تعد موضوعة الذكاء الاصطناعي سردية من سرديات التقدم التكنولوجي والتطور المتسارع في العلوم السيبرانية، غير أن هذه السردية وبعد أن تداخلت بالتخييل وتواشجت مع مواضعاته فقدت بمرور الزمن وسرعة التقدم مركزيتها التي كانت قد صاحبت ظهورها، وأصبحت في وقتنا الراهن موضوعة من موضوعات المتخيل الأدبي. ولقد لاقى تشكلها الخارق وربما الخرافي اهتماما أدبيا وفلسفيا ملحوظا. وحول هذا الموضوع يدور كتاب الدكتورة نادية هناوي (الذكاء الاصطناعي التأهيل والتهويل) والصادر حديثا عن «مؤسسة أبجد للترجمة والتوزيع والنشر» في العراق.
وتدور فكرة الكتاب على توظيف الذكاء الاصطناعي في مجال إنتاج النصوص الإبداعية الشعرية والقصصية وغيرها. وقامت المؤلفة باختبارات عدة لروبوتات المحادثة على اختلافها كما أتت بأدلة كثيرة تثبت من أن الإصدارات المستحدثة التي تطرحها شركات الذكاء الاصطناعي، لم تحقق نجاحات مؤكدة في صنع محتوى أدبي أو نقدي أصيل. ليس ذلك حسب، بل لم تتمكن بعد من تجاوز إخفاقات النماذج التي سبقتها قياسا بما حققته في سائر المجالات العلمية والحياتية الأخرى.
ومن الأدلة في الكتاب أيضا أن المحتوى المنتج بالآلة الذكية غير موثوق المصدر ولا محدد المرجع ولا معروف الملكية ومن ثم يكون المستخدم الذي ينظر إلى الأدب المنتج بالآلة الذكية على أنه إبداع أصيل، هو المسؤول عما ينسبه إلى نفسه من معلومات ومحتويات. ومما تؤكده المؤلفة في هذا المجال أن التطورات في مجال صناعة الأدب بالذكاء الاصطناعي التوليدي ما تزال محدودة لأن ما تقوم به الآلات الذكية ليس الفهم، وإنما محاكاة الخصائص اللغوية والمنطقية للمواد النصية البشرية المنتجة والمودعة في الشبكة العنكبوتية.
ويتوزع الكتاب الجديد بين قسمين ومقدمة وخاتمة وملحق، يحمل القسم الأول عنوان (الذكاء الاصطناعي تجارب أدبية) والقسم الثاني (الذكاء الاصطناعي سرديات معرفية) وتندرج تحت هذين القسمين عشرة فصول ويضم كل فصل مباحث عدة. تناقش استعمال الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج المحتوى الأدبي من مناح عدة منها مزايا الذكاء الاصطناعي، مؤاخذاته، مستقبله، مصادره، دعاياته، متخيلاته، تهويلاته إلى جانب موضوعات أخرى تدور حول الابداع والخلق الفني والعقل والعاطفة ومزايا ونواقص النموذج اللغوي الكبير ChatGPT والأتمتة والسابيورغ والعوالم الممكنة والسرديات الرقمية ووسائطها المتعددة ومسرحة الآلة الذكية والتأليف والأصالة، والتحيز في المحتوى المنتج بالذكاء الاصطناعي.. إلى غير ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك