عرض نادي توبلي مسرحية (عندما يأتي جهاد)، ضمن المهرجان المسرحي الرابع للأندية الذي كانت تشرف عليه المؤسسة العامة للشباب والرياضة في عام 1988م.
يتأطر المخزون الإخراجي في مسرحية (عندما يأتي جهاد) للكاتب والمخرج الفنان الراحل حمزة محمد في البعد الرمزي.
وتتجلى هذه القيمة الدلالية في تحريك الممكنات المادية بدءا من التكوين البشري المتمثل في شخصية (جهاد)، وحركة ظهوره المفاجئة على خشبة المسرح، واختفائه منها بصورة درامية.
لا تمثل شخصية (جهاد)، إنسانا ماديا، بل تمثل المستوى الرمزي المعبر عنه بالإنسان الذي يمثل قيم الشموخ والعزة والإباء.
إن غياب (جهاد) الفيزيائي بعد ظهوره على خشبة المسرح، واختفائه قسراَ على يد العناصر البشرية التي وظفها المخرج (حمزة)، وما سبقه من غياب (أم جهاد)، يشي بخطورة الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي.
إن تدخل العناصر الفيزيائية الأخرى المتمثلة في الشمعة التي تعبر عن المستوى الواعي للتمسك بالقيم الوطنية، والأداة المخلًصة، والأمل الواعد، للمقاومة الفلسطينية (1).
ولقد لعبت سينوغرافية المسرح في إعطاء هذا المؤشر الدلالي، بعد توظيف المحرك الظلي للمكونات البشرية.
وتزامن مع هذا المؤشر حركة أنعشت المستوى الدرامي، فحركت الممثلين الذين صنعوا الظل من خلال مستوى الإخراج الفني الراقي، عاد بالذاكرة التاريخية إلى مواطن الهجرة التي تعرض لها الفلسطينيون إبان الغزو الإسرائيلي.
ففي بداية ظهور العناصر البشرية، تكونت المدركات البصرية للممثلين، الذين يرمزون الى الدول العربية وما يقبعون فيه من نزعات قبلية مدمرة لواقعهم، في تكوين دائري، وفي حركة فنية ذات امتداد دائري استطاع المخرج تحريك الضوء، وفق التوقعات الكلامية المتنقلة، لنقل معاناة (جهاد)، وظف فيها المقولات الشعرية للشاعر محمود درويش، لتعبر عن العمق الدلالي لمستوى الألم الذي تعيشه الأمة العربية وما أعقبه من حزن مدمر على لسان (جهاد) ففي حركة متنقلة من مشهد المسرحية، في مشهد درامي مؤثر، وظف المخرج العنصر البشري للحركة الفعلية المتمثلة في افتراس العنصر المقاوم.
هذه المعادلة التصادمية ولدت الحضور الشعري المتزامن مع مؤشرات الحركة الدرامية
يأتي الصباح حزينا
يخبئ في ألوانه الواعدة
وفي الأرض جرحي المستفيض
وصوتك كان اتساع المدى
علمتني ضربة الجلاد أن أمشي
الشاعر محمود درويش
إن اختراق الحواجز البشرية، وتسللها تحت أقدام الممثلين، وما صحبه من أصوات صراخ، قدًم مؤشرا لحالة من الاختراق المادي، لوضع الأراضي الفلسطينية، وقد تشكلت تماهيات المعاناة، بعد دخول الجنود الساحقة لإرادة الشعب، كما استحضر المخرج المنتج الكلامي للشاعر إسماعيل عبدعلي وأداء وألحان الفنان القدير إبراهيم الدوسري (2).
(مرحبا بالموت عزا لا لموت الجبناء)
إسماعيل عبدعلي
وقد ظهرت حوارات خفية لشخصية كان لها حضور زمني ضئيل، ولتصنع دراما حوارية (بينه) وبين جهاد، حول مفهوم الإنسانية، وما آلت إليه من سحق، بعد أن صنع الإنسان، آلات الدمار والحرب، وخلف وراءها، الجثث المتعفنة.
ويمكن القول بأن المخرج استطاع أن يستثمر المكونات الفيزيائية، والبصرية، والسمعية، والبشرية، لتوليد دلالة رمزية، تعبر عن هواجس منتج النص، والمستوى الإيديولوجي، الذي يبحث عن واقع الأمة العربية.
وقد وظف المخرج الحركة الجسدية (لغة الجسد)، للمثل صلاح خليل الذي يؤدي دور جهاد ليعبر عن البعد الرمزي المتأزم، الذي يبحث عن الخلاص، بعد أن تناوبت حركة اليدين في أداء متسارع، في شكل بصري، لتضرب بخشبة المسرح، كأنها تبحث عن شيء مخلص، على شكل لولبي متواصل.
إن حركة الممثلين وهم نائمون على خشبة المسرح، لينهضوا تدريجيا، وهم يرددون عبارة نيام، نيام، ليعبروا عن واقع الأمة العربية، يعدّ ممكنا فنيا للمخرج حمزة محمد.
إن حركة الممثل الفنان المبدع القدير حسن الواوي -رحمه الله- وهو يؤدي دور الكلب الذي يمر بين الممثلين، ليشمهم، ليعبر عن الأساليب التي يطبقها العدو الإسرائيلي، على المقاومة الفلسطينية، يدل على قدرة المخرج (حمزة)، في التخيل والإبداع الفني.
إن المخرج والفنان الراحل حمزة محمد استطاع أن يحرك الممثلين على خشبة المسرح بشكل فني درامي، وهذا ما رأيناه في جميع المسرحيات التي تميز وأبدع في إخراجها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك