العدد : ١٧٢٨٤ - السبت ١٩ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٨٤ - السبت ١٩ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ محرّم ١٤٤٧هـ

الثقافي

المؤشرات الرمزية وحركة الإخراج في مسرحية (عندما يأتي جهاد) تأليف وإخراج حمزة محمد

السبت ١٩ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

عرض‭ ‬نادي‭ ‬توبلي‭ ‬مسرحية‭ (‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬جهاد‭)‬،‭ ‬ضمن‭ ‬المهرجان‭ ‬المسرحي‭ ‬الرابع‭ ‬للأندية‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تشرف‭ ‬عليه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العامة‭ ‬للشباب‭ ‬والرياضة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1988م‭.‬

يتأطر‭ ‬المخزون‭ ‬الإخراجي‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ (‬عندما‭ ‬يأتي‭ ‬جهاد‭) ‬للكاتب‭ ‬والمخرج‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬حمزة‭ ‬محمد‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬الرمزي‭. ‬

وتتجلى‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬الدلالية‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬الممكنات‭ ‬المادية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬التكوين‭ ‬البشري‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ (‬جهاد‭)‬،‭ ‬وحركة‭ ‬ظهوره‭ ‬المفاجئة‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬واختفائه‭ ‬منها‭ ‬بصورة‭ ‬درامية‭.‬

لا‭ ‬تمثل‭ ‬شخصية‭ (‬جهاد‭)‬،‭ ‬إنسانا‭ ‬ماديا،‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬المستوى‭ ‬الرمزي‭ ‬المعبر‭ ‬عنه‭ ‬بالإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬قيم‭ ‬الشموخ‭ ‬والعزة‭ ‬والإباء‭.‬

إن‭ ‬غياب‭ (‬جهاد‭) ‬الفيزيائي‭ ‬بعد‭ ‬ظهوره‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬واختفائه‭ ‬قسراَ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العناصر‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬وظفها‭ ‬المخرج‭ (‬حمزة‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬غياب‭ (‬أم‭ ‬جهاد‭)‬،‭ ‬يشي‭ ‬بخطورة‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭. ‬

إن‭ ‬تدخل‭ ‬العناصر‭ ‬الفيزيائية‭ ‬الأخرى‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الشمعة‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬الواعي‭ ‬للتمسك‭ ‬بالقيم‭ ‬الوطنية،‭ ‬والأداة‭ ‬المخلًصة،‭ ‬والأمل‭ ‬الواعد،‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ (‬1‭).‬

ولقد‭ ‬لعبت‭ ‬سينوغرافية‭ ‬المسرح‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬الدلالي،‭ ‬بعد‭ ‬توظيف‭ ‬المحرك‭ ‬الظلي‭ ‬للمكونات‭ ‬البشرية‭. ‬

وتزامن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬حركة‭ ‬أنعشت‭ ‬المستوى‭ ‬الدرامي،‭ ‬فحركت‭ ‬الممثلين‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬الظل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مستوى‭ ‬الإخراج‭ ‬الفني‭ ‬الراقي،‭ ‬عاد‭ ‬بالذاكرة‭ ‬التاريخية‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬الهجرة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬إبان‭ ‬الغزو‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ففي‭ ‬بداية‭ ‬ظهور‭ ‬العناصر‭ ‬البشرية،‭ ‬تكونت‭ ‬المدركات‭ ‬البصرية‭ ‬للممثلين،‭ ‬الذين‭ ‬يرمزون‭ ‬الى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬يقبعون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬نزعات‭ ‬قبلية‭ ‬مدمرة‭ ‬لواقعهم،‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬دائري،‭ ‬وفي‭ ‬حركة‭ ‬فنية‭ ‬ذات‭ ‬امتداد‭ ‬دائري‭ ‬استطاع‭ ‬المخرج‭ ‬تحريك‭ ‬الضوء،‭ ‬وفق‭ ‬التوقعات‭ ‬الكلامية‭ ‬المتنقلة،‭ ‬لنقل‭ ‬معاناة‭ (‬جهاد‭)‬،‭ ‬وظف‭ ‬فيها‭ ‬المقولات‭ ‬الشعرية‭ ‬للشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬لتعبر‭ ‬عن‭ ‬العمق‭ ‬الدلالي‭ ‬لمستوى‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬أعقبه‭ ‬من‭ ‬حزن‭ ‬مدمر‭ ‬على‭ ‬لسان‭ (‬جهاد‭) ‬ففي‭ ‬حركة‭ ‬متنقلة‭ ‬من‭ ‬مشهد‭ ‬المسرحية،‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬درامي‭ ‬مؤثر،‭ ‬وظف‭ ‬المخرج‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬للحركة‭ ‬الفعلية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬افتراس‭ ‬العنصر‭ ‬المقاوم‭.‬

هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬التصادمية‭ ‬ولدت‭ ‬الحضور‭ ‬الشعري‭ ‬المتزامن‭ ‬مع‭ ‬مؤشرات‭ ‬الحركة‭ ‬الدرامية‭ ‬

يأتي‭ ‬الصباح‭ ‬حزينا

يخبئ‭ ‬في‭ ‬ألوانه‭ ‬الواعدة

وفي‭ ‬الأرض‭ ‬جرحي‭ ‬المستفيض

وصوتك‭ ‬كان‭ ‬اتساع‭ ‬المدى

علمتني‭ ‬ضربة‭ ‬الجلاد‭ ‬أن‭ ‬أمشي

الشاعر‭ ‬محمود‭ ‬درويش

إن‭ ‬اختراق‭ ‬الحواجز‭ ‬البشرية،‭ ‬وتسللها‭ ‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬الممثلين،‭ ‬وما‭ ‬صحبه‭ ‬من‭ ‬أصوات‭ ‬صراخ،‭ ‬قدًم‭ ‬مؤشرا‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ ‬الاختراق‭ ‬المادي،‭ ‬لوضع‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وقد‭ ‬تشكلت‭ ‬تماهيات‭ ‬المعاناة،‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الجنود‭ ‬الساحقة‭ ‬لإرادة‭ ‬الشعب،‭ ‬كما‭ ‬استحضر‭ ‬المخرج‭ ‬المنتج‭ ‬الكلامي‭ ‬للشاعر‭ ‬إسماعيل‭ ‬عبدعلي‭ ‬وأداء‭ ‬وألحان‭ ‬الفنان‭ ‬القدير‭ ‬إبراهيم‭ ‬الدوسري‭ (‬2‭).‬

‭(‬مرحبا‭ ‬بالموت‭ ‬عزا‭ ‬لا‭ ‬لموت‭ ‬الجبناء‭)‬

إسماعيل‭ ‬عبدعلي

وقد‭ ‬ظهرت‭ ‬حوارات‭ ‬خفية‭ ‬لشخصية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬زمني‭ ‬ضئيل،‭ ‬ولتصنع‭ ‬دراما‭ ‬حوارية‭ (‬بينه‭) ‬وبين‭ ‬جهاد،‭ ‬حول‭ ‬مفهوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬سحق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صنع‭ ‬الإنسان،‭ ‬آلات‭ ‬الدمار‭ ‬والحرب،‭ ‬وخلف‭ ‬وراءها،‭ ‬الجثث‭ ‬المتعفنة‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬المخرج‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يستثمر‭ ‬المكونات‭ ‬الفيزيائية،‭ ‬والبصرية،‭ ‬والسمعية،‭ ‬والبشرية،‭ ‬لتوليد‭ ‬دلالة‭ ‬رمزية،‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬هواجس‭ ‬منتج‭ ‬النص،‭ ‬والمستوى‭ ‬الإيديولوجي،‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭.‬

وقد‭ ‬وظف‭ ‬المخرج‭ ‬الحركة‭ ‬الجسدية‭ (‬لغة‭ ‬الجسد‭)‬،‭ ‬للمثل‭ ‬صلاح‭ ‬خليل‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬دور‭ ‬جهاد‭ ‬ليعبر‭ ‬عن‭ ‬البعد‭ ‬الرمزي‭ ‬المتأزم،‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬الخلاص،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تناوبت‭ ‬حركة‭ ‬اليدين‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬متسارع،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬بصري،‭ ‬لتضرب‭ ‬بخشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬كأنها‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬مخلص،‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬لولبي‭ ‬متواصل‭.‬

إن‭ ‬حركة‭ ‬الممثلين‭ ‬وهم‭ ‬نائمون‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬لينهضوا‭ ‬تدريجيا،‭ ‬وهم‭ ‬يرددون‭ ‬عبارة‭ ‬نيام،‭ ‬نيام،‭ ‬ليعبروا‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية،‭ ‬يعدّ‭ ‬ممكنا‭ ‬فنيا‭ ‬للمخرج‭ ‬حمزة‭ ‬محمد‭.‬

إن‭ ‬حركة‭ ‬الممثل‭ ‬الفنان‭ ‬المبدع‭ ‬القدير‭ ‬حسن‭ ‬الواوي‭ -‬رحمه‭ ‬الله‭- ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬دور‭ ‬الكلب‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بين‭ ‬الممثلين،‭ ‬ليشمهم،‭ ‬ليعبر‭ ‬عن‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يطبقها‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المخرج‭ (‬حمزة‭)‬،‭ ‬في‭ ‬التخيل‭ ‬والإبداع‭ ‬الفني‭.‬

إن‭ ‬المخرج‭ ‬والفنان‭ ‬الراحل‭ ‬حمزة‭ ‬محمد‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحرك‭ ‬الممثلين‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬بشكل‭ ‬فني‭ ‬درامي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المسرحيات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬وأبدع‭ ‬في‭ ‬إخراجها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا