العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

الثقافي

«صلاة القلق» بين المجاهرة بنقد الناصرية والمراوغة في التجريب

{ بقلم: رسول درويش

السبت ٠٩ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

أعلنت‭ ‬الجائزة‭ ‬العالمية‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭ ‬فوز‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬صلاة‭ ‬القلق‮»‬‭ ‬للكاتب‭ ‬محمد‭ ‬سمير‭ ‬ندا‭ ‬بجائزة‭ ‬عام‭ ‬2025‭.‬‮ ‬واختارت‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬برئاسة‭ ‬المصرية‭ ‬منى‭ ‬بيكر‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬مائة‭ ‬وأربعة‭ ‬وعشرين‭ ‬رواية‭ ‬ترشحت‭ ‬لجائزة‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬باعتبارها‭ ‬أفضل‭ ‬روايات‭ ‬نُشرت‭ ‬بين‭ ‬يوليو‭ ‬2023‭ ‬ويونيو‭ ‬2024‭. ‬

يتداخل‭ ‬في‮ ‬صلاة‭ ‬القلق‭ ‬السرد‭ ‬الروائي‭ ‬مع‭ ‬الرمزية‭ ‬في‭ ‬نص‭ ‬مُقلق‭ ‬ذي‭ ‬أصواتٍ‭ ‬وطبقاتٍ‭ ‬مُتعددة،‭ ‬يُصوّر‭ ‬فترةً‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر،‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬تلا‭ ‬نكسة‭ ‬1967؛‭ ‬وتُعتبر‭ ‬الرواية‮ ‬مساءلة‭ ‬سردية‭ ‬لمرويات‭ ‬النكسة‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭ ‬من‭ ‬أوهام‭ ‬بالنصر‭.‬

ملخص‭ ‬الرواية‭:‬

يتخيّل‭ ‬الكاتب‭ ‬قريةً‭ ‬نائية‭ ‬في‭ ‬صعيد‭ ‬مصر‭ ‬تُدعى‭ ‬نجع‭ ‬المناسي،‭ ‬وتدور‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1967‭ ‬و1977‭. ‬يعيش‭ ‬سكان‭ ‬النجع‭ ‬في‭ ‬عزلةٍ‭ ‬موهومة،‭ ‬مقتنعين‭ ‬بأن‭ ‬قريتهم‭ ‬محاطة‭ ‬بحقل‭ ‬ألغام‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اجتيازه،‭ ‬يفصلهم‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭. ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬عن‭ ‬الخارج‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬حربًا‭ ‬مستمرة‭ ‬تدور‭ ‬منذ‭ ‬نكسة‭ ‬1967،‭ ‬وأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تسعى‭ ‬للتوغل‭ ‬عبر‭ ‬قريتهم،‭ ‬التي‭ ‬يُنظر‭ ‬إليها‭ ‬بوصفها‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الحدود‭.‬

النافذة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬هي‭ ‬خليل‭ ‬الخوجة؛‭ ‬ممثل‭ ‬السلطة،‭ ‬والتاجر‭ ‬الوحيد،‭ ‬وناشر‭ ‬الصحيفة‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬صوت‭ ‬الحرب‭. ‬يحتكر‭ ‬الخوجة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: ‬المعلومة،‭ ‬والسلعة،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬مصير‭ ‬شباب‭ ‬القرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إشرافه‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التجنيد‭.‬

تُروى‭ ‬الرواية‭ ‬عبر‭ ‬ثماني‭ ‬شخصيات‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬سرد‭ ‬الأحداث،‭ ‬لكن‭ ‬المفاجأة‭ ‬تتكشف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭: ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أيٌّ‭ ‬منهم‭ ‬هو‭ ‬الكاتب‭ ‬الحقيقي،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الراوي‭ ‬الفعلي‭ ‬هو‭ ‬حكيم،‭ ‬الفتى‭ ‬الأبكم‭ ‬المقطوع‭ ‬اللسان،‭ ‬الذي‭ ‬يبوح‭ ‬بالحكاية‭ ‬خلال‭ ‬جلسات‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭. ‬ولهذا،‭ ‬جاءت‭ ‬فصول‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬‮«‬جلسات‮»‬،‭ ‬تُشكّل‭ ‬اعترافات‭ ‬علاجية‭ ‬يدوّنها‭ ‬مريض‭ ‬نفسي،‭ ‬ثم‭ ‬تُجمع‭ ‬لاحقًا‭ ‬لتكوّن‭ ‬الرواية‭.‬

يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنّ‭ ‬التجريب‭ ‬حاضرٌ‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬حيث‭ ‬اختار‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬روايته‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬علاجي‭ ‬نفسي،‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬السرد‭ ‬اعترافًا،‭ ‬ومن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بناءً‭ ‬روائيًا‭ ‬متماسكًا‭.‬

انزلاقاتُ‭ ‬الرواية‭: ‬

1‭) ‬بطء‭ ‬الأحداث‭:‬

تضع‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬صبر‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬إذ‭ ‬يفتقر‭ ‬الثلثان‭ ‬الأولان‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬التشويق‭ ‬أو‭ ‬التصاعد‭ ‬الدرامي‭. ‬تتكرر‭ ‬الأحداث‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الشخصيات‭ ‬بشكل‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬متطابقًا،‭ ‬مما‭ ‬يُشعر‭ ‬القارئ‭ ‬بأنه‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬دون‭ ‬تقدم‭ ‬فعلي‭ ‬في‭ ‬السرد‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الفصول‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتأثر‭ ‬البناء‭ ‬الروائي‭ ‬أو‭ ‬يُخدش‭ ‬تماسك‭ ‬النص‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تموت‭ ‬الشخصية‭ ‬العجوز‭ ‬وداد‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬وتقوم‭ ‬شواهي‭ ‬بدفنها،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬وداد‭ ‬للحياة‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الدباغ‭. ‬هذا‭ ‬التكرار‭ ‬الزمني‭ ‬والروائي‭ ‬يُوحي‭ ‬بأن‭ ‬الكاتب‭ ‬يعيد‭ ‬القارئ‭ ‬مرارًا‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬البداية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬شعور‭ ‬بالرتابة‭ ‬والملل،‭ ‬ويُضعف‭ ‬من‭ ‬ديناميكية‭ ‬السرد‭.‬

2‭) ‬الحوارات‭ ‬واللغة‭ ‬السَّردية‭: ‬

لم‭ ‬تختلف‭ ‬اللغة‭ ‬الحوارية‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬السردية‭ ‬في‭ ‬الرواية؛‭ ‬فكلاهما‭ ‬كُتب‭ ‬بالفصحى‭ ‬وبنفس‭ ‬المستوى‭ ‬الأدبي،‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬لتفاوت‭ ‬الخلفيات‭ ‬التعليمية‭ ‬والثقافية‭ ‬للشخصيات‭. ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬المتحدث‭ ‬أميًّا‭ ‬أو‭ ‬نصف‭ ‬متعلّم،‭ ‬فإن‭ ‬التراكيب‭ ‬اللغوية‭ ‬لا‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬طبيعة‭ ‬الشخصية،‭ ‬مما‭ ‬يُضعف‭ ‬من‭ ‬مصداقية‭ ‬الحوار‭ ‬ويُفقده‭ ‬واقعيته‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬التدقيق‭ ‬اللغوي،‭ ‬فقد‭ ‬شعرتُ‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬عدة‭ ‬أن‭ ‬المدقّق‭ (‬مغاربي‭)‬،‭ ‬أضاف‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬الأصلي‭ ‬عبارات‭ ‬ومفردات‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬السياق‭ ‬الروائي،‭ ‬وكأنها‭ ‬دخيلة‭ ‬عليه‭. ‬باختصار،‭ ‬هناك‭ ‬جُمل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬مثل‭ ‬حكيم،‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تُخطّ‭ ‬بقلمه،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬اتساق‭ ‬اللغة‭ ‬مع‭ ‬الراوي‭ ‬المفترض‭.‬

مثال‭: ‬أصيخ‭ ‬السمع‭/ ‬سقطتُ‭ ‬في‭ ‬جُبٍّ‭ ‬بلا‭ ‬قرار‭/ ‬المجلسُ‭ ‬الأثير‭/ ‬جلستُ‭ ‬القرفصاء‭/ ‬داهمتني‭ ‬رغبة‭ ‬شيطانية‭/ ‬هلَّ‭ ‬الفجرُ‭/ ‬بدت‭ ‬السماء‭ ‬صحراء‭ ‬برتقالية،‭ ‬انعكست‭ ‬صورتها‭ ‬على‭ ‬البحر،‭ ‬فتخيلتُ‭ ‬البحر‭ ‬صحراء‭ ‬آثرتُ‭ ‬أن‭ ‬أقطعه‭/ ‬كان‭ ‬يعتمر‭ ‬طاقية‭ ‬أو‭ ‬وشاحًا‭/ ‬ترتعد‭ ‬فرائصه‭/ ‬لفظه‭ ‬الموت‭/ ‬ماجت‭ ‬الكلماتُ‭ ‬في‭ ‬صدري‭.‬

مثال‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬المغاربية‭: ‬210‭: ‬سيصرخ‭ ‬بغية‭ ‬نوال‭ ‬الرضا‭ ‬والصفح‭ (‬نيل،‭ ‬وما‭ ‬نيل‭ ‬المطالب‭ ‬بالتمني‭) ‬

167‭: ‬جمع‭ ‬فرعون‭ ‬فراعنة‭ ‬وليس‭ ‬فراعين‭.‬

3‭) ‬الزمن‭:‬

استخدم‭ ‬الكاتب‭ ‬صيغ‭ ‬الأفعال‭ ‬الماضية‭ ‬دليلًا‭ ‬على‭ ‬استخدامه‭ ‬الذاكرة‭ ‬وهو‭ ‬يكتب‭ ‬الحكاية‭ ‬عند‭ ‬الطبيب‭ ‬النفسي‭. ‬ولكننا‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الصفحة‭ ‬يستخدم‭ ‬الصيغ‭ ‬المضارعة،‭ ‬وهو‭ ‬تداخل‭ ‬غير‭ ‬محمود‭ ‬بين‭ ‬زمني‭ ‬السَّرد‭ (‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يكتب‭ ‬فيها‭ ‬المؤلف‭) ‬وزمن‭ ‬الحكاية‭ (‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تجري‭ ‬فيها‭ ‬الأحداث‭).‬

مثال‭: ‬ينتقل‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬سرده‭ ‬بين‭ ‬استخدامِ‭ ‬الصيغة‭ ‬المضارعة‭ ‬والماضية‭: (‬ص‭ ‬153‭ ‬و254‭)‬

4‭) ‬العتبات‭:‬

نعلم‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬العنوان،‭ ‬والغلاف،‭ ‬والعناوين‭ ‬الفرعية،‭ ‬والمقدمات،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬التمهيدية‭ ‬تُسمّى‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬بـالعتبات‭ ‬النصية،‭ ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬مدخل‭ ‬يُهيّئ‭ ‬القارئ‭ ‬للولوج‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬النص،‭ ‬تمامًا‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬عتبة‭ ‬السلالم‭. ‬فإذا‭ ‬جاءت‭ ‬العتبة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محلها،‭ ‬فإنها‭ ‬تفقد‭ ‬وظيفتها‭ ‬ولا‭ ‬تُحقق‭ ‬الجدوى‭ ‬المرجوّة‭.‬

وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الرواية،‭ ‬نلاحظ‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬حذف‭ ‬جميع‭ ‬الإشارات‭ ‬إلى‭ ‬أغاني‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬حافظ،‭ ‬فلن‭ ‬يتأثر‭ ‬النص،‭ ‬ولن‭ ‬يطرأ‭ ‬عليه‭ ‬أي‭ ‬خلل‭ ‬بنيوي‭ ‬أو‭ ‬دلالي‭. ‬وهذا‭ ‬يُفضي‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬نقدية‭ ‬مهمة‭: ‬حين‭ ‬لا‭ ‬يُضيف‭ ‬العنصر‭ ‬شيئًا‭ ‬إلى‭ ‬النص،‭ ‬يصبح‭ ‬وجوده‭ ‬كعدمه؛‭ ‬فالزائد‭ ‬هنا‭ ‬كالناقص‭.‬

التقييم‭ ‬العام‭ ‬ولجان‭ ‬التحكيم‭: ‬

نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬إجرائي‭ ‬دراسات‭ ‬مستفيضة‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الروايات‭ ‬الفائزة‭ ‬بهذه‭ ‬الجائزة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬فإنني‭ ‬لم‭ ‬أصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬معايير‭ ‬واضحة‭ ‬أو‭ ‬منهجية‭ ‬ثابتة‭ ‬تعتمدها‭ ‬لجان‭ ‬التحكيم‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬الأعمال‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رئيسة‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬لعام‭ ‬2025‭ ‬هي‭ ‬الباحثة‭ ‬المصرية‭ ‬منى‭ ‬بيكر‭.‬

وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬سؤال‭ ‬مشروع‭ ‬لدى‭ ‬القارئ‭: ‬لماذا‭ ‬اختيرت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تحديدًا؟

ورغم‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الجزم،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬التوجّه‭ ‬الفكري‭ ‬المناهض‭ ‬للناصرية‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أثّرت‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭. ‬ويمكن‭ ‬الاستدلال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬النقدي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬والتي‭ ‬تُظهر‭ ‬موقفًا‭ ‬ناقدًا‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬الناصري‭:‬

ص‭ ‬268‭: ‬على‭ ‬جدران‭ ‬بيت‭ ‬الخوجة،‭ ‬يظهر‭ ‬ملصق‭ ‬كبير‭ ‬للزعيم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر،‭ ‬ينظر‭ ‬بابتسامة‭ ‬شامتة،‭ ‬وتُطبع‭ ‬تحته‭ ‬عبارات‭ ‬تعبويّة‭: ‬كلنا‭ ‬سنجاهد،‭ ‬كلنا‭ ‬سنكافح،‭ ‬كلنا‭ ‬سنفدي‭ ‬أوطاننا‭ ‬بأرواحنا‭ ‬ودمائنا‭. ‬

يعلّق‭ ‬زكريا‭ ‬النسّاج‭: ‬تجاوزت‭ ‬استفزازاته،‭ ‬فطاردتني‭ ‬عباراته‭ ‬فوق‭ ‬جدارٍ‭ ‬آخر‭: ‬إذا‭ ‬فُرض‭ ‬علينا‭ ‬القتال‭ ‬فلن‭ ‬يُفرض‭ ‬علينا‭ ‬الاستسلام،‭ ‬سنقاتل‭ ‬وسنقاتل‭. ‬

ثم‭ ‬يصرخ‭: ‬فلتقاتل‭ ‬أنت،‭ ‬فلترسل‭ ‬أبناءك‭ ‬ليخوضوا‭ ‬حربك‭ ‬المقدسة،‭ ‬اترك‭ ‬لي‭ ‬صبيتي،‭ ‬لا‭ ‬تسقهم‭ ‬كأس‭ ‬الموت‭ ‬التي‭ ‬جرعها‭ ‬أبي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتذوقوا‭ ‬ثمرة‭ ‬الحياة‭.‬

ص‭ ‬279‭: ‬ألا‭ ‬يجدر‭ ‬بالزعماء‭ ‬قيادة‭ ‬قواتنا‭ ‬وجنودنا‭ ‬في‭ ‬المعارك؟

ص‭ ‬286‭: ‬الثورة‭ ‬تلتهم‭ ‬الثوار‭.‬

هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬تُظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬نقدًا‭ ‬ضمنيًا‭ ‬للفكر‭ ‬الناصري،‭ ‬وخاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتضحية،‭ ‬والتعبئة‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬ومآلات‭ ‬الثورة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يُفسَّر‭ ‬ضمن‭ ‬سياق‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬التوجّهات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الجوائز‭ ‬الأدبية‭.‬

ختامًا،‭ ‬نبارك‭ ‬للكاتب‭ ‬الجميل‭ ‬محمد‭ ‬سمير‭ ‬ندا‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬ونتمنى‭ ‬له‭ ‬مستقبلًا‭ ‬أدبيًا‭ ‬مشرقًا،‭ ‬وأنْ‭ ‬تجدَ‭ ‬أعماله‭ ‬القادة‭ ‬ذات‭ ‬الحظوة‭ ‬والانتشار‭. ‬

 

روائي‭ ‬وكاتب‭ ‬بحريني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا