من المؤكد أن الأمن غاية ومطلب وركيزة أساسية من ركائز الدولة لاستقرار المجتمع، وهو أحد أهم الأساسيات المحققة للتنمية الوطنية المستدامة، والازدهار الاقتصادي، والنهضة الاجتماعية الشاملة، التي تكفل بيئة آمنة تحفظ الحقوق وتعزز ثقة المواطن بوطنه.
ومملكة البحرين كانت ومازالت نموذجًا بارزًا ضمن أكثر نماذج الدول أمنًا وأمانًا؛ ويرجع الفضل بذلك لتوجيهات الحكومة الرشيدة، وللدور الفاعل الذي تلعبه وزارة الداخلية متمثلة بكل فروعها واختصاصاتها؛ لحفظ الأمن الوطني بمختلف صوره وأشكاله.
ولأن العصر لا ينفك بطبيعة الحال عن التطور، وفي ظل وقع التطورات التكنولوجية الحديثة لا بد أن تتولد تحديات أمنية جديدة تهدد الأمن الوطني والمجتمعي، وذلك نسبة إلى التحولات الرقمية المتسارعة التي تتطلب استخداما كثيفا للأنظمة الرقمية؛ نظرًا إلى أهمية الدور الذي تلعبه التقنية في مختلف القطاعات، إذ من المؤكد أن ترافق كثافة الاستخدام هذه كثافة مماثلة في الهجمات الإلكترونية.
ولا سيما إبان تحول مؤسسات الدولة بشكل عام نحو الأنظمة الرقمية، لذلك أضحى تعزيز الأمن السيبراني ذا أهمية بالغة الضرورة، تنزع من منطلق ارتباطه بالعديد من المجالات الوثيقة بالأمن القومي، ويعد تحقيق هذا الأمن مسؤولية مجتمعية تتطلب تكاتف وتعاون مختلف أفراد ومؤسسات الدولة من دون استثناء.
لذلك وضعت مملكة البحرين الأمن السيبراني ضمن صلب أولوياتها، وسعت لتعزيز جاهزيتها وحضورها وقدراتها الوطنية في هذا المجال، باعتباره أحد أهم أركان الاستراتيجية الوطنية لحفظ مقدرات ومكتسبات الوطن ورفد مسيرة التنمية الوطنية الشاملة.
ومن هذا المنطلق أقيم خلال الأيام القليلة الماضية بتنظيم من المركز الوطني للأمن السيبراني (التمرين السيبراني الوطني 2025)، الذي حمل عنوان (هجمات سلاسل الإمداد)، تحت رعاية كريمة من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة مستشار الأمن الوطني قائد الحرس الملكي الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، بمشاركة واسعة استقطبت مختلف الجهات الحكومية والقطاعات الحيوية والخاصة.
وجاء هذا التمرين ضمن إطار الجهود الوطنية الوقائية الرامية إلى التصدي لأي تحديات أو تهديدات سيبرانية محتملة، وذلك من خلال محاكاة سيناريو واقعي لهجمة سيبرانية متقدمة، ولقياس مدى قدرة الجهات المشاركة على التعامل مع الحوادث والهجمات المتماثلة، ولرصد مستوى الكفاءة التنسيقية فيما بينهم، وذلك بهدف تطوير مهارات الكوادر الوطنية المتخصصة، وتعزيز الوعي السيبراني لدى الجهات الحكومية والخاصة بما يدعم منظومة الأمن السيبراني بالمملكة.
إذا اتسم جوهر التمرين بتأكيد الالتزام المتبادل بين كل مؤسسات الدولة المعنية بالشأن؛ بشقيها (الحكومي والخاص) على المضي نحو تحقيق آمن سيبراني قادر على التعامل مع الحوادث السيبرانية والتصدي لمخاطرها، بما يرسخ مفهوم الثقة الأمنية الرقمية لدى المواطنين في مؤسسات الدولة.
جاء ذلك ليعكس الدور الفاعل الذي تلعبه البحرين في حماية الفضاء السيبراني وفق أعلى المعايير العالمية محليًا، ليمتد آثره ويشمل المستوى الإقليمي والعالمي، من خلال مساهمتها في بناء قواعد الأمن الرقمي؛ بما يرسخ مكانتها الموثوقة كمركز ريادي متنامي للخدمات التقنية والتنمية الرقمية في المنطقة، وبما يواكب التطورات والمستجدات التي تطرأ على هذا القطاع الحيوي بشكل يعزز تكامل مرونة البنية التحتية الرقمية للمملكة.
ولا شك إن الجهود الذي يبذلها المركز الوطني للأمن السيبراني؛ لترسيخ ثقافة الأمن السيبراني بما يضمن جاهزية الفرق التقنية والفنية، وتكامل العمل المؤسسي المشترك، وفاعلية الاستراتيجيات الوطنية للاستجابة لمواجهة التحديات السيبرانية المتزايدة، ضمن خلق تجربة توعوية استباقية هي محل تقدير مجتمعي، وتستحق أن يسلط الضوء عليها وعلى مردوداتها الإيجابية المتوقعة لتهيئة بيئة رقمية تجريبية مرنة.
وفي موازاة ذلك لا يمكن أن نغفل أن هذا التمرين قد جاء ليبرهن على الإمكانيات الملفتة، والقدرات المتميزة، والاحترافية العالية التي تتمتع بها الكفاءات البحرينية الشابة في هذا المجال؛ بما يثير مشاعر الفخر والاعتزاز، ويؤكد قدراتها الواعدة في المساهمة في تحقيق الأهداف الأمنية التي تتطلع إليها المملكة لمستقبل رقمي آمن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك