العدد : ١٧٢٩٥ - الأربعاء ٣٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٥ - الأربعاء ٣٠ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٥ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

النهضة العقارية
خمسيني ولا أملك عقارا؟ أربعيني ومازلت أستأجر؟ لست وحدك.. ولم تتأخر

بقلم: جاسم الموسوي

الأربعاء ٣٠ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬يُربط‭ ‬امتلاك‭ ‬البيت‭ ‬بالنجاح،‭ ‬وكأن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬بيتًا‭ ‬خاصًا‭ ‬لا‭ ‬يُعتبر‭ ‬ناجحًا،‭ ‬أو‭ ‬كأن‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تكتمل‭ ‬إلا‭ ‬بمفتاح‭ ‬باب‭ ‬تملكه‭. ‬لهذا،‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬الأربعين‭ ‬أو‭ ‬الخمسين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمتلك‭ ‬عقارًا‭ ‬قد‭ ‬يشعر‭ ‬بالقلق،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالخجل‭. ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُقال‭ ‬كثيرًا‭: ‬لست‭ ‬وحدك‭.‬

ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغنية،‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬امتلاك‭ ‬منزل‭. ‬بعضهم‭ ‬اختار‭ ‬تأجيل‭ ‬الشراء‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية،‭ ‬وبعضهم‭ ‬واجه‭ ‬ظروفًا‭ ‬اقتصادية‭ ‬قاهرة،‭ ‬وبعضهم‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬بناء‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى،‭ ‬وربما‭ ‬نجح‭ ‬فيها‭. ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬امتلاك‭ ‬العقار‭ ‬ليس‭ ‬الشرط‭ ‬الوحيد‭ ‬ولا‭ ‬الأخير‭ ‬للنجاح‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬العقار‭ ‬نفسه‭ ‬ليس‭ ‬ضمانة‭ ‬دائمة‭ ‬كما‭ ‬نظن‭. ‬كم‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬اشترى‭ ‬منزلًا‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬مبكر‭ ‬ثم‭ ‬اضطر‭ ‬إلى‭ ‬بيعه‭ ‬بسبب‭ ‬دين‭ ‬أو‭ ‬طلاق‭ ‬أو‭ ‬أزمة؟‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬لم‭ ‬يمتلك‭ ‬بيتًا‭ ‬لكنه‭ ‬استثمر‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أولاده‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬بسيط‭ ‬أصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬دائما‭ ‬له؟‭ ‬البيت‭ ‬هو‭ ‬أداة‭ ‬للراحة،‭ ‬نعم،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬قيمة‭ ‬إنسانيتك‭ ‬ولا‭ ‬يختصر‭ ‬رحلتك‭.‬

وإن‭ ‬تأملت‭ ‬قصص‭ ‬النجاح‭ ‬الحقيقية‭ ‬فستجد‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بدأوا‭ ‬من‭ ‬الصفر‭ ‬في‭ ‬الأربعين‭ ‬أو‭ ‬الخمسين،‭ ‬وحققوا‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحققه‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬العشرين‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬عمر‭ ‬محدد‭ ‬للانطلاق،‭ ‬فكل‭ ‬مرحلة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬تحمل‭ ‬فرصها،‭ ‬ومفتاحها‭ ‬هو‭ ‬الإصرار‭ ‬لا‭ ‬التوقيت‭.‬

ولو‭ ‬لم‭ ‬تملك‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬بيتًا‭ ‬من‭ ‬طابوق‭ ‬وحديد،‭ ‬فربما‭ ‬تملك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أثمن؛‭ ‬سمعتك،‭ ‬علاقاتك،‭ ‬صحتك،‭ ‬وكرامتك‭.. ‬هذه‭ ‬أصول‭ ‬حقيقية‭ ‬لا‭ ‬تُقدر‭ ‬بثمن‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬بيتًا‭ ‬ولا‭ ‬يملك‭ ‬راحة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يسكن‭ ‬بالإيجار‭ ‬لكنه‭ ‬ينام‭ ‬قرير‭ ‬العين،‭ ‬مرفوع‭ ‬الرأس‭.‬

السؤال‭ ‬ليس‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬أملك‭ ‬عقارًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن؟‭ ‬بل‭: ‬ماذا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أفعل‭ ‬الآن؟‭ ‬البداية‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كبيرة‭. ‬ربما‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬صغيرة،‭ ‬مشروع‭ ‬بسيط،‭ ‬أو‭ ‬خطة‭ ‬ادخار‭ ‬ثابتة‭. ‬وربما‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬تستثمر‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬يعود‭ ‬عليك‭ ‬بدخل،‭ ‬ولو‭ ‬قليل؛‭ ‬لأن‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬بالزمن،‭ ‬بل‭ ‬بالنية‭ ‬والتخطيط‭.‬

لا‭ ‬تقارن‭ ‬نفسك‭ ‬بالآخرين؛‭ ‬المقارنة‭ ‬أكبر‭ ‬لصّ‭ ‬للرضا،‭ ‬وسباق‭ ‬الحياة‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬خط‭ ‬بداية‭ ‬واحد‭. ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يبدأون‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مبكرة‭ ‬ويخسرون‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لاحقًا،‭ ‬وبعضهم‭ ‬يبدأون‭ ‬متأخرين‭ ‬لكنهم‭ ‬يصلون‭ ‬بثبات‭ ‬وفهم‭ ‬عميق‭.‬

أنت‭ ‬لست‭ ‬متأخرًا،‭ ‬بل‭ ‬فقط‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬طريقك‭ ‬المختلف‭. ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬البيت‭ ‬عنوان‭ ‬فشلك،‭ ‬بل‭ ‬اجعله‭ ‬محطة‭ ‬مستقبلية‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬النمو‭. ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬حيًّا،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬قابل‭ ‬للتحقق‭. ‬الزمن‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬عند‭ ‬سن،‭ ‬وإنما‭ ‬يتوقف‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬تتوقف‭ ‬أنت‭ ‬عن‭ ‬المحاولة‭.‬

ربما‭ ‬لم‭ ‬تملك‭ ‬بيتًا‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لكنك‭ ‬تملك‭ ‬شيئًا‭ ‬أقوى‭: ‬الإرادة،‭ ‬الخبرة،‭ ‬والقدرة‭ ‬والتحمل‭ ‬والنية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬اليوم‭ ‬وتصل‭ ‬غدًا‭. ‬والبداية‭ ‬المتأخرة‭ ‬لشراء‭ ‬العقار‭.. ‬خير‭ ‬من‭ ‬اللابداية‭.‬

 

الرئيس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لمجموعة‭ ‬الفاتح

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا