يشد انتباهي في الآونة الأخيرة ظاهرة شائعة لدى الكثير من الأفراد؛ ألا وهي تناول وتداول المصطلحات بمختلف لغاتها واختصاراتها ولكن من دون فهم لمعناها؛ إنما تسمية للأشياء بأسمائها فحسب!
ففي زمن صار يلهج بالتكنولوجيا كأداة، ويستحوذ فيه الذكاء الاصطناعي على المشهد العالمي مصدرًا نفسه كلغة عالمية جديدة، اخترق عالمنا عدد من المصطلحات الحديثة، التي صارت قيد التداول بشكل واسع، ولربما جاء هذا التداول نتيجة للاستخدام الهائل للتطبيقات التي تحتوي عليها، لذلك من الأهمية بمكان التعرف عليها وعلى ماهيتها بشكل أكثر شمولية.
لا شك أنك سبق لك أن سمعت عن روبوتات الدردشة الآلية الحديثة، أو ربما اختبرت الحديث مع أحدها، أو فعل ذلك أحد المقربين منك، الأمر الذي أثار لديكم الدهشة والتساؤل حول مدى تمكن هذه الروبوتات من خوض الحديث بهذا المستوى من الذكاء، وهذه الإمكانية المتقنة في الرد!
والحقيقة التي قد يجهلها البعض، أن ذلك يعود فيه الفضل لـ(الجي بي تي) ويعنى به «المحول المولّد المُدرَب مسبقًا»، وإن كنا لن نخوض في التفاصيل البرمجية له، إلا أننا يمكن أن نشير إلى أنه نموذج من نماذج العصبونية الاصطناعية التي تستخدم المحولات كبنية لها، وتعد كنوع رئيسي من أنواع التقدم في الذكاء الاصطناعي الذي يدعم تطبيقات المجال ذاته كـ(شات جي بي تي) على سبيل المثال.
إذ يختص بمنح التطبيقات نماذج مدربة باستخدام كميات هائلة من البيانات القادرة على استيعاب المدخلات البشرية عبر فهم النقاط الأساسية وتحويلها إلى افتراضات، بحيث يمكنه التعامل مع عدد كبير من المهام المستقلة وغير المترابطة بشكل يحاكي الذكاء البشري، وذلك من خلال تطوير نماذج وإنشاء خوارزميات مستنبطة من الطبيعة البشرية في حل المشكلات، وفي طرق التخطيط، وفهم الأفكار المعقدة، والتعلم بالتجربة.
وتتميز هذه النماذج بالعديد من المهارات والقدرات الإبداعية، كتوليد الصور والموسيقى، وإنشاء المحتوى، وتلخيص النصوص والمستندات، والبحث المتقدم، إلى جانب الإجابة عن الأسئلة بطريقة ذكية، والترجمة اللغوية الفورية، وتصميم المؤثرات البصرية والرسوم المتحركة، وإنشاء مواقع الويب، والرسم وتأليف القصائد، إلخ.
وما يعطي للـ(جي بي تي) هذه القيمة والزخم هو طريقته في إعادة تعريف نمط تفاعل الإنسان بالذكاء الاصطناعي كنموذج لتعلم الآلة بمعايير جديدة، بالإضافة إلى قدرته التوليدية المتعددة والهائلة، ومدى اتساع إمكانياته لتنفيذ مجموعة متنوعة من المهام، ولسرعته الفائقة في الاستجابة، ولاتساع النطاق الذي يمكن استخدامه فيه، إلى جانب الثورة الذي أحدثها في طريقة تفاعل روبوتات المحادثة المزودة بالذكاء الاصطناعي عن النوع التقليدي، كل ذلك جاء كمساعد للأفراد على وجه الخصوص، والمؤسسات على وجه العموم للارتقاء إلى مستويات أعلى في الإنتاجية والأداء وخدمة العملاء.
لهذا يعدّ فهم فحوى المصطلحات المتداولة بشكل أكثر شمولية أمرا ضروريا ومهما، وذلك لما يحققه من معرفة لقدرات هذه النماذج، وللاستفادة منها، ولتقليل مخاطرها، فمع استمرارية تطور هذا المجال واندماجه في حياتنا الرقمية بصورة أكبر، لا بد انه سيخلف العديد من الفرص والتحديات في الوقت ذاته، وهو ما يتطلب فهما واسعا لإدراك طرق التعامل معه.. إذ إن الغرض من إنشاء هذه الأنظمة المزودة بالذكاء الاصطناعي بالمقام الأول تحقيق الاستفادة البشرية وتسهيل الحياة اليومية بما يقلل الجهد والوقت، ويكفل مزيدًا من الراحة والرفاهية، وبغضّ النظر عن الفرضيات التي يتم تداولها حول سبب إنشائها؛ كأن تكون بديلا عن السواعد البشرية، إلا أنني أذهب إلى تبني فرضية أخرى حول ذلك، مفادها أنها قد تكون بمثابة معيار لتقييم القدرات البشرية؛ بحيث يتم استبدال من لا يجيد استخدامها والانتفاع من تقنيتها وفهم طرق التعامل معها؛ بمن يفعل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك