أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية فوز رواية «صلاة القلق» للكاتب محمد سمير ندا بجائزة عام 2025. واختارت لجنة التحكيم برئاسة المصرية منى بيكر هذه الرواية من بين مائة وأربعة وعشرين رواية ترشحت لجائزة هذه الدورة، باعتبارها أفضل روايات نُشرت بين يوليو 2023 ويونيو 2024.
يتداخل في صلاة القلق السرد الروائي مع الرمزية في نص مُقلق ذي أصواتٍ وطبقاتٍ مُتعددة، يُصوّر فترةً محورية في تاريخ مصر، العقد الذي تلا نكسة 1967؛ وتُعتبر الرواية مساءلة سردية لمرويات النكسة وما تلاها من أوهام بالنصر.
ملخص الرواية:
يتخيّل الكاتب قريةً نائية في صعيد مصر تُدعى نجع المناسي، وتدور أحداث الرواية بين عامي 1967 و1977. يعيش سكان النجع في عزلةٍ موهومة، مقتنعين بأن قريتهم محاطة بحقل ألغام لا يمكن اجتيازه، يفصلهم تمامًا عن العالم الخارجي. لا يعرفون عن الخارج سوى أن حربًا مستمرة تدور منذ نكسة 1967، وأن إسرائيل تسعى للتوغل عبر قريتهم، التي يُنظر إليها بوصفها خط الدفاع الأول على الحدود.
النافذة الوحيدة التي تطل على العالم هي خليل الخوجة؛ ممثل السلطة، والتاجر الوحيد، وناشر الصحيفة المحلية التي تحمل اسم صوت الحرب. يحتكر الخوجة كل شيء: المعلومة، والسلعة، بل حتى مصير شباب القرية من خلال إشرافه على عمليات التجنيد.
تُروى الرواية عبر ثماني شخصيات تتناوب على سرد الأحداث، لكن المفاجأة تتكشف في النهاية: لم يكن أيٌّ منهم هو الكاتب الحقيقي، بل كان الراوي الفعلي هو حكيم، الفتى الأبكم المقطوع اللسان، الذي يبوح بالحكاية خلال جلسات العلاج النفسي في القاهرة. ولهذا، جاءت فصول الرواية في هيئة «جلسات»، تُشكّل اعترافات علاجية يدوّنها مريض نفسي، ثم تُجمع لاحقًا لتكوّن الرواية.
يمكن القول إنّ التجريب حاضرٌ بقوة في هذا العمل، حيث اختار الكاتب أن يضع روايته ضمن إطار علاجي نفسي، يجعل من السرد اعترافًا، ومن الاعتراف بناءً روائيًا متماسكًا.
انزلاقاتُ الرواية:
1) بطء الأحداث:
تضع هذه الرواية صبر القارئ على المحك، إذ يفتقر الثلثان الأولان إلى عناصر التشويق أو التصاعد الدرامي. تتكرر الأحداث على ألسنة الشخصيات بشكل يكاد يكون متطابقًا، مما يُشعر القارئ بأنه يدور في حلقة مفرغة دون تقدم فعلي في السرد. بل إن بعض الفصول يمكن تجاوزها دون أن يتأثر البناء الروائي أو يُخدش تماسك النص.
على سبيل المثال، تموت الشخصية العجوز وداد في الفصل السادس وتقوم شواهي بدفنها، ثم تعود وداد للحياة في الفصل السابع على لسان الدباغ. هذا التكرار الزمني والروائي يُوحي بأن الكاتب يعيد القارئ مرارًا إلى نقطة البداية، وهو ما يُفضي إلى شعور بالرتابة والملل، ويُضعف من ديناميكية السرد.
2) الحوارات واللغة السَّردية:
لم تختلف اللغة الحوارية عن اللغة السردية في الرواية؛ فكلاهما كُتب بالفصحى وبنفس المستوى الأدبي، دون مراعاة لتفاوت الخلفيات التعليمية والثقافية للشخصيات. سواء كان المتحدث أميًّا أو نصف متعلّم، فإن التراكيب اللغوية لا تنسجم مع طبيعة الشخصية، مما يُضعف من مصداقية الحوار ويُفقده واقعيته.
أما من جهة التدقيق اللغوي، فقد شعرتُ في مواضع عدة أن المدقّق (مغاربي)، أضاف إلى النص الأصلي عبارات ومفردات لا تنتمي إلى السياق الروائي، وكأنها دخيلة عليه. باختصار، هناك جُمل لا يمكن أن تصدر عن شخصية مثل حكيم، ولا أن تُخطّ بقلمه، مما يثير تساؤلات حول مدى اتساق اللغة مع الراوي المفترض.
مثال: أصيخ السمع/ سقطتُ في جُبٍّ بلا قرار/ المجلسُ الأثير/ جلستُ القرفصاء/ داهمتني رغبة شيطانية/ هلَّ الفجرُ/ بدت السماء صحراء برتقالية، انعكست صورتها على البحر، فتخيلتُ البحر صحراء آثرتُ أن أقطعه/ كان يعتمر طاقية أو وشاحًا/ ترتعد فرائصه/ لفظه الموت/ ماجت الكلماتُ في صدري.
مثال على اللغة العربية المغاربية: 210: سيصرخ بغية نوال الرضا والصفح (نيل، وما نيل المطالب بالتمني)
167: جمع فرعون فراعنة وليس فراعين.
3) الزمن:
استخدم الكاتب صيغ الأفعال الماضية دليلًا على استخدامه الذاكرة وهو يكتب الحكاية عند الطبيب النفسي. ولكننا نجده في ذات الصفحة يستخدم الصيغ المضارعة، وهو تداخل غير محمود بين زمني السَّرد (اللحظة التي يكتب فيها المؤلف) وزمن الحكاية (اللحظة التي تجري فيها الأحداث).
مثال: ينتقل الكاتب في سرده بين استخدامِ الصيغة المضارعة والماضية: (ص 153 و254)
4) العتبات:
نعلم جميعًا أن العنوان، والغلاف، والعناوين الفرعية، والمقدمات، وغيرها من العناصر التمهيدية تُسمّى في النقد الأدبي بـالعتبات النصية، وهي بمثابة مدخل يُهيّئ القارئ للولوج إلى عالم النص، تمامًا كما تفعل عتبة السلالم. فإذا جاءت العتبة في غير محلها، فإنها تفقد وظيفتها ولا تُحقق الجدوى المرجوّة.
وبالعودة إلى الرواية، نلاحظ أنه لو تم حذف جميع الإشارات إلى أغاني عبد الحليم حافظ، فلن يتأثر النص، ولن يطرأ عليه أي خلل بنيوي أو دلالي. وهذا يُفضي إلى نتيجة نقدية مهمة: حين لا يُضيف العنصر شيئًا إلى النص، يصبح وجوده كعدمه؛ فالزائد هنا كالناقص.
التقييم العام ولجان التحكيم:
نظرًا إلى إجرائي دراسات مستفيضة على جميع الروايات الفائزة بهذه الجائزة منذ عام 2008، فإنني لم أصل بعد إلى معايير واضحة أو منهجية ثابتة تعتمدها لجان التحكيم في اختيار الأعمال. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن رئيسة لجنة التحكيم لعام 2025 هي الباحثة المصرية منى بيكر.
وهنا يبرز سؤال مشروع لدى القارئ: لماذا اختيرت هذه الرواية تحديدًا؟
ورغم عدم القدرة على الجزم، يمكن القول بأن التوجّه الفكري المناهض للناصرية قد يكون أحد العوامل التي أثّرت في قرار لجنة التحكيم. ويمكن الاستدلال على هذا التوجّه النقدي من خلال عدد من الأمثلة الواردة في الرواية، والتي تُظهر موقفًا ناقدًا من الخطاب الناصري:
ص 268: على جدران بيت الخوجة، يظهر ملصق كبير للزعيم جمال عبدالناصر، ينظر بابتسامة شامتة، وتُطبع تحته عبارات تعبويّة: كلنا سنجاهد، كلنا سنكافح، كلنا سنفدي أوطاننا بأرواحنا ودمائنا.
يعلّق زكريا النسّاج: تجاوزت استفزازاته، فطاردتني عباراته فوق جدارٍ آخر: إذا فُرض علينا القتال فلن يُفرض علينا الاستسلام، سنقاتل وسنقاتل.
ثم يصرخ: فلتقاتل أنت، فلترسل أبناءك ليخوضوا حربك المقدسة، اترك لي صبيتي، لا تسقهم كأس الموت التي جرعها أبي قبل أن يتذوقوا ثمرة الحياة.
ص 279: ألا يجدر بالزعماء قيادة قواتنا وجنودنا في المعارك؟
ص 286: الثورة تلتهم الثوار.
هذه الأمثلة تُظهر بوضوح نقدًا ضمنيًا للفكر الناصري، وخاصة فيما يتعلق بالتضحية، والتعبئة الجماهيرية، ومآلات الثورة. وهو ما قد يُفسَّر ضمن سياق أوسع من التوجّهات الفكرية التي تؤثر في قرارات الجوائز الأدبية.
ختامًا، نبارك للكاتب الجميل محمد سمير ندا هذه الجائزة ونتمنى له مستقبلًا أدبيًا مشرقًا، وأنْ تجدَ أعماله القادة ذات الحظوة والانتشار.
روائي وكاتب بحريني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك