كان من المقرر أن تعقد منظمة الأمم المتحدة خلال الفترة القليلة الماضية جلسة خاصة لتسليط الضوء على حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إلا أن هجوم إسرائيل على إيران والاشتباكات المميتة التي تلته أدت إلى تأجيل تلك الجلسة.
وفي الوقت الذي قد يكتفي العالم بمتابعة معاناة الشعب الفلسطيني، فإن الوضع في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية يزداد سوءًا. يظل هذا الوضع المأساوي يتفاقم بسبب سلبية معظم الدول للمأساة المستمرة وضعف استجابتها.
ولكن بدلاً من إدانة الإبادة الجماعية والاحتلال بشكل قاطع، فإن أفضل ما تستطيع هذه الدول القيام به هو إطلاق تصريحات جوفاء ومبتذلة في بعض الأحيان تحث الأطراف على التفاوض (كما لو كان هناك شيء يمكن التفاوض عليه) أو إعلان دعمهم لحل الدولتين (كما لو كان ذلك ممكناً في هذه المرحلة).
وفي خضم المعاناة والمأساة التي يعيشها الفلسطينيون، راحت بعض الأطراف تقترح بعض «خطط السلام»، وتدعو إلى نشر قوات حفظ سلام دولية، و«إصلاح السلطة الفلسطينية»، ونزع سلاح حركة حماس.
ولكن هذه المقترحات تتجاهل أيضاً حقيقتين مهمتين يتمثل أولاها في رفض إسرائيل لكل عنصر من عناصر كل خطة طرحت حتى الآن، فيما تتمثل الثانية في أن الاحتلال الإسرائيلي قد ترسخ إلى حد كبير، وهو ما أدى إلى تغيير وتشويه الحقائق على الأرض في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية إلى حد أن الطريق إلى الاستقلال الفلسطيني أصبح أكثر تعقيداً مما كان عليه لدى إبرام اتفاقيات أوسلو.
ولكي نفهم بشكل أفضل أين نحن وما الذي يجب علينا فعله، قامت شركتي بإجراء استطلاعات رأي سنوية في الأراضي المحتلة من أجل تقييم مواقف الفلسطينيين تجاه وضعهم الحالي وآمالهم في المستقبل.
يتضح جليًا من هذه الاستطلاعات أن الفلسطينيين في المناطق الثلاث يعانون من ضائقة شديدة. ونتيجةً للظروف الاستثنائية الصعبة التي فرضتها إسرائيل عليهم، هناك اختلافات واضحة في آراء المشاركين في كل منطقة - تجاه حكمهم، والتهديدات التي يواجهونها، وآمالهم المستقبلية، ولا يمكن تجاهل هذه الاختلافات.
على مدى عقدين من الزمن، انفصلت غزة عن بقية الشعب الفلسطيني وخنقتها إسرائيل اقتصاديًا، حيث عوقبت حماس ثم كوفئت من قبل الحكومة الإسرائيلية التي سعت إلى تعزيز الانقسام في الصف الفلسطيني. وقد تحقق ذلك، وهو ما مكّن حماس من تعزيز قوتها وترسيخ نفوذها.
كان للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عواقب وخيمة على الفلسطينيين. وقد مكّنتنا نتائج الاستطلاعات من تحديد حجم الخسائر التي لحقت بهم. فقد أفاد ما يقرب من ثلثي الفلسطينيين بأنهم اضطروا إلى إجلاء عائلاتهم أربع مرات أو أكثر خلال الأشهر الثمانية عشر الأولى.
فقد معظم الفلسطينيين أيضا أفرادًا من عائلاتهم، حيث يقول 70% منهم إن منازلهم دُمرت بالكامل، بينما أفاد أغلبهم بنقص حاد في الغذاء والماء والخدمات الطبية وانعدام المأوى المناسب.
أدى إغلاق القدس الشرقية القسري، المستمر منذ ثلاثة عقود، إلى فصل سكانها الفلسطينيين عن إخوانهم في باقي الأراضي المحتلة. قبل الإغلاق، كان فلسطينيو الضفة الغربية يأتون إلى مدينة القدس للعمل والخدمات.
بعد الإغلاق، خسر الفلسطينيون في القدس الشرقية زبائنهم ودخلهم، واضطروا إلى الاندماج في الاقتصاد الإسرائيلي. ومنذ 7 أكتوبر 2023، تُظهر استطلاعات الرأي لدينا أن الأغلبية من الفلسطينيين يشتكون من تفاقم الوضع الاقتصادي والسياسي.
يتفاقم انعدام الأمن الاقتصادي في الضفة الغربية أيضًا. فبسبب السياسات الإسرائيلية التي أعاقت التنمية الاقتصادية المستقلة، لم يبق للفلسطينيين في الضفة الغربية من خيار آخر سوى محاولة الحصول على تصاريح عمل يومية في إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية، أو العمل لدى السلطة الفلسطينية.
بعد الحرب، علّقت إسرائيل إصدار تصاريح العمل وقيّدت تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية، ما أجبر هذه الأخيرة على خفض الرواتب. ونتيجةً لذلك، تضاعفت البطالة في الضفة الغربية ثلاث مرات، وتفاقمت حالة الفقر بين السكان.
تفاقمت أيضًا حدة التهديدات التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والناجمة عن عنف المستوطنين، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، والتهجير القسري، ومداهمات قوات الأمن الإسرائيلية. ونتيجةً لذلك، أفاد الفلسطينيون بشعور متزايد بالتهديد وانعدام الأمن.
تُظهر نتائجنا أيضًا أزمة ثقة فلسطينية في قيادتهم. يُبدي الفلسطينيون في الضفة الغربية تراجعًا في تقديرهم لدور السلطة الفلسطينية.
كما يشعر ثلاثة أرباع الفلسطينيين في الضفة الغربية بعدم الرضا عن الأداء العام للسلطة الفلسطينية في الرد على الصراع.
إن هذه العوامل مجتمعة ــ الدمار الذي خلفته الحرب والسياسات الإسرائيلية التي أثرت سلباً على الفلسطينيين وأدت إلى فقدان الثقة في قياداتهم ــ تحدد الأزمة التي يواجهها الفلسطينيون اليوم.
إن الفلسطينيين يعرفون ما يريدونه ــ الاستقلال والأمن وتحسين الاقتصاد وتوفير فرص عمل أفضل وتحسين الخدمات ــ ولكنهم لا يرون طريقا واضحا للمضي قدما.
بناءً على ذلك، تشير نتائج استطلاعنا إلى بعض مؤشرات اليأس المقلقة. فعندما سُئل المشاركون في الضفة الغربية وغزة عن استراتيجياتهم المفضلة للمضي قدمًا، أجابت أغلبية المشاركين بأنهم يريدون فقط أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل السابع من أكتوبر 2023، ولكن مع وظائف بأجور أفضل، وخدمات أفضل، ونوعية حياة أفضل.
وعلى الرغم من النتيجة التي تشير إلى أن أغلبية سكان غزة وأغلبية الفلسطينيين في الضفة الغربية مازالوا يفضلون حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، فإن ما يقرب من ثلثي الذين شاركوا في استطلاع الرأي في المناطق الثلاث يقولون إنه في ضوء الظروف السياسية الحالية والحقائق على الأرض، فإنهم يعتقدون أن الوضع الآن يقترب من واقع الدولة الواحدة حيث تسيطر إسرائيل على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية وغزة.
والخلاصة التي خرجنا بها من استطلاعاتنا التي أجريناها على مدى ثلاث سنوات هي أن الظروف الجائرة التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين خلقت مزيداً من التعقيد في إيجاد طريق للمضي قدماً.
تركز جهود المجتمع الدولي الحالية على ما يجب على الفلسطينيين القيام به في المرحلة الحالية، لكن التهديد الحقيقي للسلام والاستقرار يتمثل في الحكومة الإسرائيلية التي رفضت جميع المقترحات التي تدعو إلى إنهاء هجومها على قطاع غزة، وسحب قواتها، وإعطاء السلطة الفلسطينية دورًا في قطاع غزة، وأي اقتراح بإدراج استقلال فلسطين أو سيادتها على جدول الأعمال.
هذا التعنت الإسرائيلي المتواصل هو ما يجب معالجته والتركيز عليه. فبدلاً من تحميل الفلسطينيين وحدهم عبء الإصلاح، ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية والدول العربية اتخاذ إجراءات ملموسة لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها، وفرض وصاية دولية مع نشر قوة لحفظ السلام في الأراضي المحتلة.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك