الكواليس

وفاء جناحي
waffajanahi@gmail.com
رحل الغالي
رحل اكثر انسان كان يحب الحياة ويعشق مهنته... رحل الرجل المعروف بطيبته وخفة دمه وابتسامته التي لا ولم تفارق وجهه حتى وهو على فراش الموت، رحل وترك وجع فراقه في قلوبنا، رحل والدي الغالي يوسف حسن جناحي صاحب الباص الذي ركب معه تقريبا ثلاثة ارباع سكان الحورة والقضيبية والمنامة ومعظم مدن البحرين ايام جيل الطيبين، رحل وترك لنا ميراثا رائعا من السمعة الطيبة ومحبة الناس له.
رحل من كان يضحك دائما، غضبه وحزنه لا يستمران اكثر من ربع ساعة، اما حبه للباصات وسياقة السيارات فقد استمر معه حتى آخر يوم في عمره وهو يبحث عن واسطة لتجديد رخصة سياقته لانه يرغب في ان يسوق سيارة، فهو سائق متمرس مدة تزيد على الخمسين عاما فكيف لن يُسمح له بالسياقة الان وهو في التسعين؟ اقسم ان الرجل لم يكن يغضب ولا تختفي الابتسامة من وجهه الا عندما نقول له إننا حاولنا ولكن القانون يمنع تجديد رخصته وهو في هذا السن، فيصرخ ويقول: (ودوني المرور سأدخل على الضابط واطلب منه شخصيا) وسأقول لهم انظروا الى عضلاتي القوية فأنا مازلت في كامل قواي الصحية والعقلية، وعندما اخذناه وقال له المسؤول بكل أدب: ان هذا هو القانون... لم يقتنع واتهمنا بأننا طلبنا منه ان يرفض خوفا عليه من الحوادث.
في حياتي كلها لم اقابل انسانا يحب مهنته كوالدي، فقد كان يتكلم عن مغامراته ورحلاته واصحابه سائقي الباصات طوال عمره، كما انه كان انسانا مرحا يكره الحزن، تعلمت منه كيف أحب الحياة واستمتع في كل لحظة في حياتي وان أضحك دائما ولا ادع اي مشكلة امر بها تؤثر على نفسيتي، وكانت جملته الوحيدة (كل انسان له يومه وانا يومي للحين، بقي لي 15 سنة).
ذكرياتي معه كلها مرح وضحك لانه ترك حل مشاكل البيت للوالدة واخي الكبير اما هو فعليه ان يوفر لنا لقمة العيش، اتذكر انه كان يصحو على اذان الفجر، ثم يتوجه الى المسجد ثم نسمعه في المطبخ بعد ان يجلب لنا الخبز الساخن والنخي والباجلة وهو يعد لنفسه فطوره المعتاد (باجة الكراعين التي كان يعشقها ويطلبها لآخر يوم)، واحيانا كان يعد لنفسه البيض وشاي الحليب وينادي علينا جميعا لنستيقظ للمدرسة، ثم يخرج ليغسل وينظف ويدلع حبيبته (الباص)، فقد كان يعشق باصاته ويعاملها معاملة الحبيبة ولن انسى ابدا وجهه يوم قرر اخيرا ان يبيع آخر باص له ويقرر اعتزال مهنته، فهذا كان اليوم الوحيد الذي رأيت فيه الحزن الحقيقي علي وجهه وملامحه. ولكن الابتسامة عادت الى وجهه وحياته بعد ان اشترى لنفسه سيارة صغيرة، نعم كان من الناس الذين لا يتحملون الجلوس في المنزل مدة طويلة بل يخرج هو والوالدة لقضاء احتياجات المنزل.
وحبه لمهنته جعلني افتخر به أينما اذهب وكل من يسألني عن اي فرع من الجناحي اقول له انا ابنة يوسف جناحي (بستي) راعي الباص المعروف في القضيبية، كما انه كان ينقل طلبة مدارس الفندقة فيعرفه الكثير من أبناء البحرين ويحبونه كثيرا لانه مرح مع الجميع، ومازلت اتذكر وجه احدى زميلاتي والتي نصحتني الا أبوح بوظيفة او مهنة والدي كسائق باص لمن يسألني وخصوصا من المسؤولين لأنني اصبحت في مجال الصحافة ولكنني نظرت إليها وقلت لها انا افتخر بأن راعي الباص (اللي مو عاجبج) رباني وجعلني وفاء جناحي صاحبة عمود الكواليس وانه غرس حب مهنتي في دمي. واقولها دائما بكل فخر انا ابنة أشهر راعي باص في البحرين.
رحل والدي واخر مكالمة لي معه كنت فيه في الخارج وهو كان على فراش المستشفى طالبني وهو يضحك وجهاز التنفس على وجهه ان اجلب له رخصة سياقة من تركيا وسيارة صغيرة يروح فيها الى المسجد كل صباح.
رحلت يا ابي ولكنني اشعر بروحك المرحة واسمع ضحكاتك ونكتك كلما ادخل بيتك.. رحلت وتركت ذكريات جميلة في قلوبنا وقلوب كل المتابعين الذين احبوك خلال الفيديوهات التي تضحك فيها.
رحمك الله يا أبي ويغمد روحك الجنة يا رب. وسأظل ابتسم في كل مرة اتذكرك فيها.
إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك