في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتشابك فيه التحديات الإلكترونية، لم يعد الأمن السيبراني خيارًا ثانويًا، بل صار خط الدفاع الأول عن الدول والمؤسسات والأفراد، فالهجمات السيبرانية اليوم لم تعد مجرد محاولات اختراق عابرة، بل تهديدات منظمة تستهدف البنية التحتية الحيوية، والقطاع المالي، وحتى خصوصية الأفراد.
من هنا تأتي أهمية التمرين السيبراني الوطني في البحرين، الذي جمع نخبة من الكفاءات الوطنية والجهات الرسمية والخاصة، لاختبار الجاهزية وتعزيز القدرات في مواجهة سيناريوهات تهديد حقيقية، هذا التمرين لا يمثل مجرد محاكاة تقنية، بل هو مساحة تدريب عملية تعكس مدى استعداد المؤسسات للاستجابة الفورية، والتعافي السريع، وضمان استمرارية الخدمات حتى في أصعب الظروف.
ولعل ما يمنح هذه المبادرة قيمة أكبر، هو الدعم الكبير الذي تحظى به من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، الحامي الأول للأمن السيبراني في المملكة. إن حرص سموه على إقامة التمرين بشكل سنوي يجسد رؤية استراتيجية تضع الأمن الرقمي في قلب مسيرة التنمية، وتؤكد أن حماية فضائنا الإلكتروني ليست مسؤولية تقنية فقط، بل هي ركيزة من ركائز الأمن الوطني.
ولعل خطورة التهديدات تتضح أكثر عند النظر إلى ما شهدته بعض الدول من هجمات سيبرانية واسعة النطاق، فقد تعرضت الولايات المتحدة عام 2021 لهجوم «كولونيال بايبلاين» الذي شلّ أهم شبكة أنابيب للوقود على الساحل الشرقي وأحدث ارتباكًا اقتصاديًا كبيرًا، كما شهدت أوكرانيا في 2015 و2016 هجمات استهدفت شبكات الكهرباء وأدت إلى انقطاع التيار عن مئات الآلاف من المنازل، ولم تكن المؤسسات الصحية بعيدة عن ذلك، إذ أُصيبت عشرات المستشفيات في أوروبا بالشلل إثر هجوم «WannaCry» عام 2017، ما أدى إلى تعطيل خدمات طبية عاجلة. هذه الشواهد تكشف أن الأمن السيبراني لم يعد تحديًا محليًا بل معركة عالمية
لكن حماية الجهات والمؤسسات من الهجمات لا تتوقف عند حدود التدريبات، بل تتطلب جهدًا متكاملًا يقوم على عدة محاور أساسية، أولها نشر ثقافة الوعي السيبراني بين الطلبة خاصة الجامعيين والمقبلين على الدخول في سوق العمل ثم الموظفين في القطاعين، إذ إن العنصر البشري غالبًا ما يكون الحلقة الأضعف؛ إذ إن الوعي السيبراني لدى العديد من الموظفين لا يزال غامضًا أو ليس محط اهتمامهم.
ثانيًا، الاستثمار في الكوادر الوطنية المتخصصة القادرة على تطوير أنظمة الحماية ومواكبة أحدث تقنيات الدفاع الرقمي. وأخيرًا، بناء خطط استجابة مرنة تضمن استمرارية العمل حتى في حال حدوث اختراقات. وإلى جانب ذلك، يبقى التعاون بين القطاعين العام والخاص وتبادل المعلومات عاملًا جوهريًا في تعزيز الحماية الشاملة.
إن التمرين السيبراني الوطني ليس مجرد حدث سنوي، بل هو تأكيد عملي لأن البحرين تمتلك الإرادة والقدرة على التصدي للتحديات الرقمية، وتحويلها إلى فرص لبناء منظومة أكثر أمنًا واستدامة، فالأمن السيبراني لم يعد خيارًا، بل هو أساس لحماية حاضرنا وضمان مستقبلنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك