في مجتمعاتنا، يُربط امتلاك البيت بالنجاح، وكأن من لا يملك بيتًا خاصًا لا يُعتبر ناجحًا، أو كأن الحياة لا تكتمل إلا بمفتاح باب تملكه. لهذا، عندما يصل الإنسان إلى الأربعين أو الخمسين من دون أن يمتلك عقارًا قد يشعر بالقلق، أو حتى بالخجل. لكن الحقيقة التي لا تُقال كثيرًا: لست وحدك.
ملايين الأشخاص حول العالم، حتى في الدول الغنية، يعيشون في سن متقدمة من دون امتلاك منزل. بعضهم اختار تأجيل الشراء لأسباب شخصية، وبعضهم واجه ظروفًا اقتصادية قاهرة، وبعضهم كان يحاول بناء حياته في مجالات أخرى، وربما نجح فيها. الواقع يقول إن امتلاك العقار ليس الشرط الوحيد ولا الأخير للنجاح.
ثم إن العقار نفسه ليس ضمانة دائمة كما نظن. كم من شخص اشترى منزلًا في عمر مبكر ثم اضطر إلى بيعه بسبب دين أو طلاق أو أزمة؟ وكم من شخص لم يمتلك بيتًا لكنه استثمر في نفسه أو في أولاده أو في مشروع بسيط أصبح فيما بعد مصدر رزق دائما له؟ البيت هو أداة للراحة، نعم، لكنه لا يساوي قيمة إنسانيتك ولا يختصر رحلتك.
وإن تأملت قصص النجاح الحقيقية فستجد أن كثيرًا من الناس بدأوا من الصفر في الأربعين أو الخمسين، وحققوا ما لم يحققه غيرهم في العشرين. لا يوجد عمر محدد للانطلاق، فكل مرحلة في الحياة تحمل فرصها، ومفتاحها هو الإصرار لا التوقيت.
ولو لم تملك حتى اليوم بيتًا من طابوق وحديد، فربما تملك ما هو أثمن؛ سمعتك، علاقاتك، صحتك، وكرامتك.. هذه أصول حقيقية لا تُقدر بثمن. هناك من يملك بيتًا ولا يملك راحة، وهناك من يسكن بالإيجار لكنه ينام قرير العين، مرفوع الرأس.
السؤال ليس: لماذا لم أملك عقارًا حتى الآن؟ بل: ماذا يمكنني أن أفعل الآن؟ البداية لا تحتاج إلى أن تكون كبيرة. ربما قطعة أرض صغيرة، مشروع بسيط، أو خطة ادخار ثابتة. وربما الأهم أن تستثمر في شيء يعود عليك بدخل، ولو قليل؛ لأن البيت في النهاية لا يأتي بالزمن، بل بالنية والتخطيط.
لا تقارن نفسك بالآخرين؛ المقارنة أكبر لصّ للرضا، وسباق الحياة ليس فيه خط بداية واحد. بعض الناس يبدأون في سن مبكرة ويخسرون كل شيء لاحقًا، وبعضهم يبدأون متأخرين لكنهم يصلون بثبات وفهم عميق.
أنت لست متأخرًا، بل فقط تسير في طريقك المختلف. لا تجعل البيت عنوان فشلك، بل اجعله محطة مستقبلية في رحلة مستمرة من النمو. ما دمت حيًّا، فكل شيء قابل للتحقق. الزمن لا ينتهي عند سن، وإنما يتوقف فقط حين تتوقف أنت عن المحاولة.
ربما لم تملك بيتًا حتى الآن، لكنك تملك شيئًا أقوى: الإرادة، الخبرة، والقدرة والتحمل والنية على أن تبدأ اليوم وتصل غدًا. والبداية المتأخرة لشراء العقار.. خير من اللابداية.
الرئيس التنفيذي لمجموعة الفاتح
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك