العدد : ١٧٢٧٢ - الاثنين ٠٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٧٢ - الاثنين ٠٧ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ محرّم ١٤٤٧هـ

مقالات

لم يعد مصمما للاستقرار

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٠٦ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

القراء‭ ‬الأعزاء،

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يمر‭ ‬يوم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬اتلقّى‭ ‬اتصالا‭ ‬يتعلق‭ ‬باستشارة‭ ‬حول‭ ‬طلب‭ ‬الطلاق‭ ‬وتبعاته،‭ ‬لذلك‭ ‬كثراً‭ ‬ما‭ ‬يراودني‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬قارب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬بحيث‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬الزيجات‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬مدة‭ ‬عامٍ‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شهوراً‭ ‬معدودة،‭ ‬وأظنّ‭ ‬بأنني‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسبابه‭ ‬وهو‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬المعاصر‭ ‬لم‭ ‬يعُد‭ ‬مصمّماً‭ ‬لتكوين‭ ‬أسرة‭ ‬طبيعية‭ ‬ولا‭ ‬لاستمرار‭ ‬الزواج‭ ‬إن‭ ‬تمّ‭ ‬أصلاً‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تساءلت‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬ديمومة‭ ‬زواج‭ ‬الأجيال‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬أجدادنا‭ ‬وآبائنا‭ ‬ومن‭ ‬سبقوهم؟‭ ‬وعما‭ ‬الذي‭ ‬اختلف‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك؟‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الزيجات‭ ‬ناجحة‭ ‬بنسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬وأن‭ ‬وقوع‭ ‬الطلاق‭ ‬يُعد‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الأوحد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أن‭ (‬أبغض‭ ‬الحلال‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬الطلاق‭)‬،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬دور‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬مؤثرا‭ ‬إلى‭ ‬حدٍ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬توطيد‭ ‬أركان‭ ‬الأسرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬بالتدخل‭ ‬والنصح‭ ‬وفضّ‭ ‬النزاعات‭ ‬الأسرية‭ ‬بصورة‭ ‬منصفة‭ ‬بلا‭ ‬ضرر‭ ‬ولا‭ ‬ضرار‭.‬

وقتها‭ ‬كانت‭ ‬دائرة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الجنسين‭ ‬ضيقة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬باعتبار‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬وخصوصية‭ ‬المرأة‭ ‬باعتبارها‭ ‬عورة‭ ‬لا‭ ‬تنكشف‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬مُحرميها،‭ ‬فكان‭ ‬للرضا‭ ‬بالآخر‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬الزوجية،‭ ‬لأن‭ ‬طرفيها‭ ‬لم‭ ‬يتح‭ ‬لهما‭ ‬أن‭ ‬يختلطا‭ ‬بأشخاص‭ ‬كثر‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬فكان‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يقنع‭ ‬بقسمته‭ ‬ونصيبه،‭ ‬يُعزز‭ ‬ذلك‭ ‬بالتأكيد‭ ‬طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬وتمسّكه‭ ‬بالدين‭ ‬والتقاليد‭ ‬والأخلاق‭ ‬السائدة‭ ‬فيه‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬سامية‭ ‬كالرضا‭ ‬والوفاء‭ ‬والأمانة‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬السمعة‭ ‬والتزام‭ ‬الحدود‭ ‬واحترام‭ ‬حرمة‭ ‬الآخرين‭. ‬

بينما‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر‭ ‬تلعب‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والانفتاح‭ ‬العام‭ ‬المترتب‭ ‬عليها‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬أسس‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية،‭ ‬بسبب‭ ‬سهولة‭ ‬تكوين‭ ‬العلاقات‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الزوجية‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤثر‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬على‭ ‬العاطفة‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الأسرة‭.‬

ففي‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬المعاصرة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬مُباح،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬متاح،‭ ‬ولا‭ ‬أعني‭ ‬بأنه‭ ‬مباح‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬المجتمع‭ ‬ودينه‭ ‬وعاداته‭ ‬وتقاليده،‭ ‬بل‭ ‬مُباح‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬مرتادي‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬من‭ ‬الأجيال‭ ‬المختلفة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الشابة‭ ‬منها،‭ ‬وأهمها‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تربّت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬العاملات‭ ‬الأجنبيات‭ ‬والمسلسلات‭ ‬التي‭ ‬تروّج‭ ‬للعلاقات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وعلى‭ ‬الألواح‭ ‬الذكية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ولاسيما‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أتيحت‭ ‬لهم‭ ‬دون‭ ‬رقابة‭ ‬ودون‭ ‬شرطٍ‭ ‬أو‭ ‬قيد،‭ ‬ويسهل‭ ‬عليها‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬دون‭ ‬عناء‭. ‬

وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬يصعب‭ ‬كثيراً‭ ‬أمام‭ ‬الأسرة‭ ‬الناشئة‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬وتستمر‭ ‬إلا‭ ‬نادراً،‭ ‬ولربما‭ ‬إن‭ ‬صحّ‭ ‬التشبيه‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يتطلب‭ ‬جهداً‭ ‬يوازي‭ ‬جهد‭ ‬المؤمنين‭ ‬في‭ ‬تمسّكهم‭ ‬وحفاظهم‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الزمان،‭ ‬فيصبح‭ ‬القابض‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬أسرته‭ ‬كالقابض‭ ‬على‭ ‬جمرة‭ ‬من‭ ‬النار،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬طرفيها‭ ‬سيئان‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬بل‭ ‬لأن‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يعيشان‭ ‬فيه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مُصمماً‭ ‬لنشأة‭ ‬أسرة‭ ‬طبيعية‭ ‬واستقرارها‭ ‬واستمرارها‭ ‬إن‭ ‬نشأت،‭ ‬ويعيدني‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬قرأته‭ ‬للدكتورة‭ ‬كاميليا‭ ‬حلمي‭ ‬محمد‭ ‬بعنوان‭ (‬المواثيق‭ ‬الدولية‭ ‬وأثرها‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬الأسرة‭).‬

وقد‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬مقالي‭ ‬بمقترح‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذا‭ ‬فائدة،‭ ‬ولكن‭ ‬يصعب‭ ‬عليّ‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬واستمرارها‭ ‬واستقرارها‭ ‬هو‭ ‬شعور‭ ‬ورغبة‭ ‬ذاتية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصل‭ ‬لذا‭ ‬يتوجب‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬بها‭ ‬ذاتياً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المعنيين‭ ‬بها،‭ ‬وربما‭ ‬تُساعد‭ ‬التوعية‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهات‭ ‬مختلفة‭ ‬رسمية‭ ‬وأهلية‭ ‬وتلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬نماء‭ ‬الشعور‭ ‬والوعي‭ ‬بها‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬بأننا‭ ‬هنا‭ ‬لندق‭ ‬الناقوس،‭ ‬لعل‭ ‬الذكرى‭ ‬تنفع‭ ‬المؤمنين‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا