العدد : ١٧٣٥٠ - الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٥٠ - الثلاثاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

زيارة اليابان.. زيارة إلى المستقبل:
سمو ولي العهد رئيس الوزراء وضع الأسس وفتح آفاق الشراكة الاستراتيجية

بقلم: السيد زهره

الاثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

اليابان تقدر تجربة البحرين التنموية وتعرف مكانتها ودورها الإقليمي والدولي


الزيارة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬زيارة‭ ‬عادية‭.. ‬كانت‭ ‬زيارة‭ ‬استثنائية‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬لها‭ ‬اهمية‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبرى‭.‬

الزيارة‭ ‬دشنت‭ ‬عهدا‭ ‬نوعيا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬البحرينية‭  ‬اليابانية‭.. ‬عهد‭ ‬جوهره‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭.‬

صحيح‭ ‬ان‭ ‬البحرين‭ ‬لديها‭ ‬علاقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ودول‭ ‬اخرى‭.. ‬لديها‭ ‬علاقات‭ ‬استراتيجية‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬ودول‭ ‬أوروبية‭ ‬وروسيا‭ ‬والصين‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬لكن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬مختلف‭.‬

العلاقات‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬ليس‭ ‬جوهرها‭ ‬العلاقات‭ ‬والمواقف‭ ‬السياسية‭ ‬المباشرة،‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬بالطبع‭ ‬جزءا‭ ‬منها‭.. ‬جوهر‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬هو‭ ‬التنمية‭ ‬والتقدم‭.. ‬هو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتجارة‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬والثقافة‭ ‬وقضايا‭ ‬التقدم‭ ‬الاجتماعي‭.. ‬وهكذا‭.‬

بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬جوهر‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الجديدة‭ ‬هي‭ ‬قضايا‭ ‬المستقبل‭.. ‬هي‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬ركائز‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬وتقدمها‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية‭ ‬ومستقبلا‭.‬

لهذا‭ ‬تعتبر‭ ‬زيارة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الى‭ ‬اليابان‭ ‬هي‭ ‬بحق‭ ‬زيارة‭ ‬الى‭ ‬المستقبل‭.‬

***

معنى‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬

كما‭ ‬نعلم‭ ‬النتيجة‭ ‬الأكبر‭ ‬التي‭ ‬اسفرت‭ ‬عنها‭ ‬زيارة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الى‭ ‬اليابان‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الانتقال‭ ‬بعلاقات‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا؟

الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬تعريفاتها‭ ‬هي‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬مشتركة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركة‭ ‬الموارد‭ ‬والخبرات‭ ‬والجهود،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬تفوق‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬تحقيقه‭ ‬بمفردها‭. ‬تتسم‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالتعاون‭ ‬العميق‭ ‬والتوافق‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬العلاقة‭ ‬العادية‭ ‬لإنشاء‭ ‬علاقة‭ ‬مستدامة‭ ‬تعزز‭ ‬النمو‭ ‬والنجاح‮»‬‭.‬

على‭ ‬ضوء‭ ‬هذا،‭ ‬رفع‭ ‬مستوى‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان‭ ‬الى‭ ‬مستوى‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬يعني‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ - ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬اهدافا‭ ‬مشتركة‭ ‬يسعى‭ ‬البلدان‭ ‬الى‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الشراكة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

2‭ ‬ذ‭ ‬ان‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬وجود‭ ‬رؤى‭ ‬مشتركة‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

3‭ ‬ذ‭ ‬انه‭ ‬تحقيقا‭ ‬لهذه‭ ‬الأهداف‭ ‬وترجمة‭ ‬لهذه‭ ‬الرؤى‭ ‬يسعى‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المشتركة‭ ‬ودفع‭ ‬برامج‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬الى‭ ‬ابعد‭ ‬مدى‭ ‬ممكن‭ ‬وبما‭ ‬يتجاوز‭ ‬العلاقات‭ ‬العادية،‭ ‬أي‭ ‬الى‭ ‬المدى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬البعيد‭.‬

4‭ ‬ذ‭ ‬ان‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬وتنفيذ‭ ‬برامج‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬يحمل‭ ‬منافع‭ ‬كبرى‭ ‬للبلدين،‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬دفع‭ ‬التقدم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والتنمية‭ ‬والتحديث‭ ‬عموما‭.‬

اذن،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان‭. ‬وكما‭ ‬نرى‭ ‬فإن‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬دشن‭ ‬مرحلة‭ ‬نوعية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬لها‭ ‬اهمية‭ ‬وقيمة‭ ‬كبرى‭.‬

بالطبع‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬للبحرين‭ ‬واليابان‭ ‬ان‭ ‬يتفقا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لولا‭ ‬الثقة‭ ‬الكاملة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬ولولا‭ ‬القناعة‭ ‬المشتركة‭ ‬بضرورة‭ ‬الشراكة‭.‬

هذه‭ ‬الثقة‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬من‭ ‬فراغ‭. ‬نعلم‭ ‬ان‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬مضت،‭ ‬وخصوصا‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬حين‭ ‬صدرت‭ ‬البحرين‭ ‬أول‭ ‬شحنة‭ ‬نفط‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭. ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬علاقات‭ ‬البلدين‭ ‬أي‭ ‬مشاكل‭ ‬أو‭ ‬أزمات‭. ‬والزيارتان‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬2012‭ ‬و2017‭ ‬وضعتا‭ ‬اسسا‭ ‬قوية‭ ‬للعلاقات‭.‬

‭ ‬البحرين‭ ‬تدرك‭ ‬موقع‭ ‬اليابان‭ ‬المتقدم‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬تنموية‭ ‬كبرى‭. ‬واليابان‭ ‬تدرك‭ ‬تماما‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬تجرية‭ ‬البحرين‭ ‬التنموية،‭ ‬ومكانة‭ ‬البحرين‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭.‬

واللقاءات‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬مع‭ ‬الامبراطور،‭ ‬وولي‭ ‬العهد‭ ‬ورئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ووزير‭ ‬الخارجية‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬وما‭ ‬صدر‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬بيانات‭ ‬أظهرت‭ ‬توافق‭ ‬الرؤى‭ ‬والتوجهات‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬وبالأخص‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والتنمية‭ ‬وحول‭ ‬الأهداف‭ ‬المشتركة‭ ‬للشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬زيارة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ارست‭ ‬أسسا‭ ‬راسخة‭ ‬للشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬هذه‭ ‬الأسس‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬الأسس‭ ‬النظرية‭ ‬أي‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬والرؤى‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى،‭ ‬وانا‭ ‬أيضا‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬الاتفاقات‭ ‬ومذكرات‭ ‬التفاهم‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الفضاء‭ ‬وإدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬والتحول‭ ‬الرقمي‭ ‬وبراءات‭ ‬الاختراع‭ ‬والنقل‭ ‬الجوي‭ ‬والاتصالات‭. ‬هذه‭ ‬الاتفاقات‭ ‬أتت‭ ‬استكمالا‭ ‬لاتفاقات‭ ‬كبرى‭ ‬سبق‭ ‬ان‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بالفعل‭ ‬اثناء‭ ‬الزيارة‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬لليابان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭.‬

***

نحن‭ ‬و«المعجزة‭ ‬اليابانية‮»‬

أحد‭ ‬الجوانب‭ ‬الكبرى‭ ‬لزيارة‭ ‬سمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬لليابان‭ ‬وإطلاق‭ ‬عهد‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬انها‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬امام‭ ‬دراسة‭ ‬التجربة‭ ‬اليابانية‭ ‬في‭ ‬التحديث‭ ‬والتقدم‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭.‬

تجربة‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتحديث‭ ‬والتقدم‭ ‬تجربة‭ ‬متفردة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭. ‬هناك‭ ‬اجماع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬المعجزة‭ ‬اليابانية‮»‬‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حققته‭ ‬اليابان‭.‬

السبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬انه‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ورغم‭ ‬الهزيمة‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬باليابان،‭ ‬فإنها‭ ‬نهضت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬واستطاعت‭ ‬ان‭ ‬تحقق‭ ‬معجزة‭ ‬تنموية‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬رغم‭ ‬انها‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬موارد‭ ‬طبيعية‭ ‬كثيرة‭.‬

العالم‭ ‬كله‭ ‬انشغل‭ ‬بدراسة‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة‭.‬

تفرد‭ ‬التجربة‭ ‬اليابانية‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬انها‭ ‬لم‭ ‬تتبع‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي،‭ ‬وبنيت‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬اليابان‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬والمجتمعية‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬اليابان‭ ‬حققت‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة‭ ‬عبر‭ ‬ثورة‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬في‭ ‬مجالات،‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والثقافة‭ ‬اليابانية،‭ ‬والتعليم،‭ ‬والإدارة،‭ ‬وقيم‭ ‬وتقاليد‭ ‬العمل‭ ‬والانتاجية‭.‬

‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬العرب‭ ‬دعوا‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬الى‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬لدراسة‭ ‬تجربة‭ ‬اليابان‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬تحقيق‭ ‬نهضة‭ ‬عربية‭.‬

الباحثون‭ ‬العرب‭ ‬اجمعوا‭ ‬تقريبا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬جوانب‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬اليابان‭ ‬يجب‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1-‭  ‬انه‭ ‬يجب‭ ‬بداية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬التعلم‭ ‬من‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإرادة‭ ‬القوية‭ ‬الحازمة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬والنهضة‭ ‬رغم‭ ‬أي‭ ‬صعاب‭ ‬او‭ ‬عقبات‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬كوارث‭. ‬الباحثون‭ ‬العرب‭ ‬يطالبون‭ ‬هنا‭ ‬بتأمل‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬تجاوز‭ ‬الهزيمة‭ ‬الساحقة‭ ‬التي‭ ‬منيت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬انكسار‭ ‬وجعلتها‭ ‬حافزا‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الانجازات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭.‬

‭  ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬وعدم‭ ‬التسليم‭ ‬او‭ ‬اليأس‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬تعلمه‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬اليابان‭.‬

2‭ ‬ذ‭ ‬ضرورة‭ ‬الدراسة‭ ‬المعمقة‭ ‬لتجربة‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬التقاليد‭ ‬والقيم‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬اليابانية‭ ‬وبين‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬المعاصرة‭. ‬

‭ ‬بعبارة‭ ‬اخرى‭ ‬يجب‭ ‬دراسة‭ ‬كيف‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬الجمع‭ ‬بنجاح‭ ‬بين‭ ‬الأصالة‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬وبين‭ ‬التقليدية‭ ‬والحداثة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬وتحويل‭ ‬هذه‭ ‬الصيغة‭ ‬الى‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬للتقدم‭ ‬والانجاز‭.‬

3‭ -   ‬اليابان‭ ‬استطاعت‭ ‬تطوير‭ ‬نظرية‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬الإدارة،‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬يهتم‭ ‬بها‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬امريكا‭ ‬أو‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬انه‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬تحقيق‭ ‬نجاح‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وفي‭ ‬تنظيم‭ ‬العمل‭ ‬وزيادة‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬الانضباط‭ ‬والولاء‭.  ‬

‭ ‬هذا‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬مهم‭ ‬للاستفادة‭ ‬منه‭ ‬عربيا‭.‬

4‭ -  ‬كما‭ ‬ان‭ ‬لليابان‭ ‬تجربة‭ ‬فريدة‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬الإصلاح‭ ‬التعليمي‭ ‬وتطوير‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬ركائز‭ ‬التنمية‭ ‬والتقدم‭ ‬والتحديث‭.‬

‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬مجال‭ ‬آخر‭ ‬لدراسته‭ ‬عربيا‭ ‬والاستفادة‭ ‬منه‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬التجربة‭ ‬اليابانية‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬الاهتمام‭ ‬الشديد‭ ‬بها‭ ‬عربيا‭.‬

***

نحو‭ ‬المستقبل

اذن‭ ‬زيارة‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬ارست‭ ‬أسس‭ ‬علاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وفتحت‭ ‬الافاق‭ ‬واسعة‭ ‬امام‭ ‬تطوير‭ ‬وترسيخ‭ ‬هذه‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭. ‬

وكي‭ ‬تتجسد‭ ‬هذه‭ ‬الشراكة‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬الواقع‭ ‬وتتحقق‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة‭ ‬من‭ ‬البلدين،‭ ‬ومن‭ ‬البحرين‭ ‬خصوصا،‭ ‬هناك‭ ‬عدة‭ ‬جوانب‭ ‬يجب‭ ‬تأكيدها‭.‬

‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالتنفيذ‭ ‬العملي‭ ‬الدقيق‭ ‬للاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬اليها‭ ‬مع‭ ‬اليابان،‭ ‬أي‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬في‭ ‬الزيارة،‭ ‬والاتفاقات‭ ‬السابقة،‭ ‬بما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تشملها‭ ‬الاتفاقيات‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬الرسمي‭ ‬جوانب‭ ‬اخرى‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نعطيها‭ ‬أولوية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجربة‭ ‬اليابانية،‭ ‬وأيضا‭ ‬بنقل‭ ‬التجربة‭ ‬البحرينية‭ ‬والتعريف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬اليابان‭.‬

واهم‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1‭ ‬ذ‭ ‬ان‭ ‬نهتم‭ ‬بدراسة‭ ‬تجربة‭ ‬التحديث‭ ‬والتقدم‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬جوانبها‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭.‬

نشير‭ ‬هنا‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬دراسة‭ ‬تجربة‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬مجالات،‭ ‬التعليم‭ ‬وتطوير‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي،‭ ‬والإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمؤسسات،‭ ‬والثقافة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والعمل‭ ‬والإنتاجية‭.‬

هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬تمثل‭ ‬ركائز‭ ‬نجاح‭ ‬اليابان‭ ‬وتحقيق‭ ‬‮«‬المعجزة‭ ‬اليابانية‮»‬‭.‬

2‭ ‬ذ‭ ‬دراسة‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬هو‭ ‬بالطبع‭ ‬بهدف‭ ‬بحث‭ ‬ومعرفة‭ ‬سر‭ ‬نجاحها،‭ ‬وما‭ ‬يمكننا‭ ‬الاستفادة‭ ‬به‭ ‬منها‭ ‬بحسب‭ ‬ظروف‭ ‬البحرين‭ ‬وخصوصيتها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭.‬

3‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬ان‭ ‬ننقل‭ ‬تجربة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتحديث‭ ‬ومقوماتها‭ ‬وان‭ ‬نستمع‭ ‬الى‭ ‬رأي‭ ‬وتقييم‭ ‬اليابانيين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭.‬

4‭ ‬ذ‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يستلزم‭ ‬ان‭ ‬ندشن‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتفاعل‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬والخبراء‭ ‬والباحثين،‭ ‬وقادة‭ ‬الأعمال،‭ ‬ومن‭ ‬الانفتاح‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬اليابان‭.‬

كما‭ ‬نرى،‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬ليس‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬وحدها‭ ‬وانما‭ ‬الجهات‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ومراكز‭ ‬البحث‭.‬

نتمنى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬ان‭ ‬نرى‭ ‬تفاعلا‭ ‬كبيرا‭ ‬ولقاءات‭ ‬وزيارات‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬المثقفين‭ ‬والباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان،‭ ‬وان‭ ‬نرى‭ ‬اهتماما‭ ‬أكبر‭ ‬بنقل‭ ‬الفكر‭ ‬الياباني،‭ ‬والتعريف‭ ‬بالثقافة‭ ‬البحرينية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬اليابان‭.‬

هذا‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬الاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بين‭ ‬البحرين‭ ‬واليابان‭.‬

***

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬زرت‭ ‬اليابان‭. ‬اثناء‭ ‬الزيارة‭ ‬التقيت‭ ‬بمسؤولين‭ ‬يابانيين‭ ‬ورجال‭ ‬اعمال‭ ‬وتحدثت‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬ابحاث‭ ‬وفي‭ ‬ملتقيات‭ ‬اقتصادية‭.‬

الشيء‭ ‬الذي‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬شكوى‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬اننا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬نعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬المطلقة‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ولا‭ ‬نعطي‭ ‬الاهتمام‭ ‬الكافي‭ ‬للعلاقات‭ ‬مع‭ ‬اليابان‭ ‬ولتجربتها‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬اذ‭ ‬حدث‭ ‬انفتاح‭ ‬عربي‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬اليابان‭ ‬وتجربتها‭ ‬واهتمام‭ ‬أكبر‭ ‬بالعلاقات‭ ‬معها‭. ‬ولكنه‭ ‬يظل‭ ‬دون‭ ‬المستوى‭ ‬المفترض‭.‬

زيارة‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وما‭ ‬دشنته‭ ‬من‭ ‬شراكة‭ ‬استراتيجية‭ ‬قدمت‭ ‬نموذجا‭ ‬لما‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬اليابانية‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭.‬

المهم‭ ‬ان‭ ‬نستغل‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬اتاحتها‭ ‬الزيارة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفع‭ ‬بجهودنا‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬التقدم‭ ‬والنهضة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا