العدد : ١٧٢٩٠ - الجمعة ٢٥ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٩٠ - الجمعة ٢٥ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٣٠ محرّم ١٤٤٧هـ

الرأي الثالث

محميد المحميد

malmahmeed7@gmail.com

غزة تموت جوعا!

الطفل‭ ‬‮«‬جواد‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬إلا‭ ‬35‭ ‬يوما‭ ‬فقط،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬أحد‭ ‬ضحايا‭ ‬سياسة‭ ‬التجويع‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.. ‬والطفلة‭ ‬‮«‬رزان‮»‬‭ (‬4‭ ‬أعوام‭) ‬ماتت‭ ‬نتيجة‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬الحاد‭ ‬ونقص‭ ‬الحليب‭.. ‬لقد‭ ‬وصلت‭ ‬المجاعة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأخيرة‭.. ‬ففي‭ ‬مشهد‭ ‬يختصر‭ ‬المأساة،‭ ‬وثق‭ ‬ناشطون‭ ‬مشهدا‭ ‬لرجل‭ ‬يأكل‭ ‬من‭ ‬القمامة،‭ ‬ومشهدا‭ ‬آخر‭ ‬لطفلة‭ ‬تأكل‭ ‬الملح،‭ ‬ومشهدا‭ ‬ثالثا‭ ‬لأطفال‭ ‬نحيلي‭ ‬الأجساد،‭ ‬يفتشون‭ ‬في‭ ‬القمامة‭ ‬عن‭ ‬بقايا‭ ‬طعام‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسد‭ ‬الرمق،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإسكات‭ ‬صوت‭ ‬الجوع‭ ‬والنجاة‭ ‬من‭ ‬الموت‭.‬

ما‭ ‬قرأناه‭.. ‬كان‭ ‬نموذجا‭ ‬لتقارير‭ ‬إعلامية‭ ‬تنشر‭ ‬يوميا‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬المأساوية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وسط‭ ‬صمت‭ ‬دولي‭ ‬عام‭.. ‬والأغرب‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الدولي‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬ولا‭ ‬ينطق‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬غزة‭.. ‬لحظة‭ ‬التصدي‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتلال‭.. ‬وكأن‭ ‬‮«‬الفعل‮»‬‭ ‬مباح‭.. ‬و«ردة‭ ‬الفعل‮»‬‭ ‬جريمة‭!‬

وفقا‭ ‬للمركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للإعلام،‭ ‬فقد‭ ‬شهد‭ ‬وسم‭ ((‬#غزة‭_‬تموت‭_‬جوعاً‭)) ‬تفاعلًا‭ ‬واسعًا‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬في‭ ‬نداء‭ ‬أطلقه‭ ‬فلسطينيون‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬القطاع‭ ‬المحاصر،‭ ‬يوثّق‭ ‬مشاهد‭ ‬الجوع‭ ‬الكارثي‭ ‬الذي‭ ‬يفتك‭ ‬بأجساد‭ ‬المدنيين،‭ ‬وسط‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬تشنّها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭.‬

وامتلأت‭ ‬منصات‭ ‬‮«‬إكس‮»‬‭ ‬و«فيسبوك‮»‬‭ ‬و«إنستجرام‮»‬‭ ‬بمنشورات‭ ‬مؤلمة،‭ ‬ومقاطع‭ ‬مصوّرة،‭ ‬تظهر‭ ‬أطفالاً‭ ‬ونساءً‭ ‬وشيوخاً،‭ ‬يعانون‭ ‬الجوع‭ ‬والهزال،‭ ‬وسط‭ ‬مشاهد‭ ‬الخراب،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتعالى‭ ‬فيه‭ ‬أصوات‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬غزة‭ ‬وخارجها‭ ‬مطالِبةً‭ ‬بتدخّل‭ ‬عاجل‭ ‬لفتح‭ ‬المعابر‭ ‬والسماح‭ ‬بإدخال‭ ‬الغذاء‭.‬

وتسببت‭ ‬حالة‭ ‬التجويع‭ ‬في‭ ‬استشهاد‭ ‬70‭ ‬طفلاً‭ ‬ورضيعاً‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬جراء‭ ‬عمليات‭ ‬التجويع‭ ‬وسوء‭ ‬التغذية‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ومنع‭ ‬الاحتلال‭ ‬إدخال‭ ‬الأغذية‭ ‬والمكملات‭ ‬الغذائية‭ ‬وحليب‭ ‬الأطفال‭.‬

ووفق‭ ‬معطيات‭ ‬المكتب‭ ‬الإعلامي‭ ‬الحكومي،‭ ‬فإن‭ ‬650‭ ‬ألف‭ ‬طفل‭ (‬من‭ ‬2‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬القطاع‭) ‬يواجهون‭ ‬خطر‭ ‬الموت‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬والجوع،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تواجه‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬حامل‭ ‬خطرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الغذاء‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬اللازمة‭.‬

وناشد‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لوزارة‭ ‬الصحة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬قلبًا‭ ‬حيًا‭ ‬ألا‭ ‬يقف‭ ‬ساكنًا،‭ ‬وأن‭ ‬يتحدث‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬غزة،‭ ‬وكتب‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تقف‭ ‬ساكنًا‭.. ‬فغزة‭ ‬تُذبح‭ ‬جوعًا‭ ‬أيها‭ ‬الأخ‭.. ‬أيتها‭ ‬الأخت‭.. ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬كنت،‭ ‬بأي‭ ‬لغة‭ ‬تتحدث،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬أرض‭ ‬تنتمي،‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬تملك‭ ‬قلبًا‭ ‬حيًا،‭ ‬فافعل‭ ‬شيئًا‭.. ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يموت‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الجوع،‭ ‬والأطفال‭ ‬يحتضرون‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬الطحين،‭ ‬والأمهات‭ ‬يذرفن‭ ‬دموعًا‭ ‬لا‭ ‬تروي‭ ‬أجساد‭ ‬أطفالهن‭ ‬الهزيلة‭.. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نطلب‭ ‬المستحيل‭.. ‬نطلب‭ ‬فقط‭ ‬ألا‭ ‬تكون‭ ‬شاهد‭ ‬زور‭ ‬على‭ ‬المجاعة،‭ ‬ألا‭ ‬تمر‭ ‬كأنك‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭.. ‬ولم‭ ‬تسمع‭.. ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الطعام‭ ‬حقّاً،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬أمنية‭ ‬مؤجّلة،‭ ‬تتكرّر‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬على‭ ‬شفاه‭ ‬الأمهات،‭ ‬وترتسم‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬ينامون‭ ‬جياعاً،‭ ‬يحتضنون‭ ‬الهواء‭ ‬بدل‭ ‬الحليب،‭ ‬ويحلمون‭ ‬برغيف‭ ‬خبز‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬كنز‭ ‬مفقود‭.. ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬الجوع‭ ‬لا‭ ‬يقرع‭ ‬الأبواب،‭ ‬بل‭ ‬يسكن‭ ‬البيوت،‭ ‬ويأكل‭ ‬من‭ ‬أعمار‭ ‬الناس،‭ ‬ويطحن‭ ‬كرامتهم،‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬النسيان‭ ‬العالمي‭.. ‬الخبز‭ ‬بات‭ ‬عملة‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يشكّل‭ ‬حليب‭ ‬الأطفال‭ ‬المفقود‭ ‬غذاءً‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬وعد‭ ‬بالحياة‭ ‬أجهضه‭ ‬الحصار،‭ ‬وصار‭ ‬حلماً‭ ‬مستحيلاً‭ ‬في‭ ‬فم‭ ‬طفل‭ ‬يحتضر‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬الطوارئ‮»‬‭.‬

غزة‭ ‬تموت‭ ‬جوعا‭.. ‬مشهد‭ ‬يذكرنا‭ ‬بحصار‭ ‬كفار‭ ‬قريش‭ ‬للمسلمين‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭.. ‬ولكن‭ ‬حصار‭ ‬قريش‭ ‬تم‭ ‬فكه‭ ‬من‭ ‬دابة‭ ‬أكلت‭ ‬‮«‬وثيقة‭ ‬الحصار‮»‬‭.. ‬وحصار‭ ‬الاحتلال‭ ‬لم‭ ‬ينفك‭ ‬بعد‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"محميد المحميد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا