العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٦٢ - الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ ربيع الآخر ١٤٤٧هـ

مقالات

الصمود لحقوق الإنسان الغزاوي

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬سمات‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬متصلاً‭ ‬بالكثير‭ ‬مما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬للعولمة‭ ‬وللشبكة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬ولوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تضعنا‭ ‬في‭ ‬مهب‭ ‬أحداث‭ ‬العالم‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الإيجابيات‭ ‬والسلبيات‭ ‬معاً‭ ‬للشخص‭ ‬العادي،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬إيجابياتها‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬خارج‭ ‬محيط‭ ‬الانسان‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬جيد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تلقيّها‭ ‬بموضوعية‭ ‬ووعي‭ ‬ومراعاة‭ ‬المنطق‭ ‬عند‭ ‬تلقيها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬فبركة‭ ‬الاحداث‭ ‬والاصوات‭ ‬بشكل‭ ‬مُربك،‭ ‬أما‭ ‬عن‭  ‬أهم‭ ‬سلبياتها‭ ‬فإنها‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬بعض‭ ‬العقول‭ ‬الخاوية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تؤمن‭ ‬بالتخصص‭ ‬فهي‭ ‬تعلم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تناقش‭ ‬وتفتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواضيع‭ ‬عن‭ ‬علم‭ ‬وعن‭ ‬غير‭ ‬علم،‭ ‬حتى‭ ‬اختلط‭ ‬حابل‭ ‬الفكر‭ ‬والعلم‭ ‬بنابله،‭ ‬وأصبح‭ ‬أكثرهم‭ ‬سياسيين‭ ‬وخبراء‭ ‬ومحللين‭ ‬رياضيين‭ ‬واقتصاديين،‭ ‬ولا‭ ‬يستبعد‭ ‬أن‭ ‬يتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬انشطار‭ ‬الذرّة‭ ‬والاندماج‭ ‬النووي،‭ ‬لذا‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬الانسان‭ ‬بالعلم‭ ‬بما‭ ‬يجري‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬فإنه‭ ‬سيعلم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬تدور‭  ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬التي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬مقحماً‭ ‬فيها‭ ‬اقحاماً‭.‬

ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الإنسانية‭ ‬حديثاُ‭ ‬مطلقاً‭ ‬لا‭ ‬يستوجب‭ ‬علماً‭ ‬ولا‭ ‬تخصصاً؛‭ ‬لأنه‭ ‬شعور‭ ‬طبيعي‭ ‬يحاكي‭ ‬طبيعة‭ ‬الانسان‭ ‬وحقوقه‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬بمجرد‭ ‬ولادته‭ ‬حيّاً،‭ ‬وهي‭ ‬حقوق‭ ‬طبيعية‭ ‬تمنحه‭ ‬إياها‭ ‬طبيعة‭ ‬خلقه‭ ‬كإنسان،‭ ‬وتلتزم‭ ‬الدول‭ ‬وفقاً‭ ‬لتعهداتها‭ ‬الدولية‭ ‬ضمن‭ ‬مواثيق‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬بكفالة‭ ‬وصون‭ ‬وتعزيز‭ ‬وحماية‭ ‬واحترام‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬للخاضعين‭ ‬لولايتها‭ ‬القضائية‭ ‬من‭ ‬مواطنين‭ ‬ومقيمين،‭ ‬منها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬والحرية‭ ‬وعدم‭ ‬الخضوع‭ ‬للرقّ،‭ ‬المساواة‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬بسبب‭ ‬اللون‭ ‬أو‭ ‬الجنس‭ ‬أو‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬الأصل‭ ‬القومي،‭ ‬والأمان‭ ‬على‭ ‬شخصه،‭ ‬والحرية‭ ‬الشخصية،‭ ‬وحرية‭ ‬التنقل،‭ ‬وسلامة‭ ‬جسده‭ ‬وعدم‭ ‬خضوعه‭ ‬للتعذيب‭ ‬أو‭ ‬للمعاملة‭ ‬القاسية،‭ ‬والسكن،‭ ‬والغذاء‭ ‬الكافي،‭ ‬والصحة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬نص‭ ‬عليها‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والعهدان‭ ‬الدوليان‭ ‬الخاصان‭ ‬بها‭.‬

لذا،‭ ‬هنا‭ ‬سأكتب‭ ‬عمّا‭ ‬اشعره‭ ‬كإنسانة،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬انسان‭ ‬سويّ‭ ‬أن‭ ‬يغضّ‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬الألم‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بقعة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬عما‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬افتئات‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬حقوقهم‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والغذاء‭ ‬والصحة،‭ ‬وأن‭ ‬يُبدي‭ ‬رفضه‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬جميع‭ ‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬الرافضة‭ ‬لهذه‭ ‬الممارسات‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬رسمياً‭ ‬وشعبياً‭ ‬وقضائياً،‭ ‬وأن‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬مأساة‭ ‬الغزاويين‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مأساة‭ ‬القرن‭.‬

ومن‭ ‬المحزن‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬تكتب‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬شعب‭ ‬وأنت‭ ‬آمن‭ ‬مُرفّه‭ ‬في‭ ‬سربك،‭ ‬لأن‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬تشعره‭ ‬وتقاسمه‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬لن‭ ‬يوازي‭ ‬ذرّة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬ويذوق‭ ‬مرارتها‭ ‬يوماً‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الأمان‭ ‬والخوف‭ ‬والقلق‭ ‬والتشريد‭ ‬والجوع‭ ‬والفقد،‭ ‬والأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ألا‭ ‬يُحرم‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬وصول‭ ‬أي‭ ‬مساعدة‭ ‬إليه‭ ‬بمنطق‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ (‬لا‭ ‬يرحم‭ ‬ولا‭ ‬يخلّي‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تنزل‭ ‬عليهم‭)‬،‭ ‬فكان‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عونهم‭.‬

وهنا‭ ‬يجدر‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ( ‬اسطول‭ ‬الصمود‭ ‬العالمي‭) ‬المكون‭ ‬من‭ ‬42‭ ‬سفينة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بقيادة‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬بحرية‭ ‬عالمية‭ ‬لكسر‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬وبمشاركة‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬مشاهير‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة،‭ ‬وكان‭ ‬لنُشطاء‭ ‬البحرين‭ ‬حضور‭ ‬فاعل‭ ‬فيها،‭ ‬وهي‭ ‬بادرة‭ ‬إنسانية‭ ‬شعبية‭ ‬جريئة‭ ‬تنبئ‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬حقيقي‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية،‭ ‬يقودها‭ ‬العزم‭ ‬والإصرار‭ ‬والتفاعل‭ ‬الجاد‭ ‬مع‭ ‬مأساة‭ ‬غزّة،‭ ‬وتستحق‭ ‬الإشادة‭  ‬والدعم‭ ‬تعزيزاً‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬ومهما‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬واجهه‭ ‬هذا‭ ‬الاسطول‭ ‬أو‭ ‬سيواجهه،‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يوصل‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬مازال‭ ‬نابضاً‭ ‬بالحياة،‭ ‬ولم‭ ‬يخطئ‭ ‬درويش‭ ‬فإنه‭ (‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأرض‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الحياة‭).‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬مسيرة‭ ‬اسطول‭ ‬الصمود‭ ‬العالمي‭ ‬البحرية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬لرفض‭ ‬ممارسات‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان،‭ ‬وقد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬وأضافت‭ ‬للرسائل‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬الشعوب‭ ‬وبعض‭ ‬الحكومات،‭ ‬وأن‭ ‬تعطيل‭ ‬هذه‭ ‬المسيرة‭ ‬يُعد‭ ‬إضافة‭ ‬لتلك‭ ‬الممارسات،‭ ‬فتحيّة‭ ‬للمشاركين‭ ‬جميعاً‭.‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإن‭ ‬معاناة‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬تُشكّل‭ ‬تحدياً‭ ‬عصرياً‭ ‬حقيقياً‭ ‬للأسس‭ ‬التي‭ ‬أنشأت‭ ‬عليها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬إيجاد‭ ‬عالم‭ ‬يسوده‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬وتُحترم‭ ‬فيه‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬حديثاً‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬العامين‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بأكملها‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭.‬

النصر‭ ‬لغزة‭ ‬والعزّة‭ ‬للعرب‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا