العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

قضايا و آراء

دول الناتو في ظل التحولات الجديدة في أوروبا

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ١٦ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

بعد‭ ‬أن‭ ‬تجاوزت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬مرحلة‭ ‬تداعيات‭ ‬الانهيار‭ ‬المدوي‭ ‬والسريع‭ ‬لاتحاد‭ ‬الجمهوريات‭ ‬الاشتراكية‭ ‬السوفيتية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والأمني‭ ‬وعلى‭ ‬استقرار‭ ‬البلاد،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تمكنت‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لمحاولات‭ ‬القوى‭ ‬المتطرفة‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬بدعم‭ ‬ومساندة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬تفكيك‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وانقسامه‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬جمهورية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬استعادت‭ ‬روسيا‭ ‬عافيتها‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وأمنيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬بعد‭ ‬تسلم‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬خلفا‭ ‬للرئيس‭ ‬بوريس‭ ‬يلتسين‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الجديدة‭ ‬عملت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لدرجة‭ ‬أنها‭ ‬تقدمت‭ ‬بطلب‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬روسية‭ ‬لتكون‭ ‬روسيا‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تشكيل‭ ‬أوروبا‭ ‬الجديدة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬مع‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وبروز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كقوة‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬لم‭ ‬تتجاوب‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المحاولات‭ ‬الروسية‭ ‬بل‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬مشاغبة‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للإضرار‭ ‬بها‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬استقرارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬والجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬لتكون‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬خنجرا‭ ‬في‭ ‬الخاصرة‭ ‬الروسية‭ ‬رغم‭ ‬الاعتراضات‭ ‬الروسية‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬واضحة‭ ‬للاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬ضم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬المستجدات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مع‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬وعودته‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬ترامب‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬أمريكا‭ ‬أولا‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبادل‭ ‬زيارات‭ ‬الوفود‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬للخلافات‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬ومراعاة‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لتحسين‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬ولذلك‭ ‬تواصل‭ ‬دعمها‭ ‬وتشجيعها‭ ‬للجمهوريات‭ ‬السوفيتية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬الروسية‭ ‬وتبني‭ ‬سياسات‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬شاهدنا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التوتر‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬أذربيجان‭ ‬وقبلها‭ ‬الخلاف‭ ‬الذي‭ ‬نشب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وجمهورية‭ ‬أرمينيا‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬مقتنعة‭ ‬بالتغيرات‭ ‬التي‭ ‬حدث‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ولذلك‭ ‬هي‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬مناكفة‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬به‭ ‬غير‭ ‬مدركة‭ ‬أن‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬عامة‭ ‬وفي‭ ‬أوروبا‭ ‬خاصة‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬وأن‭ ‬العالم‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تجاوز‭ ‬خلافات‭ ‬الماضي‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬جديدة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬شبك‭ ‬المصالح‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتجارية،‭ ‬ولذلك‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬إلا‭ ‬خيار‭ ‬واحد‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المعادلة‭ ‬الدولية‭ ‬الجديدة‭ ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬القبول‭ ‬بالوضع‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬لبناء‭ ‬أوروبا‭ ‬الجديدة‭ ‬يسودها‭ ‬السلام‭ ‬والاستقرار‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬تراعي‭ ‬مصالح‭ ‬الجميع،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لمحاولات‭ ‬الإضرار‭ ‬بروسيا‭ ‬وإلا‭ ‬ستجد‭ ‬نفسها‭ ‬خارج‭ ‬التشكيل‭ ‬الدولي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتكون‭ ‬وبالتالي‭ ‬تبقى‭ ‬وحيدة‭ ‬منفردة‭ ‬تسبح‭ ‬عكس‭ ‬اتجاه‭ ‬الريح،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬أوروبا‭ ‬نفسها‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تدعم‭ ‬جهود‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬حفاظا‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا