القراء الأعزاء،
لا يكاد يمر يوم دون أن اتلقّى اتصالا يتعلق باستشارة حول طلب الطلاق وتبعاته، لذلك كثراً ما يراودني السؤال حول أسباب هذا الوضع الذي قارب أن يكون ظاهرة بحيث ان بعض الزيجات لا تستطيع أن تصمد مدة عامٍ واحد من الزمن، إن لم يكن شهوراً معدودة، وأظنّ بأنني قد وصلت إلى أحد أهم أسبابه وهو فكرة أن الوضع العام المعاصر لم يعُد مصمّماً لتكوين أسرة طبيعية ولا لاستمرار الزواج إن تمّ أصلاً.
وفي المقابل، كثيراً ما تساءلت عن أسباب ديمومة زواج الأجيال الماضية من أجدادنا وآبائنا ومن سبقوهم؟ وعما الذي اختلف على صعيد الإنسانية وتسبب في ذلك؟ فقد كانت الزيجات ناجحة بنسبة كبيرة وأن وقوع الطلاق يُعد حالة استثنائية في بعض الحالات التي يكون فيها هو الخيار الأوحد في ظل أن (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، في الوقت الذي كان دور الأسرة الكبيرة مؤثرا إلى حدٍ كبير في توطيد أركان الأسرة الصغيرة بالتدخل والنصح وفضّ النزاعات الأسرية بصورة منصفة بلا ضرر ولا ضرار.
وقتها كانت دائرة العلاقات بين الجنسين ضيقة إلى حد كبير باعتبار العادات والتقاليد وخصوصية المرأة باعتبارها عورة لا تنكشف على غير مُحرميها، فكان للرضا بالآخر دور كبير في استمرار الزوجية، لأن طرفيها لم يتح لهما أن يختلطا بأشخاص كثر من الجنسين، فكان كل منهما يقنع بقسمته ونصيبه، يُعزز ذلك بالتأكيد طبيعة المجتمع وتمسّكه بالدين والتقاليد والأخلاق السائدة فيه التي تقوم على مبادئ سامية كالرضا والوفاء والأمانة والحرص على السمعة والتزام الحدود واحترام حرمة الآخرين.
بينما في الوقت الحاضر تلعب وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح العام المترتب عليها دوراً كبيراً في تقويض أسس العلاقات الزوجية، بسبب سهولة تكوين العلاقات خارج إطار الزوجية الأمر الذي يؤثر بلا شك على العاطفة وبالتالي على استقرار الأسرة.
ففي هذه البيئة المعاصرة كل شيء مُباح، وكل شيء متاح، ولا أعني بأنه مباح في ضمير المجتمع ودينه وعاداته وتقاليده، بل مُباح في أذهان مرتادي هذه الوسائل من الأجيال المختلفة ولا سيما الشابة منها، وأهمها تلك التي تربّت على أيدي العاملات الأجنبيات والمسلسلات التي تروّج للعلاقات غير الشرعية، وعلى الألواح الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي ولاسيما تلك التي أتيحت لهم دون رقابة ودون شرطٍ أو قيد، ويسهل عليها الوصول إلى أي شيء دون عناء.
وفي مثل هذه الأجواء يصعب كثيراً أمام الأسرة الناشئة أن تصمد وتستمر إلا نادراً، ولربما إن صحّ التشبيه فإن ذلك قد يتطلب جهداً يوازي جهد المؤمنين في تمسّكهم وحفاظهم على الدين الإسلامي في آخر الزمان، فيصبح القابض منهم على بقاء أسرته كالقابض على جمرة من النار، ليس لأنه طرفيها سيئان في كثير من الأحيان، بل لأن المحيط الذي يعيشان فيه لم يعد مُصمماً لنشأة أسرة طبيعية واستقرارها واستمرارها إن نشأت، ويعيدني هذا الرأي إلى ما سبق أن قرأته للدكتورة كاميليا حلمي محمد بعنوان (المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة).
وقد كنت أتمنى أن ينتهي مقالي بمقترح قد يكون ذا فائدة، ولكن يصعب عليّ ذلك، لأن الحرص على تكوين الأسرة واستمرارها واستقرارها هو شعور ورغبة ذاتية من حيث الأصل لذا يتوجب تعزيز الوعي بها ذاتياً من جانب المعنيين بها، وربما تُساعد التوعية بها من قبل جهات مختلفة رسمية وأهلية وتلعب دوراً في نماء الشعور والوعي بها.
ومن المؤكد بأننا هنا لندق الناقوس، لعل الذكرى تنفع المؤمنين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك