخ مكانة المملكة في ذاكرة العالم.
وزيرة السياحة٫
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك