العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣٠ - الأربعاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١١ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

ثقافة الأرقام

متى‭ ‬ستتحرر‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬غرسوها‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين؟‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬تقدمنا‭ ‬وتحضرنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬البالية‭ ‬المغروسة‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬أصبحت‭ ‬كالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬منها‭: ‬وصف‭ ‬كل‭ ‬سن‭ ‬برقم‭!!‬

ما‭ ‬إن‭ ‬تصبح‭ ‬البنت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ‭(‬18‭) ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ (‬جاهزة‭ ‬للزواج‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـ‭(‬25‭) ‬حتى‭ ‬تتسارع‭ ‬دقات‭ ‬قلب‭ ‬أمها‭ ‬خوفا‭ ‬لأن‭ ‬ابنتها‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬العنوسة‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تطأ‭ ‬قدمها‭ ‬سن‭ ‬الـ‭(‬30‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تصبح‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المجتمع‭ ‬عانسا‭ ‬ومسكينة‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬نجاحها‭ ‬العملي‭ ‬أو‭ ‬جمالها‭ ‬فهي‭ ‬مسكينة‭ ‬في‭ (‬30‭) ‬ولم‭ ‬تتزوج‭ ‬وكأن‭ ‬الزواج‭ ‬مرتبط‭ ‬بسن‭ ‬معينة‭ ‬فقط‭ ‬بعدها‭ ‬تنتهي‭ ‬صلاحية‭ ‬وجودة‭ ‬المرأة،‭ ‬أما‭ ‬لو‭ ‬فكرت‭ ‬المرأة‭ ‬العزباء‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ‭(‬40‭) ‬أو‭ (‬50‭) ‬فينظرون‭ ‬إليها‭ ‬نظرة‭ ‬البضاعة‭ ‬المعيوبة‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬واحد‭ ‬معيوب‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ (‬مطلقا،‭ ‬أرمل،‭ ‬كسيحا،‭ ‬رد‭ ‬سجون،‭ ‬متزوجا‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬غيرها،‭ ‬مدمنا‭ ‬سابقا‭) ‬أي‭ ‬رجل‭ ‬غير‭ ‬عازب‭.. ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬ترضى‭ ‬بأي‭ ‬وكل‭ ‬شروطه‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صعبة؛‭ ‬لأنها‭ ‬بضاعة‭ ‬فاسدة‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المجتمع‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬شكلها‭ ‬ولياقتها‭ ‬البدنية‭ ‬والصحية‭ ‬وعن‭ ‬أهميتها‭ ‬أو‭ ‬قيمتها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬فهي‭ ‬تخطت‭ ‬الرقم‭ ‬المغروس‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬لسنوات‭ ‬الزواج‭ ‬بمراحل‭.‬

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬رقم‭ ‬سن‭ ‬الزواج،‭ ‬فهناك‭ ‬أرقاما‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬مثل‭ ‬اللبس‭ ‬والألوان‭ ‬فالمرأة‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تدخل‭ ‬سن‭ ‬الـ‭(‬40‭) ‬فمن‭ ‬عيب‭ ‬أن‭ ‬تلبس‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬والوردي‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الخمسين‭ (‬يا‭ ‬نهار‭ ‬اسود‭ ‬ومنيل‭ ‬بستين‭ ‬نيلة‭ ‬الست‭ ‬اتجننت‭ ‬يا‭ ‬ناس‭ ‬وبتلبس‭ ‬الاحمر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬خشى‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬سن‭ (‬60‭) ‬فهو‭ ‬سن‭ ‬الكبار‭ ‬سنا‭ ‬عندنا‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل‭ ‬ان‭ ‬يتجهزا‭ ‬للقبر‭ ‬والموت‭ ‬وتكون‭ ‬قائمة‭ ‬الممنوعات‭ ‬والعيب‭ ‬أطول‭ ‬فالرياضة،‭ ‬الرشاقة،‭ ‬التزيين،‭ ‬الجمال‭ ‬وعالم‭ ‬الموضة،‭ ‬الزواج،‭ ‬الضحك،‭ ‬الرقص،‭ ‬الغناء،‭ ‬الخروج‭ ‬مع‭ ‬الأصحاب،‭ ‬السفر،‭ ‬الكوفي‭ ‬شوب،‭ ‬مطاعم،‭ ‬كلها‭ ‬عيب‭ ‬وحرام‭.‬

لقد‭ ‬ارتبط‭ ‬التمتع‭ ‬بالحياة‭ ‬والسعادة‭ ‬بسن‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬فقط،‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬فالإنسان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬نفسه‭ ‬وكل‭ ‬متع‭ ‬الحياة‭ ‬لمجرد‭ ‬انه‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ (‬60‭ ‬أو‭ ‬70‭) ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬الناس‭.‬

اعترف‭ ‬انني‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الـ‭(‬50‭) ‬ام‭ ‬لبنت‭ ‬جميلة‭ ‬وجدة‭ ‬لحفيدات‭ ‬جميلات‭ ‬أحب‭ ‬الحياة‭ ‬جدا‭ ‬جدا‭ ‬نذهب‭ ‬جميعا‭ ‬للصالون‭ (‬ندلع‭ ‬روحنا‭) ‬ونضع‭ ‬المناكير‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬ابنتي‭ ‬تميل‭ ‬منذ‭ ‬صغرها‭ ‬للألوان‭ ‬الهادئة‭ (‬النود‭) ‬عكسي‭ ‬تماما،‭ ‬فأنا‭ ‬منذ‭ ‬صغري‭ ‬أحب‭ ‬الألوان‭ ‬الصارخة‭ ‬هي‭ ‬تضع‭ ‬ألوان‭ ‬النود‭ ‬وأنا‭ ‬وحفيداتي‭ ‬نضع‭ ‬اللوان‭ ‬الوردي‭ ‬والأحمر‭ ‬الفلاش،‭ ‬لن‭ ‬أخجل‭ ‬أو‭ ‬أخاف‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬الناس‭ ‬سألبس‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬واللون‭ ‬الذي‭ ‬أحبه‭ ‬وسأسافر‭ ‬واستمتع‭ ‬بكل‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬ولن‭ ‬ألتفت‭ ‬أبدا‭ ‬لثقافة‭ ‬الأرقام‭ ‬غير‭ ‬المنصفة‭ ‬أبدا‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬العربي‭.‬

أما‭ ‬الكارثة‭ ‬الحقيقية‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعاير‭ ‬النساء‭ ‬العربيات‭ ‬اللاتي‭ ‬يتمتعن‭ ‬بحياتهن‭ ‬ولياقتهن‭ ‬وملابسهن‭ ‬واهتمامهن‭ ‬بأنفسهن‭ ‬وينعتهن‭ ‬بالتصابي‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم‭ ‬يمدحون‭ ‬المرأة‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بنفسها‭ ‬مهما‭ ‬تقدمت‭ ‬في‭ ‬العمر‭ ‬فأي‭ ‬ثقافة‭ ‬هذه‭ ‬وأي‭ ‬أفكار‭ ‬هذه‭ ‬مازلتم‭ ‬مؤمنين‭ ‬ومتمسكين‭ ‬بها؟‭!‬

يا‭ ‬ترى‭ ‬أنتم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬وبأي‭ ‬ثقافة‭ ‬تؤمنون؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا