العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٣ - الخميس ٠٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

وجوه متعددة والقرار تائه.. «أزمة الأدوار في الإدارة»

بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٠٥ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬كل‭ ‬مؤسسة‭ ‬يتشكل‭ ‬الأداء‭ ‬من‭ ‬وضوح‭ ‬الأدوار‭ ‬واحترام‭ ‬المواقع‭ ‬ووعي‭ ‬الأفراد،‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬كل‭ ‬مسمى‭ ‬وظيفي‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬لقب‭. ‬ومع‭ ‬تعدد‭ ‬المواقع‭ ‬والمسميات‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الفرق‭ ‬واضحاً‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يقدم‭ ‬المشورة‭ ‬ومن‭ ‬يتخذ‭ ‬القرار‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يحلل‭ ‬ومن‭ ‬ينفذ‭ ‬بين‭ ‬الرأي‭ ‬التنفيذي‭ ‬والرأي‭ ‬الاستشاري،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيئات‭ ‬المهنية‭ ‬يشهد‭ ‬تداخلا‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأدوار‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مقصوداً‭ ‬أو‭ ‬ناتجاً‭ ‬عن‭ ‬اجتهاد‭ ‬غير‭ ‬منظم،‭ ‬ما‭ ‬يخلف‭ ‬ارتباكاً‭ ‬إدارياً‭ ‬يربك‭ ‬مسارات‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬ويشوش‭ ‬على‭ ‬آليات‭ ‬المتابعة‭ ‬والمساءلة‭.‬

في‭ ‬الأصل‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يضطلع‭ ‬المستشار‭ ‬بدور‭ ‬فكري‭ ‬تحليلي‭ ‬داعم‭ ‬للقرار‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬التنفيذي‭ ‬أو‭ ‬يدير‭ ‬فرق‭ ‬العمل‭.. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬يتحمل‭ ‬المدير‭ ‬التنفيذي‭ ‬مسؤولية‭ ‬التطبيق‭ ‬وضبط‭ ‬الإيقاع‭ ‬وتحقيق‭ ‬النتائج،‭ ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الدورين‭ ‬الانفصال‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬التكامل‭ ‬المنظم؛‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬طرف‭ ‬حدوده‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الانسجام‭ ‬وتمنع‭ ‬التعدي‭ ‬أو‭ ‬التداخل‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الجهات‭ ‬تمتلك‭ ‬لوائح‭ ‬تنظيمية‭ ‬واضحة‭ ‬فإن‭ ‬الممارسة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬صور‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬المشورة‭ ‬والتنفيذ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات؛‭ ‬فنجد‭ ‬مستشاراً‭ ‬يتصدر‭ ‬الاجتماعات‭ ‬يصدر‭ ‬توجيهات‭ ‬ويتعامل‭ ‬مع‭ ‬الموظفين‭ ‬كمرجع‭ ‬مباشر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬المبدأ‭ ‬الأساسي‭ ‬لوظيفة‭ ‬الاستشارة‭ ‬ويضعف‭ ‬من‭ ‬هيبة‭ ‬المسؤول‭ ‬التنفيذي‭ ‬ويخلق‭ ‬مساراً‭ ‬رمادياً‭ ‬للمساءلة‭.‬

وفي‭ ‬لقاء‭ ‬مهني‭ ‬جمعني‭ ‬بأحد‭ ‬القيادات‭ ‬الإدارية‭ ‬التي‭ ‬أعتز‭ ‬برؤيتها‭ ‬أكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬توجه‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬اليوم‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الجهود‭ ‬وتوحيد‭ ‬المسارات،‭ ‬لكنه‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التكامل‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬تداخل‭ ‬قال‭ ‬إننا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مستشار‭ ‬يفكر‭ ‬لا‭ ‬يدير،‭ ‬وإلى‭ ‬مدير‭ ‬يقرر‭ ‬ولا‭ ‬ينتظر‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬العشوائية‭ ‬والاجتهادات‭ ‬الفردية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مقبولة‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬تسعى‭ ‬للتميز‭ ‬المؤسسي،‭ ‬بل‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬وضوح‭ ‬حدود‭ ‬كل‭ ‬دور‭ ‬وتماسك‭ ‬خطوط‭ ‬المسؤولية‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مستشارين‭ ‬بلا‭ ‬دور‭ ‬حقيقي،‭ ‬لا‭ ‬يستشارون‭ ‬ولا‭ ‬ينتج‭ ‬حضورهم‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة،‭ ‬بل‭ ‬يتحولون‭ ‬إلى‭ ‬عبء‭ ‬إداري‭ ‬بلا‭ ‬أثر‭ ‬مهني،‭ ‬بما‭ ‬يفقد‭ ‬المنصب‭ ‬الاستشاري‭ ‬معناه‭ ‬ويحوله‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬رمزي‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬فعّال‭.‬

جوهر‭ ‬المشكلة‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التطبيق‭ ‬الواعي‭ ‬لمفاهيم‭ ‬السلوك‭ ‬المؤسسي؛‭ ‬فبحسب‭ ‬علم‭ ‬التنظيم‭ ‬السلوكي‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬توزع‭ ‬المسميات‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينسجم‭ ‬سلوك‭ ‬الموظف‭ ‬مع‭ ‬دوره،‭ ‬وتتماهى‭ ‬معاييره‭ ‬الشخصية‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬المؤسسة؛‭ ‬فالموظف‭ ‬الذي‭ ‬يتصرف‭ ‬وفقاً‭ ‬لقيم‭ ‬المؤسسة‭ ‬ويتحلى‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬ويضبط‭ ‬انفعالاته‭ ‬ويدرك‭ ‬حدوده‭ ‬ويتعامل‭ ‬بإيجابية‭ ‬ويواجه‭ ‬الضغوط‭ ‬بمهنية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يعكس‭ ‬التزاماً‭ ‬مؤسسياً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬لقبه‭.‬

من‭ ‬يخلط‭ ‬بين‭ ‬الرأي‭ ‬والتنفيذ‭ ‬أو‭ ‬يتقمص‭ ‬دوراً‭ ‬لا‭ ‬يخصه‭ ‬أو‭ ‬يكتفي‭ ‬بلقب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مضمون‭ ‬جميعهم‭ ‬يشتركون‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬بيئة‭ ‬مضطربة‭ ‬تُربك‭ ‬القرار‭ ‬وتضعف‭ ‬الهيكل‭ ‬التنظيمي‭ ‬وتُفاقم‭ ‬من‭ ‬معضلة‭ ‬غياب‭ ‬المرجعية‭ ‬الوظيفية‭ ‬الواضحة‭.‬

إن‭ ‬طرح‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬ليس‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬وإنما‭ ‬محاولة‭ ‬صادقة‭ ‬لتوصيف‭ ‬أحد‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬مؤسساتنا،‭ ‬وهي‭ ‬قابلة‭ ‬للمعالجة‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬التزمت‭ ‬الإدارات‭ ‬بمبدأ‭ ‬لكل‭ ‬دور‭ ‬حدوده‭ ‬ولكل‭ ‬مسمى‭ ‬مسؤوليته؛‭ ‬فالالتزام‭ ‬بالحوكمة‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬اللوائح‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نمط‭ ‬تفكير‭ ‬وسلوك‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الذات‭ ‬الوظيفية‭ ‬وينتهي‭ ‬باحترام‭ ‬المسار‭ ‬الإداري‭ ‬المؤسسي‭.‬

أكتب‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬من‭ ‬قناعة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬طرحاً‭ ‬إدارياً؛‭ ‬لأننا‭ ‬مهما‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬الهياكل‭ ‬والمسميات‭ ‬تبقى‭ ‬المسألة‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬احتراما‭ ‬للدور‭ ‬وللمسؤولية‭ ‬وللناس‭.. ‬فكل‭ ‬موظف‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬حدوده‭ ‬بوضوح‭ ‬لا‭ ‬ليقيد‭ ‬بل‭ ‬ليُنجز،‭ ‬وكل‭ ‬مؤسسة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬الظلال‭. ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التعقيد،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬وعي‭ ‬يجعل‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬أميناً‭ ‬على‭ ‬موقعه‭ ‬ومُنصفاً‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬ومؤمناً‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬لا‭ ‬يُعطلنا‭ ‬بل‭ ‬يحمينا‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭.‬

 

‭ ‬مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا