تراجعت قيمة الدولار الأمريكي بشكل ملحوظ في النصف الأول من عام 2025، حيث انخفضت بنسبة 10.8 بالمائة، مما يجعله اسوأ أداء له في النصف الأول من العام منذ عام 1973. يعود هذا التراجع الى عدة أسباب، من أهمها المخاوف المرتبطة بالسياسات التجارية للرئيس ترامب والتعريفات الجمركية المتقطعة، بالإضافة إلى التساؤلات حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، مما ساهم في تراجع قيمة الدولار. يؤكد الأستاذ كينيث روجوف، خبير الاقتصاد بجامعة هارفارد، ان «الرئيس ترامب يساهم في تسريع تدهور الدولار»، مما ينعكس سلبا بشكل خاص على الدول التي تربط عملاتها بالدولار.
تعتبر دول الخليج العربي من الدول المتأثرة بضعف الدولار، حيث ربطت عملاتها بالدولار الأمريكي منذ عقود، مما يجعلها عرضة لتقلبات قيمته. هذا الربط، الذي كان يُعتبر في السابق من الدعامات الاقتصادية الأساسية التي ترتكز عليها اقتصادات دول مجلس التعاون يجعل اقتصادات المنطقة اليوم حساسة تجاه تغيرات قيمته.
على الرغم من التحديات التي يجلبها ضعف الدولار لاقتصادات المنطقة، فانه في نفس الوقت يجلب بعض الفوائد. تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن تراجع قيمة الدولار يعزز من تنافسية الدول التي ربطت عملاتها بالدولار في الأسواق العالمية، مما يجعل الصادرات غير النفطية أكثر جاذبية للمشترين الذين يتعاملون بعملات أقوى، وبالتالي قد يسهم في تسريع جهود التنويع الاقتصادي.
ستستفيد بعض القطاعات الاقتصادية بشكل خاص من هذه الوضعية، مثل:
•قطاع الصناعة: حيث يؤدي انخفاض قيمة الدولار إلى جعل المنتجات الصناعية الخليجية أكثر تنافسية.
•قطاع السياحة والضيافة: حيث تنخفض تكاليف السفر من الدول التي تتمتع بعملات قوية إلى دول الخليج، مما يعزز السياحة ويدعم خطط التنوع الاقتصادي.
ومع ذلك، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تحديات كبيرة، من أبرزها زيادة كلفة الواردات، حيث يؤدي ضعف قيمة الدولار إلى خفض القيمة الشرائية للعملات الخليجية، وبالتالي زيادة تكاليف السلع المستوردة، مما يضغط على ميزانيات الأسر.
تعتبر الضغوط التضخمية تحدياً كبيراً، وخاصةً في ظل اعتماد المنطقة على السلع المستوردة، بدءًا من المواد الغذائية والمواد الخام إلى المعدات الصناعية. وهذا قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في تكلفة المعيشة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي الذي كان ولا يزال أساسياً في الأنظمة السياسية لدول المجلس.
كذلك، قد تؤثر قيمة الدولار المنخفضة سلباً على الاستثمارات الخليجية في الأسواق الدولية، حيث تصبح الأصول الخارجية أكثر تكلفة من السابق، وتحقق عوائد استثمارية أقل من المتوقع من هذه الاستثمارات. على سبيل المثال، قد تؤدي زيادة تكلفة شراء العقارات أو الأسهم في الأسواق الدولية إلى تقليل العوائد المتوقعة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة الضغط على الميزانيات الحكومية في دول الخليج، وخاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، إذ يؤثر تقلب الدولار بالسلب على تقديرات الإيرادات والنفقات، وقد تضطر بعض الحكومات إلى إعادة تقييم ميزانياتها لتفادي حدوث عجز مالي.
رغم هذه التحديات، تدخل دول المنطقة هذه المرحلة من التحديات الاقتصادية من موقع قوي نسبياً. تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن «الاحتياطيات الخارجية تبقى مريحة» في المنطقة، حيث تحتفظ دول الخليج باحتياطيات كبيرة تصل إلى تريليونات الدولارات. كما أن «آفاق النمو إيجابية» مما يعزز قدرة المنطقة على مواجهة الأزمات الاقتصادية.
مع استمرار تطور النظام النقدي العالمي، وفي ظل هذه المرحلة من ضعف الدولار، ستشكل تجربة دول مجلس التعاون الخليجي اختباراً حاسماً لقدرتها الاقتصادية ومرونتها في مواجهة التحديات المستقبلية. إن نجاح المنطقة في الاستفادة من الفرص المتاحة، بدءًا من تعزيز الصادرات غير النفطية إلى تطوير القطاعات السياحية والصناعية، مع إدارة التحديات التضخمية والاستثمارية بفعالية، سيحدد مدى قدرتها على تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي المنشودة. الدول التي تتمكن من التكيف بسرعة وذكاء مع هذا الواقع الجديد، وتستغل احتياطياتها الكبيرة ومرونتها الاقتصادية بحرفية، ستكون الأكثر قدرة على الاستفادة من التغيرات القادمة وتحقيق نمو مستدام في المستقبل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك