العدد : ١٧٣٠٩ - الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٠٩ - الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٩ صفر ١٤٤٧هـ

الثقافي

قصة قصيرة: ليست بمفردها

بقلم: الدكتورة عالية شعيب

السبت ٠٢ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

المرأة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬بمفردها‭. ‬ليست‭ ‬وحيدة

إنها‭ ‬برفقة‭ ‬نفسها‭. ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يخيل‭ ‬إليها

ها‭ ‬هي‭ ‬تدس‭ ‬رأسها‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دارت‭ ‬بنظرها‭ ‬دورة‭ ‬معتادة‭ ‬حولها‭. ‬تأملت‭ ‬الناس‭ ‬والحركة‭ ‬وصياح‭ ‬الأطفال‭ ‬ولعبهم‭ ‬والأيدي‭ ‬الممسكة‭ ‬بأكياس‭ ‬مثقلة‭ ‬بحاجيات‭ ‬البيت‭ ‬التي‭ ‬غالبا‭ ‬ستنتهي‭ ‬في‭ ‬القمامة‭. ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬لعالمها‭ ‬الهادئ‭ ‬الوردي‭.‬

تخيل‭ ‬إلي‭ ‬أنها‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬سحابة‭ ‬من‭ ‬ضوء‭. ‬ليست‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭. ‬هي‭ ‬بين‭.. ‬بين‭. ‬معنا‭ ‬وبمفردها‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭. ‬خارج‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭. ‬خلقت‭ ‬لها‭ ‬هالة‭ ‬تسبح‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬رمزيات‭ ‬من‭ ‬صنعها‭.‬

فرغم‭ ‬انطلاق‭ ‬موسيقى‭ ‬من‭ ‬مذياع‭ ‬الكافيه‭. ‬هي‭ ‬كانت‭ ‬تنصت‭ ‬لأغنية‭ ‬تبث‭ ‬من‭ ‬داخلها‭. ‬ورغم‭ ‬ألوان‭ ‬الديكور‭ ‬من‭ ‬حولها‭.. ‬تراءى‭ ‬لي‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬غابة‭. ‬محاطة‭ ‬بأشجار‭ ‬وحقول‭ ‬من‭ ‬زهور‭ ‬وثمر‭..‬

‮٢‬‭.‬

المرأة‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬ليست‭ ‬بمفردها،‭ ‬أنها‭ ‬بصحبة‭ ‬ذاتها

أو‭ ‬هكذا‭ ‬تقنعنا‭ ‬وتقنع‭ ‬نفسها‭.‬

لا‭ ‬تجدها‭ ‬دون‭ ‬اكسسوارات‭ ‬الوحدة‭: ‬كتاب‭. ‬كاميرا‭. ‬دفتر‭ ‬وقلم‭. ‬كوب‭ ‬قهوة‭ ‬ضخم‭. ‬زجاجة‭ ‬ماء‭. ‬مجلة‭..‬

تريد‭ ‬تعبئة‭ ‬وقتها‭ ‬ومواساة‭ ‬جسدها‭ ‬و‮«‬الطبطبة‮»‬‭ ‬على‭ ‬روحها‭ ‬المثقلة‭ ‬بالفراغ‭.‬

هل‭ ‬خيل‭ ‬إليك‭ ‬يوما‭ ‬أن‭ ‬للفراغ‭ ‬وزن‭ ‬وحجم‭ ‬وصوت‭ ‬وعينين‭ ‬وفم‭ ‬وذراعين‭ ‬وساقين‭ ‬وقامة‭ ‬طويلة‭ ‬مفزعة‭..‬

ها‭ ‬هي‭ ‬انتهت‭ ‬من‭ ‬ترتيب‭ ‬الأصداف‭ ‬وبقيت‭ ‬تضبط‭ ‬زاوية‭ ‬عدستها‭ ‬وتتحرك‭ ‬يمنة‭ ‬ويسرة‭ ‬صعودا‭ ‬وهبوطا‭ ‬حتى‭ ‬أعجبتها‭ ‬اللقطة‭. ‬وسمع‭ ‬صوت‭ ‬زر‭ ‬الكاميرا‭ ‬المدوي‭ ‬وسط‭ ‬صمت‭ ‬هائل‭ ‬على‭ ‬الشاطئ‭ ‬ذلك‭ ‬الصباح‭ ‬الرقيق‭ ‬الراعش‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬سرب‭ ‬نوارس‭ ‬كانت‭ ‬مثلي‭ ‬تتأملها‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭. ‬ها‭ ‬هي‭ ‬تنفض‭ ‬عنها‭ ‬الرمل‭.. ‬وتتجه‭ ‬لسيارتها‭ ‬وهي‭ ‬تراجع‭ ‬لقطاتها‭ ‬عبر‭ ‬شاشة‭ ‬فيديو‭ ‬الكاميرا‭.‬

‮٣‬‭.‬

المرأة‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬بمفردها‭. ‬ليست‭ ‬وحدها‭. ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬نظن‭.. ‬هي‭ ‬برفقة‭ ‬ذاتها‭.‬

دائما‭ ‬تأتي‭ ‬مبكرا‭ ‬حتى‭ ‬تشاهد‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬لقطته‭ ‬الأولى‭ ‬وافتتاحية‭ ‬مقدمته‭. ‬فالبداية‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

ها‭ ‬هي‭ ‬تتصفح‭ ‬هاتفها‭. ‬تتناول‭ ‬بعض‭ ‬الماء‭. ‬تلتفت‭ ‬حولها‭. ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬جماعات‭ ‬ماعدا‭ ‬رحل‭ ‬أجنبي‭ ‬بمفرده‭. ‬الأجانب‭ ‬يقدسون‭ ‬العزلة‭. ‬مر‭ ‬بخاطرها‭ ‬شيء‭.. ‬فابتسمت‭. ‬غادرت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬‮«‬الهناك‮»‬‭ ‬بحيز‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬ذاكرتها‭.‬

تابعت‭ ‬مقطعا‭ ‬على‭ ‬الموبايل‭. ‬فتعكر‭ ‬صفو‭ ‬جبينها‭ ‬لثوان‭. ‬ثم‭ ‬زمت‭ ‬شفتيها‭ ‬متقبلة‭ ‬وتابعت‭. ‬أخرجها‭ ‬من‭ ‬تركيزها‭ ‬شجار‭ ‬بعض‭ ‬الصغار‭ ‬بالخلف‭. ‬تلتفت‭. ‬التقت‭ ‬نظراتها‭ ‬بالبعض‭. ‬هل‭ ‬كانوا‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها‭ ‬بشفقة،‭ ‬تعجب‭ ‬أو‭ ‬إنكار‭..‬

أليس‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الضجر‭ ‬والفوضى‭ ‬والتصنع‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬ذاتها‭. ‬أليس‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬الانفراد‭ ‬بلحظة‭ ‬تكون‭ ‬مستقلة‭ ‬تماما‭ ‬وملك‭ ‬نفسها‭ ‬ولا‭ ‬دخل‭ ‬لأحد‭ ‬بذلك‭. ‬أليس‭ ‬من‭ ‬حقها‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬والهدوء‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬أو‭ ‬يتوقع‭ ‬أحد‭ ‬شيء‭ ‬منها‭..‬

فقط‭ ‬هي‭ ‬وذاتها‭.‬

{‭ ‬أديبة‭ ‬وقاصة‭ ‬وروائية‭ ‬كويتية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا