من الواضح جدا أن الدعم الأمريكي لإسرائيل قد فاق كل الحدود وكل التوقعات حتى بدأ الباحثون والدارسون بمن فيهم الأمريكان يتحدثون عن تبعية السياسة الأمريكية لإسرائيل وليس العكس وعن تأثير السياسة والمواقف الإسرائيلية في السياسة الأمريكية والقرارات الأمريكية وليس العكس وأصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن دور أمريكي للوساطة من أجل تحقيق السلام مثلما كان العرب يعولون عليه منذ سنوات مع إدارات أمريكية أخرى كانت أكثر انفتاحا واهتماما بإحلال السلام في المنطقة لإدراكها بأن هذا السلام لن يتحقق إلا إذا استرجع الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في أرضه وسيادته.
والحقيقة إن الإدارة الأمريكية في ظل الرئيس دونالد ترامب سواء في دورتها الرئاسية الأولى أو في الدورة الجديدة التي بدأت قبل أشهر كان ولا يزال من أكثر الرؤساء الأمريكان دعما مطلقا ولا محدودا لإسرائيل حتى في جرائمها التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني وهو من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كما دعا إلى توسع إسرائيل بسبب صغر حجمها باحتلالها الأراضي الفلسطينية واعترف بشرعية سيطرة إسرائيل على الجولان وتشجيع الكيان الإسرائيلي على ضم الضفة والقضاء على حلم وحق إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة.
وبينما تمضي إسرائيل في ظل حكومة اليمين المتطرف في الإبادة الجماعية والتجويع وتدمير كل أسس الحياة في غزة لكنها لم تتمكن مع ذلك من فرض الاستسلام والهيمنة على الشعب الفلسطيني الصامد رغم كل ما تعرض إليه من قتل وتدمير وإهانة وقتل الأطفال وضرب الخيام وتجريف الطرقات بحيث لا يبقى أي أساس للحياة في هذه المنطقة.
وإذا كان الجنون الإٍسرائيلي الحالي في ظل الحكومة اليمينية معلنا ومفهوما في سياق الرغبة في القضاء على القضية الفلسطينية وتدمير أي فرصة ليس لإنشاء الدولة الفلسطينية فحسب بل تدمير أي فرصة للحياة الطبيعية لهذا الشعب الذي يعاني من أسوأ احتلال في التاريخ لأكثر من سبعة عقود، إلا أن الموقف الأمريكي غير مفهوم بأي منطق وبأي حجة لأن هذا الدعم اللامشروط والدعم اللامحدود للهمجية الإسرائيلية ليس في صالح الولايات المتحدة الأمريكية على المدى القريب والبعيد خاصة وأنها تمر بمشاكل وصعوبات اقتصادية وتراجع في هيمنتها في العالم نتيجة ظهور وبروز عالم جديد متعدد الأقطاب ولذلك فإن هذا الدعم الإسرائيلي مضر في النهاية بالولايات المتحدة الأمريكية وشعبها.
صحيح إن إسرائيل هي شريك مهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومن المستبعد أن تتخلى الإدارة الأمريكية عن هذه الشراكة وهذا التحالف ولكن المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية وهي تقدم الدعم لإسرائيل أن تحميها من جنونها وتوسعاتها الجنونية والتعصب والتوقف عن الإبادة والتهجير وذلك بالعمل على بناء سياسة متوازنة تحقق السلام والاستقرار للجميع.
إن التزام الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل أمر لا يشك فيه أحد وإنما على أمريكا في هذه الظروف الصعبة أن تمارس دورا بالنظر إلى قوتها العظمى وبدورها الكبير في قيادة العالم ولعل ما يسيئ إلى صورة الولايات المتحدة الأمريكية حقيقة هذا الانحياز الغريب والأعمى إلى حكومة متطرفة ووحشية وعنصرية بشهادة العالم كله إضافة إلى جوانب أخرى تتعلق بالسياسات الاقتصادية والتجارية والجمركية ولكن موقف الإدارة الأمريكية الحالية المتعصب للمواقف الإسرائيلية الهمجية العنصرية هو أكثر ما يسيئ للسياسة الحكومية الأمريكية ولذلك فإن المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية بل من الواجب عليها أن تعيد النظر في هذا الخلل الاستراتيجي الكبير والذي يفقدها جزءا كبيرا من مصداقيتها في العالم لدرجة أنه حتى حلفاؤها أصبحوا يتشككون في تحالفهم معها خاصة بعد الضربة الهمجية التي قامت بها إسرائيل ضد الشقيقة قطر والتي كانت تلعب دور مهما وأساسيا في الوساطات السلمية لتخليص الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة أخرى تجعل الشركاء والأصدقاء بل وحتى الحلفاء يشككون ويتساءلون وربما بشكل أو بآخر تتراجع ثقتهم في هذه الصداقة أو في هذا الحلف وهذا ما بدأ يشعر به الغرب وقسم كبير من الأوروبيين وحتى الهنود الذين كانوا يعتبرون أنفسهم حلفاء مع الولايات المتحدة الأمريكية ولكنهم تعرضوا إلى الإهانة مما جعلهم يبحثون عن أفق جديد في العلاقات الدولية المتوازنة والتي تحفظ المصالح المشتركة بما يحفظ كرامة الدول وشعوبها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك