هل تعلم أنَّ عبوة الماء البلاستيكية، أو أطباق الطعام ذات الاستخدام الواحد، قد تكون طوق النجاة، والسبب في رسم ابتسامة على وجه الأشخاص ذوي الإعاقة! وقد تكون كبسولة الفرح والحياة لأشخاص كثيرين، إذا ما أدركنا أهمية فرز المواد البلاستيكية بمختلف أنواعها، عن النفايات العامة أو المعدنية والزجاجية والورقية، وأصبحت لدينا القناعة بهدفٍ نبيل ورفيع عنوانه الأسمى «إعادة تدوير البلاستيك»، وترسّخ لدينا الوعي الكامل بأنَّ المخلفات البلاستيكية أصبحت خطرًا حقيقيًا يهدد بيئتنا ومواردنا الطبيعية، في حين أنَّ بأيدينا الحد من هذا الخطر المتزايد، وأن نحوّل هذه المواد البلاستيكية إلى مصدر أمل وسعادة، من خلال الإسهام في مشاريع ومبادرات جمع وإعادة تدوير البلاستيك في مملكة البحرين، واستثمار العوائد المادية من بيع البلاستيك على مصانع إعادة التدوير في شراء الكراسي المتحركة، وأجهزة الدعم والحركة الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، فنكون بذلك قد حققنا أمرين، الأول: محافظتنا على البيئة، والثاني: الإسهام في عمل إنساني له أثر جميل في المجتمع.
ولقد تضافرت الجهود في مملكة البحرين، من أجل تقليل المخلفات البلاستيكية، والحث على فرزها عن النفايات الأخرى، ووضعها في الأماكن المخصصة لها، وخصوصًا وأنها تشكل نسبة كبيرة من النفايات التي تذهب إلى مدافن المخلفات، وتعتبر من المواد الاستهلاكية اليومية في المنازل والمنشآت الصناعية والمطاعم والمؤسسات الصحية، حيث تبين إحصائيات رسمية نُشرت في بوابة البحرين للبيانات المفتوحة، أن نسبة البلاستيك من النفايات المنزلية ارتفعت في عام 2021، إلى 35.5%، بعد أن كانت في عام 2018 لا تتجاوز 27%، في حين بلغت في عام 2022 نحو 29.98%، وبالتالي فإن هذه النسبة تعكس تهديدًا يتطلب جعل إعادة التدوير وفرز البلاستيك ثقافة تنشأ وتترسخ لدى مختلف الأجيال.
تشريعات وطنية واتفاقيات دولية
بادرت مملكة البحرين بوضع عددٍ من التشريعات والقوانين والقرارات التي تهدف إلى حماية البيئة، ويأتي من بينها الحد من النفايات البلاستيكية، فمن خلال دستور مملكة البحرين، وميثاق العمل الوطني، تنطلق قوانين البيئة، وحماية الحياة الفطرية والثروة البحرية، إلى جانب قانون النظافة الذي نص في بعض مواده على وجوب أن تقوم الإدارة المعنية بشؤون النظافة بـ«تنظيم جمْع وفرْز النفايات بطرق من شأنها تسهيل إعادة تدويرها وِفْقاً للضوابط والمعايير المتعارَف عليها بيئياً».
واستمرارًا للجهود الوطنية، اعتمدت مملكة البحرين في عام 2018، «الاستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات»، التي ترتكز على خمسة عناصر، من بينها «إعادة تدوير المخلفات المنزلية والتجارية»، إضافة إلى ذلك صدر قرار وزاري في عام 2019م، بموجبه تم حظر استيراد الأكياس البلاستيكية غير القابلة للتحلل، وتصنيع أو استيراد أو تجارة قوارير المياه البلاستيكية والأكواب التي يقل حجمها عن 200 مل، واستيراد وتصنيع وتوزيع الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد التي يقل سمكها عن 35 ميكرونا.
كما أنَّ اللجنة الوزارية للمشاريع التنموية والبنية التحتية في مجلس الوزراء أصدرت قرارًا بشأن «تكليف المجلس الأعلى للبيئة بالتنسيق مع كافة الوزارات والجهات الحكومية والشركات لاتخاذ الخطوات اللازمة لتوفير حاويات فرز المخلفات البلاستيكية وغيرها من المخلفات القابلة لإعادة التدوير في المباني والمنشآت الحكومية والخاصة لفرز كافة المخلفات في تلك الجهات».
وعلى المستوى الدولي، حرصت مملكة البحرين على الانضمام الى نحو 41 اتفاقية ومعاهدة دولية متعلقة بالمحافظة على البيئة، كما أنها ملتزمة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، وخصوصًا الهدف الثاني عشر (الاستهلاك والإنتاج المسؤولان)، الذي يقع ضمن أحد أهدافه «الحد بدرجة كبيرة من إنتاج النفايات، من خلال المنع والتخفيض وإعادة التدوير وإعادة الاستعمال».
وعملت مملكة البحرين في إطار تفعيل هذا الهدف على «إلزام عدد من المنشآت بتخفيض مخلفاتها بمعالجتها لإعادة استخدامها أو تصديرها لإعادة الاستخدام، عوضًا عن التخلص منها في مدافن النفايات».
جهود حكومية ومبادرات توعوية
تبذل الحكومة الموقرة، ممثلة في وزارة شؤون البلديات والزراعة، بوصفها الوزارة المعنية بالنفايات والمحافظة على النظافة، العديد من الجهود الحكومية، وتنفذ المبادرات والبرامج التثقيفية، والحملات التوعوية، التي تهدف إلى الحفاظ على البيئة، والتوعية بالأنماط السلوكية الصحيحة تجاه البيئة، فضلًا عن تأكيد ثقافة إعادة التدوير.
وعلى مدى عشرة أعوام الماضية، شهدت مملكة البحرين العديد من الحملات التوعوية الموجهة الى طلبة المدارس والجامعات، وإلى جميع أفراد المجتمع، ومنها حملات جاءت تحت عناوين مختلفة، وذات أهداف مشتركة، ومنها: «نسمو بسلوكنا.. لنرتقي بمدارسنا»، «المدارس صديقة للبيئة»، «نسمو بسلوكنا.. لنرتقي بمدارسنا»، «دور تستمر الحياة»، «معاً نحو عاصمة نظيفة»، وخلال شهر ديسمبر من عام 2024م، قامت وزارة شؤون البلديات والزراعة بتوقيع عقود نظافة جديدة مع شركتي الخليج وأوربايسر، وذلك لتوفير 300 مركز إعادة تدوير في كافة محافظات مملكة البحرين بواقع مركز تجميع لكل 5 آلاف نسمة، يحتوي كل منهم على حاويات منفصلة للزجاج والبلاستيك والمعادن والورق والكرتون، حيث تستهدف الوزارة الوصول إلى التجميع المباشر من المنزل، حيث سيتم تقديم هذه الخدمة لأصحاب المنازل الراغبين في المشاركة في مخطط التجميع لفرز وتنظيف نفاياتهم، وبكل تأكيد فإنَّ هذه الخطوة المتطورة من الوزارة في الوصول إلى منازل الأسر، وتجميع النفايات المفرزة، سيعطي حافزًا لزيادة الوعي بأهمية إعادة التدوير وفرز النفايات، وخصوصًا البلاستيكية.
شراكات مجتمعية وإسهامات أهلية
تؤدي منظمات المجتمع المدني البحرينية والمؤسسات التعليمية، دورًا مهمًا ومشهودًا في نشر الوعي المجتمعي بإعادة تدوير البلاستيك، وذلك باعتبار أنها قريبة من مختلف فئات وأفراد المجتمع، ويمكن الاستجابة لمبادرتها بشكل أكبر.
وللإضاءة على أحد النماذج الأهلية الناجحة في جمع وإعادة تدوير البلاستيك، يمكن الإشارة إلى مبادرة الجمعية البحرينية لأولياء أمور المعاقين وأصدقائهم، التي فازت بمنحة مالية من وزارة التنمية الاجتماعية، ومستمرة منذ نحو 16 عامًا، وتحمل عنوان «بدلًا من رميها.. ساعد بها»، وتهدف إلى جمع البلاستيك واستثمار العائد منه في شراء كراسي متحركة وأجهزة مساندة لذوي الإعاقة، حيث نجحت الجمعية في شراء توفير الكراسي المتحركة والأجهزة المساعدة لعددٍ كبير من ذوي الإعاقة.
ووفرت الجمعية 22 موقعًا لجمع البلاستيك في مختلف مناطق البحرين، حيث تبيع الجمعية كل طن من البلاستيك بقيمة 25 دينارًا، بحسب ما ذكر الدكتور عبدالرحمن السيد، نائب رئيس الجمعية، في لقاء منشور عبر منصة «يوتيوب» في شهر أكتوبر 2024.
كما نجحت جامعة المملكة في تنظيم حملتين بعنوان: «شاركنا تدوير البلاستيك واصنع لهم أملاً جديدًا»، و«شارك.. واصنع الأمل بأبسط ما تملك»، اللتين هدفت منهما الجامعة إلى تشجيع الطلبة الجامعيين على فرز النفايات البلاستيكية عن النفايات الأخرى.
إضافة إلى ذلك، تقوم بعض المؤسسات الاجتماعية بالتعاون مع إحدى الشركات الأربع المتخصصة في مجال جميع وإعادة تدوير النفايات، بوضع حاويات كبيرة الحجم، من أجل جمع البلاستيك بمختلف أنواعه، بما يرسخ مبدأ الشراكة المجتمعية، ويحقق أهدافًا توعوية وبيئية مشتركة.
وعلى مستوى القطاع الخاص، أقامت «أسواق الأسرة» في عام 2018م، حملة بيئية بعنوان: «أسبوع بلا أكياس بلاستيكية»، من أجل الحفاظ على البيئة من التلوث البلاستيكي. وهدفت الحملة إلى تجنب استخدام 95,000 كيس بلاستيكي خلال هذا الأسبوع، والاستمرار في تنفيذ هذه الإجراء داخل محلات أسواق الأسرة أسبوعًا واحدًا في كل شهر، من أجل الوصول إلى الهدف الأشمل الذي يتجلى في إيجاد بدائل مستدامة ومناسبة تمكنهم من التخلص من الأكياس البلاستيكية في جميع فروعهم بحلول عام 2020 والتخلي عن كافة المواد البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير بحلول 2025.
وأمام هذا الجهود المتواصلة من مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، ترتسم أسئلة حول التحديات التي تواجه مبدأ فرز النفايات البلاستيكية، وكيف يمكن تحفيز طلبة المدارس والجامعات وكافة أفراد المجتمع، على وضع النفايات البلاستيكية في أماكنها الخاصة؟، وما هو الدور المجتمعي المناط بالأسر والمنظمات الأهلية من أجل نشر الوعي بإعادة تدوير البلاستيك؟ وكيف يمكن تعزيز دور المصانع وشركات النظافة من أجل التقليل من نسبة النفايات البلاستيكية التي يتم ردمها في مدافن النفايات؟
رؤية أكاديمية ودراسات
المخاطر والتهديدات التي تنتج عن المواد البلاستيكية، لا تهدد دولًا محددة، بل إن هذه المشكلة عالمية، ويمتد خطرها إلى البحار، وبالتالي إلى الكائنات البحرية، ومنها الأسماك التي يتناولها الإنسان، ما قد يسبب انتشار الأمراض. ففي تصريح صحفي بصحيفة الوطن البحرينية للدكتورة سمية يوسف (أستاذ الهندسة البيئية المساعد بكلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي)، قالت إن 400 مليون طن سنوياً من البلاستيك يتم إنتاجها عالمياً، 40% منه يلقى في البحار، ويتم تدوير ما لا يتجاوز 7% منه فيما يتم دفن المتبقي في المرادم بنسبة 53%، وأن التقارير العالمية تقول إنَّ النسبة الأكبر من البلاستيك تلقى في البحار التي وجد أنها تحوي نسبة كبيرة من مخلفات البلاستيك عالمياً، حيث إنَّ مخلفات البلاستيك تؤدي الى تراكم البلاستيك الدقيق في مياه البحر الذي ينتقل الى سلاسل الغذاء ويترسب في أنسجة الأسماك وبالتالي جسم الإنسان الذي يتناولها وذلك بطريقة تراكمية مع استمرار التعرض لها مسبباً بذلك أمراضاً خطيرة مع استمرار التعرض لها.
وخلصت مجموعة دراسات أعدتها مجموعة البنك الدولي، إلى أن في تايلاند والفلبين وماليزيا، يضيع أكثر من 57% من القيمة المادية للمواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير - وهو ما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً - عند التخلص من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بدلاً من استعادتها وإعادة تدويرها.
من يعلق الجرس في المنصات الاجتماعية؟
لقد فرض التطور والتقدم الرقمي والإعلامي، نمطًا جديدًا ومؤثرًا في تنفيذ الحملات الإعلامية والتوعوية، وخصوصًا مع الانتشار الواسع والكبير لمنصات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت تشهد حملات إلكترونية في مختلف المجالات، وتأخذ صدى واسعًا، لا سيما عندما تتم الاستعانة بالمؤثرين والشخصيات ذات الحضور والقبول في مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك لا بُد من استثمار هذه الأدوات التواصلية والإعلامية الجديدة، من أجل دعم الجهود الرامية الى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية إعادة تدوير البلاستيك، فكل فرد في المجتمع قادرٌ على صناعة التغيير والتأثير، ويمكنه أن يؤصّل لسلوكيات صحية وبيئية تسهم في الحفاظ على الطبيعة والبيئة، وحماية الحياة البحرية والبرية، فبدلًا من رمي المواد البلاستيكية في حاويات النفايات العامة، أو رميها في السواحل والشوارع، يمكن وضعها في أماكن محددة تسهّل على الجهات المعنية، والشركات المتخصصة، نقلها إلى المصانع المتخصصة في إعادة تدوير البلاستيك، أو تصديرها إلى دول في آسيا تستفيد منها في إعادة تصنيع مواد بلاستيكية صديقة للبيئة.
وثمَّة حاجة ملحة وضرورية، في أن تتواصل حملات التواصل والعلاقات العامة، لخلق وعيٍ مجتمعيٍ شامل، ينظر إلى الأبعاد البيئية والاقتصادية والصحية للمواد البلاستيكية، ليس على مستوى طرق التخلص منها وفرزها وإعادة تدويرها، بل حتى على مبدأ استخدامها، والاعتماد عليها بشكل كبير في الحياة اليومية.
وأرى أن التركيز على طلبة المدارس والجامعات، واستهدافهم عبر الحملات التوعوية والتثقيفية، سيسهم في خلق جيلٍ واعٍ ومسؤول أمام الحفاظ على البيئة، وترسيخ فكرة التدوير في المجتمع عبر السلوكيات الصحيحة التي تصدر عنهم في المدارس والجامعات، ومبادرتهم لفرز النفايات البلاستيكية، خصوصًا أن الإحصائيات الرسمية من وزارة التربية والتعليم ومجلس التعليم العالي، تشير إلى وجود أكثر من 230 ألف طالب في المدارس، إلى جانب 41 ألف طالب في الجامعات، وهو عددٌ كبير يمكن أن يلعب دورًا في ممارسة ونشر ثقافة تدوير البلاستيك.
وأمام معلومات صادمة، صرّح بها السيد حميد الماجد، المالك والمدير العام لمصنع الماجد لتدوير الورق والبلاستيك والمواد الصلبة، في أكتوبر 2021م، بأنّ مملكة البحرين تستهلك نحو 4 مليارات قارورة بلاستيكية من مياه الشرب والمياه الغازية، غالبيتها تدفن في «مدفن عسكر»، الذي يستقبل جميع النفايات يوميًا، وينتج عنها الغازات السامة (غاز الميثان)، ويتعاظم دور حملات العلاقات العامة التوعوية، التي تسهم في تعزيز الثقافة البيئية، واتخاذ المزيد من الخطوات نحو الاقتصاد الأخضر، وآن الأوان لأن نقول لكل فرد في المجتمع «افرز ودوِّر البلاستيك.. لتستديم حياتك».
{ إعلامي بحريني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك