العدد : ١٧٢٩١ - السبت ٢٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩١ - السبت ٢٦ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠١ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

انخفاض قيمة الدولار: فرص وتحديات جديدة للاقتصادات الخليجية

{ بقلم: د. غنية الدرازي

الأربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

تراجعت‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2025،‭ ‬حيث‭ ‬انخفضت‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭.‬8‭ ‬بالمائة،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬اسوأ‭ ‬أداء‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1973‭. ‬يعود‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬الى‭ ‬عدة‭ ‬أسباب،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬المخاوف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالسياسات‭ ‬التجارية‭ ‬للرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬والتعريفات‭ ‬الجمركية‭ ‬المتقطعة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬استقلالية‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الفيدرالي،‭ ‬مما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭. ‬يؤكد‭ ‬الأستاذ‭ ‬كينيث‭ ‬روجوف،‭ ‬خبير‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بجامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬ان‭ ‬‮«‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬تدهور‭ ‬الدولار‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬عملاتها‭ ‬بالدولار‭.‬

تعتبر‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المتأثرة‭ ‬بضعف‭ ‬الدولار،‭ ‬حيث‭ ‬ربطت‭ ‬عملاتها‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬عرضة‭ ‬لتقلبات‭ ‬قيمته‭. ‬هذا‭ ‬الربط،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُعتبر‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬الدعامات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬عليها‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬يجعل‭ ‬اقتصادات‭ ‬المنطقة‭ ‬اليوم‭ ‬حساسة‭ ‬تجاه‭ ‬تغيرات‭ ‬قيمته‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يجلبها‭ ‬ضعف‭ ‬الدولار‭ ‬لاقتصادات‭ ‬المنطقة،‭ ‬فانه‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬يجلب‭ ‬بعض‭ ‬الفوائد‭. ‬تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬تنافسية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬عملاتها‭ ‬بالدولار‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬العالمية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الصادرات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬أكثر‭ ‬جاذبية‭ ‬للمشترين‭ ‬الذين‭ ‬يتعاملون‭ ‬بعملات‭ ‬أقوى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬جهود‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ستستفيد‭ ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية،‭ ‬مثل‭:‬

‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعة‭: ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬انخفاض‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬المنتجات‭ ‬الصناعية‭ ‬الخليجية‭ ‬أكثر‭ ‬تنافسية‭.‬

‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬والضيافة‭: ‬حيث‭ ‬تنخفض‭ ‬تكاليف‭ ‬السفر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بعملات‭ ‬قوية‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬السياحة‭ ‬ويدعم‭ ‬خطط‭ ‬التنوع‭ ‬الاقتصادي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬تواجه‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬زيادة‭ ‬كلفة‭ ‬الواردات،‭ ‬حيث‭ ‬يؤدي‭ ‬ضعف‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬القيمة‭ ‬الشرائية‭ ‬للعملات‭ ‬الخليجية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬زيادة‭ ‬تكاليف‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة،‭ ‬مما‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬ميزانيات‭ ‬الأسر‭.‬

تعتبر‭ ‬الضغوط‭ ‬التضخمية‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً،‭ ‬وخاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اعتماد‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬المستوردة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬إلى‭ ‬المعدات‭ ‬الصناعية‭. ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬تكلفة‭ ‬المعيشة،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬لدول‭ ‬المجلس‭.‬

كذلك،‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬قيمة‭ ‬الدولار‭ ‬المنخفضة‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬تصبح‭ ‬الأصول‭ ‬الخارجية‭ ‬أكثر‭ ‬تكلفة‭ ‬من‭ ‬السابق،‭ ‬وتحقق‭ ‬عوائد‭ ‬استثمارية‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬زيادة‭ ‬تكلفة‭ ‬شراء‭ ‬العقارات‭ ‬أو‭ ‬الأسهم‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬العوائد‭ ‬المتوقعة‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬ضعف‭ ‬الدولار‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الميزانيات‭ ‬الحكومية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط،‭ ‬إذ‭ ‬يؤثر‭ ‬تقلب‭ ‬الدولار‭ ‬بالسلب‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬الإيرادات‭ ‬والنفقات،‭ ‬وقد‭ ‬تضطر‭ ‬بعض‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬ميزانياتها‭ ‬لتفادي‭ ‬حدوث‭ ‬عجز‭ ‬مالي‭.‬

رغم‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬تدخل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬قوي‭ ‬نسبياً‭. ‬تشير‭ ‬بيانات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الاحتياطيات‭ ‬الخارجية‭ ‬تبقى‭ ‬مريحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬حيث‭ ‬تحتفظ‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬باحتياطيات‭ ‬كبيرة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تريليونات‭ ‬الدولارات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬‮«‬آفاق‭ ‬النمو‭ ‬إيجابية‮»‬‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬قدرة‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الأزمات‭ ‬الاقتصادية‭.‬

مع‭ ‬استمرار‭ ‬تطور‭ ‬النظام‭ ‬النقدي‭ ‬العالمي،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬الدولار،‭ ‬ستشكل‭ ‬تجربة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬اختباراً‭ ‬حاسماً‭ ‬لقدرتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومرونتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬المستقبلية‭. ‬إن‭ ‬نجاح‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬المتاحة،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الصادرات‭ ‬غير‭ ‬النفطية‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬القطاعات‭ ‬السياحية‭ ‬والصناعية،‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬التحديات‭ ‬التضخمية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬بفعالية،‭ ‬سيحدد‭ ‬مدى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنويع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المنشودة‭. ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬التكيف‭ ‬بسرعة‭ ‬وذكاء‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد،‭ ‬وتستغل‭ ‬احتياطياتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬ومرونتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بحرفية،‭ ‬ستكون‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬القادمة‭ ‬وتحقيق‭ ‬نمو‭ ‬مستدام‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا