بعد أن تجاوزت روسيا الاتحادية مرحلة تداعيات الانهيار المدوي والسريع لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في بداية التسعينيات من القرن الماضي وتأثيرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني وعلى استقرار البلاد، وبعد أن تمكنت الدولة الروسية من وضع حد لمحاولات القوى المتطرفة للانفصال عن الاتحاد الروسي بدعم ومساندة من القوى الغربية التي سعت إلى تفكيك الاتحاد الروسي بعد أن نجحت في تفكيك الاتحاد السوفيتي وانقسامه إلى 15 جمهورية، وبعد أن استعادت روسيا عافيتها اقتصاديا وسياسيا وأمنيا وعسكريا بعد تسلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الحكم في روسيا خلفا للرئيس بوريس يلتسين مع بداية الألفية الجديدة عملت روسيا الاتحادية على تحسين علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي لدرجة أنها تقدمت بطلب للانضمام إلى الاتحاد في محاولة روسية لتكون روسيا جزءا لا يتجزأ من أوروبا في إطار تشكيل أوروبا الجديدة بعد انتهاء الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة وحيدة في العالم لإعادة بناء الثقة بين الدول الأوروبية وإقامة علاقات قائمة على الثقة الاحترام المتبادل.
إلا أنه مع الأسف الشديد لم تتجاوب الدول الأوروبية مع هذه المحاولات الروسية بل عملت على مواصلة مشاغبة روسيا في محاولة للإضرار بها والتأثير على استقرارها من خلال السعي إلى ضم المزيد من دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفيتية السابقة إلى حلف الناتو في محاولة للوصول إلى الحدود الروسية لتكون هذه الدول خنجرا في الخاصرة الروسية رغم الاعتراضات الروسية المتكررة على محاولات حلف الناتو في مخالفة واضحة للاتفاق الذي تم التوصل إليه في تسعينيات القرن الماضي التي تنص على عدم ضم المزيد من الدول لحلف شمال الأطلسي «الناتو».
وبالرغم من المستجدات التي حدثت في العلاقات الروسية الأمريكية مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم وعودته إلى البيت الأبيض والتي أدت إلى تحسين العلاقات الأمريكية الروسية في إطار النهج الذي تبناه ترامب القائم على مبدأ أمريكا أولا بالتركيز على الجانب الاقتصادي من خلال تبادل زيارات الوفود لوضع حد للخلافات وبناء علاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة، إلا أن الدول الغربية على ما يبدو غير مستعدة إلى الآن لتحسين علاقاتها مع روسيا الاتحادية، ولذلك تواصل دعمها وتشجيعها للجمهوريات السوفيتية السابقة على الخروج من تحت المظلة الروسية وتبني سياسات معادية لروسيا الاتحادية، شاهدنا ذلك في التوتر الذي حدث مؤخرا في العلاقات بين روسيا الاتحادية وجمهورية أذربيجان وقبلها الخلاف الذي نشب بين روسيا وجمهورية أرمينيا.
من الواضح أن الدول الغربية لا تزال غير مقتنعة بالتغيرات التي حدث على الساحة الدولية خلال الفترة الأخيرة، ولذلك هي مصرة على مناكفة الدب الروسي على أمل إلحاق هزيمة استراتيجية به غير مدركة أن موازين القوى في العالم عامة وفي أوروبا خاصة قد تغيرت وأن العالم يسير في اتجاه تجاوز خلافات الماضي وبناء علاقات جديدة قائمة على شبك المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية، ولذلك ليس أمام دول حلف الناتو في ظل المتغيرات التي حدثت في أوروبا والعالم كما أسلفنا إلا خيار واحد إن هي أرادت أن تكون جزءا من المعادلة الدولية الجديدة وهو خيار القبول بالوضع الجديد في القارة العجوز لبناء أوروبا الجديدة يسودها السلام والاستقرار وبناء علاقات تراعي مصالح الجميع، ووضع حد لمحاولات الإضرار بروسيا وإلا ستجد نفسها خارج التشكيل الدولي الجديد الذي بدأ يتكون وبالتالي تبقى وحيدة منفردة تسبح عكس اتجاه الريح، وهذا ليس في صالح الدول الغربية ولا في صالح أوروبا نفسها وخصوصا أن كل المؤشرات تؤكد أن أغلب دول العالم تدعم جهود تحسين العلاقات بين الدول الأوروبية وروسيا الاتحادية حفاظا على الأمن والسلم الدوليين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك