يعيش العالم اليوم ثورة تكنولوجية غير مسبوقة في تاريخه، وهي فترة الثورة الصناعية الرابعة، التي اقتحم فيها الذكاء الاصطناعي مختلف المجالات الحياتية، الأمر الذي بدأ يُحدث تغييرًا جذريًا في كافة أنماط الحياة البشرية وعلى مختلف الأصعدة، بشكل أعاد فيه تشكيل الصناعات والمجتمعات؛ بحيث أضحت تأثيراته يومًا تلو آخر تزداد أهمية عن ما مضى!
ومن منطلق أهمية الدور الحيوي الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي عالميًا، وأثره البارز في تعزيز مكانة الدول على الخريطة الدولية في هذا المجال، وإمكانيته في تطوير كافة القطاعات الوطنية، ولدفع عجلة الابتكار الرقمي الوطني بشكل منهجي، يستوجب تقنين استخدامه بما يحد من أي مخاطر أو عواقب محتملة تعود بنتائج عكسية، ولا يمكن ذلك إلا من خلال حوكمة استخدامه من قبل الحكومات؛ ما قد يحقق تكامل في مواجهة تحدياته بشكل عام.
ولأن مملكة البحرين لا تألو جهدًا لتسريع وتيرة التحول الرقمي من خلال تسخير كافة السبل لدعم الجهات الحكومية، وتطوير كوادرها للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتيح توظيفه في العديد من برامجها ومشاريعها، ويتماشى مع رؤية المملكة الاقتصادية 2030 وأهداف التنمية المستدامة، إلى جانب سعيها لتعزيز مكانتها كمركز استراتيجي عالمي في التقنيات الناشئة بهذا القطاع، وضمن خطواتها الاستباقية لضمان ترسيخ قطاع فاعل ومسؤول، أعلنت هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية منذ أيام قليلة تدشين (السياسة الوطنية للذكاء الاصطناعي)، وذلك ضمن إطار اهتمام ومتابعة الحكومة الموقرة، وتوجيه الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، رئيس اللجنة الوزارية لتقنية المعلومات والاتصالات.
بحيث ركزت هذه السياسة على الالتزام بكل من: قانون حماية وثائق ومعلومات الدولة، وقانون حماية البيانات الشخصية، وسياسة البيانات المفتوحة، بالإضافة إلى الميثاق الاسترشادي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي الذي تم تبنيه في إطار التعاون الخليجي المشترك، وذلك بهدف وضع إطار شامل ينظم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وأخلاقي وفق الالتزام بالتشريعات والسياسات، ونشر الوعي والتثقيف، وتعزيز الثقة بين المملكة وشركائها الاستراتيجيين على الصعيدين المحلي والدولي؛ بما يدعم تفعيل الشراكات وتبادل الخبرات.
وتستهدف السياسة التنظيمية المطروحة، كافة المسؤولين والموظفين الذين يتعاملون مع تنفيذ وتطوير الخدمات الرقمية في القطاعين العام والخاص، وصناع القرار والمشرعين، بالإضافة إلى المجتمع التعليمي ككل بمن فيه الباحثون في المجال ذاته، ويشمل بذلك أيضًا الجهات المعنية بالتوعية والتدريب، إلى جانب المواطنين والمقيمين المستفيدين من الخدمات الحكومية الذكية.
إذ ترنو المملكة بذلك؛ ضمان سلامة الأنظمة، وتجنب المخاطر المحتملة، وحماية الخصوصية، وحفظ البيانات، إثناء الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن نهج شفاف وفعال؛ يراعي القيم الأساسية لهذا المجال ويلتزم بالمعايير الدولية، بما يعزز مجتمع متطور رقميًا يدعم الابتكار والاستدامة بشكل موثوق ويحفظ المصالح والحقوق في الوقت ذاته.
والجدير بالذكر أن المملكة كانت ومازالت تولي اهتمامًا خاصًا بتنظيم كل ما قد يهدد أمن الدولة والمجتمع؛ بما تتسق فيه المعايير الأخلاقية بالأهداف الوطنية وفق ضوابط واضحة واشتراطات مدروسة، لتحقيق أفضل الممارسات الواعية بما يضمن خلوها من أي ثغرات أمنية أو تجاوزات، ويحفظ الأمن السيبراني من أي تهديدات، ويحقق قيمة مضافة في المجال تنزع لاحترام القانون وتمتثل للالتزام بالنظام، إعلاءً للمصلحة العامة وتحقيقًا للأهداف المنشودة.
وعليه، لابد أن نشيد بهذه الخطوة المحمودة التي من شأنها رفع مستوى الأداء التنظيمي والأمني بما يواكب التحديات التي تصاحب التطور الرقمي، والتي تسعى أيضًا لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي بما يراعي أسس الشريعة الإسلامية، ويحفظ الهوية الوطنية، ويكفل حق حماية المواطن والمقيم، ويصون كرامة الإنسان، وبما يرفد نماء وازدهار القطاع التكنولوجي بشكل خاص، وكافة القطاعات الأخرى التي توظف استخدامه بشكل عام، على المستويين المحلي والدولي، محققة بذلك سبل الرفاهية للفرد والمجتمع.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك