العدد : ١٧٣٩٢ - الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩٢ - الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

مقالات

المصالح الخليجية وسط تنافس القوى الكبرى

{ بقلم: عدنان أحمد يوسف

الاثنين ١٥ سبتمبر ٢٠٢٥ - 02:00

يشهد‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭ ‬تنافسًا‭ ‬متصاعدًا‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اختارت‭ ‬الضرائب‭ ‬والرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬سلاحًا‭ ‬رئيسيًا،‭ ‬فرفعت‭ ‬متوسط‭ ‬التعرفة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الواردات‭ ‬الآسيوية‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭% ‬في‭ ‬2024،‭ ‬لتعزيز‭ ‬صناعاتها‭ ‬المحلية‭ ‬وتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الخارج،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والطاقة‭. ‬

أوروبا‭ ‬بدورها‭ ‬تبنت‭ ‬سياسات‭ ‬حمائية‭ ‬جماعية،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬آلية‭ ‬تعديل‭ ‬الكربون‭ ‬على‭ ‬الحدود‮»‬‭ ‬المطبقة‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬لحماية‭ ‬سوقها‭ ‬الموحد‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬عالية‭ ‬الانبعاثات‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدرتها‭ ‬التنافسية‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تواصل‭ ‬الصين‭ ‬توسيع‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬تجاوزت‭ ‬استثماراتها‭ ‬الخارجية‭ ‬1.1‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬مع‭ ‬تركيز‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ ‬ممرات‭ ‬الطاقة‭ ‬والنقل‭. ‬

روسيا،‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية،‭ ‬زادت‭ ‬صادراتها‭ ‬النفطية‭ ‬إلى‭ ‬آسيا‭ ‬بنسبة‭ ‬تفوق‭ ‬15‭% ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬بينما‭ ‬تسعى‭ ‬الهند‭ ‬لاستثمار‭ ‬نموها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬يتجاوز‭ ‬6‭% ‬سنويًا‭ ‬لتكون‭ ‬قوة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬وصناعية‭ ‬كبرى‭.‬

هذا‭ ‬المشهد‭ ‬ينعكس‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬مركزًا‭ ‬محوريًا‭ ‬للطاقة‭ ‬العالمية‭. ‬فبحسب‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬سجّل‭ ‬اقتصاد‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬نموًا‭ ‬قدره‭ ‬3‭.‬8‭%‬‭ ‬في‭ ‬2024،‭ ‬مع‭ ‬توقعات‭ ‬بنحو‭ ‬4‭% ‬في‭ ‬2025‭ ‬مدعومًا‭ ‬بزيادة‭ ‬مساهمات‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭. ‬لكن‭ ‬زيادة‭ ‬السياسات‭ ‬الحمائية‭ ‬والضرائب‭ ‬العالمية‭ ‬قد‭ ‬تضغط‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والالمنيوم‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬نحو‭ ‬60‭% ‬إلى‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬إيرادات‭ ‬الحكومات‭ ‬الخليجية‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭ ‬تدفع‭ ‬المستثمرين‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬توزيع‭ ‬استثماراتهم‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ ‬حققت‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬تدفقات‭ ‬استثمار‭ ‬أجنبي‭ ‬مباشر‭ ‬تجاوزت‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2024،‭ ‬يقودها‭ ‬قطاعا‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والتقنية،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬جاذبيتها‭ ‬المتزايدة‭.‬

برأينا،‭ ‬ولمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحولات،‭ ‬يمكن‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬تبني‭ ‬ثلاث‭ ‬استراتيجيات‭ ‬رئيسية‭.‬

أولى‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬هي‭ ‬مواصلة‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطط‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬مثل‭ ‬رؤية‭ ‬البحرين‭ ‬2030‭ ‬ورؤية‭ ‬السعودية‭ ‬2030‭ ‬واقتصاد‭ ‬الخمسين‭ ‬الإماراتي‭ ‬لتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬ورفع‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬حاليًا‭ ‬حوالي‭ ‬45‭%‬‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الخليجي‭.‬

وثاني‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬هي‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توظيف‭ ‬الفوائض‭ ‬المالية‭ (‬تجاوزت‭ ‬الأصول‭ ‬السيادية‭ ‬الخليجية‭ ‬4‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭) ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬المستقبل‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬الخضراء‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬عوائد‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭.‬

وثالث‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬هي‭ ‬مواصلة‭ ‬نهج‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المتوازنة‭ ‬والتكامل‭ ‬الإقليمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬شراكات‭ ‬اقتصادية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬لزيادة‭ ‬القدرة‭ ‬التفاوضية‭.‬

التنافس‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬يعكس‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬نحو‭ ‬نظام‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬كل‭ ‬قوة‭ ‬لحماية‭ ‬نفوذها‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تبنت‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬سياسات‭ ‬استباقية‭ ‬مرنة‭ ‬فستتمكن‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬مصالحها‭ ‬وتعزيز‭ ‬استقرارها‭ ‬ونموها،‭ ‬بل‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬لاعب‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬موقعها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬ومواردها‭ ‬المالية‭ ‬الهائلة‭.‬

وباعتقادنا‭ ‬إن‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬لحماية‭ ‬المصالح‭ ‬الخليجية‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭ ‬العالمي‭ ‬الشديد‭ ‬هو‭ ‬تسريع‭ ‬خطى‭ ‬تكاملها‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وخاصة‭ ‬مشاريع‭ ‬السوق‭ ‬الخليجية‭ ‬المشتركة‭ ‬والوحدة‭ ‬النقدية؛‭ ‬بهدف‭ ‬بناء‭ ‬تكتل‭ ‬اقتصادي‭ ‬قوي‭ ‬ومتين‭.‬

 

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا