لا يزال الجدل مستمرًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية الأمريكية بشأن مستقبل أسعار الفائدة، وخاصة مع تزايد ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) لتخفيضها، في الوقت الذي يواصل فيه الأخير التشبث بموقفه الحذر، رافضًا الرضوخ لتلك الضغوط حتى الآن.
منذ حملته الانتخابية لعام 2016 حتى ولايته الثانية، كان الرئيس ترامب من أبرز الرؤساء الأمريكيين الذين تدخلوا علنًا في سياسات البنك المركزي، مخالفًا بذلك تقليدًا تاريخيًا يكرّس استقلالية الاحتياطي الفيدرالي عن السلطة التنفيذية؛ فقد طالب مرارًا بتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن أسعار الفائدة المرتفعة تعرقل التوسع في الاستثمار وتثقل كاهل المستهلك الأمريكي.
في المقابل، التزم الاحتياطي الفيدرالي بقيادة جيروم باول بسياسة نقدية مستقلة تضع استقرار الأسعار وكبح التضخم على رأس أولوياته. وقد أثبت مرارًا رفضه للضغوط السياسية، مؤكدًا أن قرارات الفائدة تُبنى على المعطيات الاقتصادية وليس على الإملاءات السياسية. هذا الموقف عزّز من مصداقية المؤسسة النقدية الأهم في العالم، وأعاد تأكيد أهمية استقلالية البنوك المركزية، وخاصة في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة.
وتأتي هذه الضغوط في وقت بدأت فيه مؤشرات التباطؤ الاقتصادي بالظهور؛ فبيانات التوظيف الأخيرة تُظهر أن عدد الوظائف زاد بمقدار 73000 وظيفة في يوليو، بعد أن تم خفض بيانات الشهرين السابقين بما يقارب 260000 وظيفة. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بلغ متوسط نمو التوظيف 35000 وظيفة فقط، وهو الأضعف منذ الجائحة. وقد سببت هذه المراجعة إحراج للرئيس الأمريكي حيث أمر بإقالة إريكا ماكنتارفر، المفوضة في «مكتب إحصاءات العمل».
كما أن النمو الاقتصادي تباطأ في النصف الأول إلى 1.2% مقارنة بـ2.5% خلال نفس الفترة من العام الماضي، حيث يشير بعض الاقتصاديين إلى أن النمو الاقتصادي بدأ يفقد زخمه، ولا سيما مع ضعف الإنفاق الاستهلاكي وتراجع الثقة في قطاعي العقارات والتصنيع.
هذه التطورات، إلى جانب تزايد المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، قد تضع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمام خيار خفض الفائدة في شهر سبتمبر القادم، وخصوصًا إذا استمر التضخم في التراجع من دون مفاجآت تصاعدية.
وفي هذا السياق، قد يجد الفيدرالي نفسه مضطرًا إلى التجاوب مع الديناميكيات الاقتصادية لا السياسية، ويتجه إلى خفض تدريجي للفائدة، ليس استجابة لضغوط الرئيس ترامب، بل حفاظًا على التوازن بين دعم النمو وتجنب عودة التضخم.
في النهاية، تبقى استقلالية الاحتياطي الفيدرالي حجر الزاوية في إدارة الاقتصاد الأمريكي. فالثقة في السياسة النقدية لا تُبنى على مجاراة التوجهات السياسية، بل على الالتزام بالمبادئ المهنية والبيانات الدقيقة. وإذا جاء خفض الفائدة في المستقبل القريب، فسيكون مبررًا بأدوات التحليل الاقتصادي لا بشعارات ومطالب سياسية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك