العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٢٦٧ - الأربعاء ٠٢ يوليو ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ محرّم ١٤٤٧هـ

مقالات

فعالية الخطط الحكومية.. بين المنهجية والتنفيذ

بقلم: عبير محمد دهام

الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠٢٥ - 02:00

يعد‭ ‬التخطيط‭ ‬الحكومي‭ ‬أداة‭ ‬قيادية‭ ‬للتحول‭ ‬المؤسسي‭. ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬العمل‭ ‬الإداري‭ ‬بل‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬القرار‭ ‬وتحديد‭ ‬الأولويات‭ ‬وإدارة‭ ‬الموارد‭ ‬بكفاءة‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬تنموية‭ ‬قابلة‭ ‬للقياس‭. ‬وعندما‭ ‬تتكامل‭ ‬الرؤية‭ ‬مع‭ ‬آليات‭ ‬التنفيذ‭ ‬يصبح‭ ‬التخطيط‭ ‬محركاً‭ ‬للتغيير‭ ‬الإيجابي‭ ‬يربط‭ ‬الطموح‭ ‬بالإمكانات‭ ‬ويترجم‭ ‬التوجهات‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬منجزات‭ ‬واقعية‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬متسارع‭ ‬في‭ ‬المبادرات‭ ‬وتنامٍ‭ ‬في‭ ‬متطلبات‭ ‬العمل‭ ‬المؤسسي،‭ ‬يبرز‭ ‬التفكير‭ ‬التحليلي‭ ‬في‭ ‬الخطط‭ ‬كمدخل‭ ‬أساسي‭ ‬لتحسين‭ ‬التنفيذ‭ ‬وتعزيز‭ ‬جاهزية‭ ‬الجهات‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬المتغيرات‭. ‬وتشكل‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الخطط‭ ‬العامة‭ ‬والتشغيلية‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬التكامل‭ ‬المؤسسي‭. ‬فضعف‭ ‬الربط‭ ‬بينهما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فجوة‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬فعالية‭ ‬الأداء،‭ ‬وعندما‭ ‬تنفصل‭ ‬الخطة‭ ‬عن‭ ‬الواقع‭ ‬التنفيذي‭ ‬تضعف‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تجسيد‭ ‬التوجيهات‭ ‬العليا‭ ‬وتفقد‭ ‬الخطط‭ ‬مرونتها‭ ‬وقابليتها‭ ‬للتطبيق‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬بناء‭ ‬أدوات‭ ‬مؤسسية‭ ‬تضمن‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬صياغة‭ ‬الخطط‭ ‬وتنفيذها‭ ‬يمثل‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الأداء‭ ‬الحكومي‭.‬

وتزداد‭ ‬فاعلية‭ ‬الخطط‭ ‬عندما‭ ‬تبنى‭ ‬على‭ ‬استقراء‭ ‬واقعي‭ ‬للقدرات‭ ‬والموارد‭ ‬ويُشرك‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬منذ‭ ‬مراحل‭ ‬الإعداد‭ ‬لا‭ ‬عند‭ ‬التنفيذ‭ ‬فقط‭. ‬فالميدان‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬الأصدق‭ ‬للمعرفة،‭ ‬وإدماج‭ ‬خبراتهم‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬لا‭ ‬يضيف‭ ‬فقط‭ ‬بعداً‭ ‬عملياً،‭ ‬وإنما‭ ‬يعزز‭ ‬شعور‭ ‬الموظف‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬ويخلق‭ ‬التزاماً‭ ‬ذاتياً‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬الإنجاز‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نجاح‭ ‬التنفيذ‭ ‬يتطلب‭ ‬قيادة‭ ‬مؤسسية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الخطة‭ ‬إلى‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬وتوزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬بوضوح‭ ‬ضمن‭ ‬شراكات‭ ‬منظمة‭ ‬تمنع‭ ‬التداخل‭ ‬وتعزز‭ ‬التكامل‭. ‬فالخطط‭ ‬لا‭ ‬تُفعّل‭ ‬بالنصوص‭ ‬وحدها‭ ‬بل‭ ‬بمنظومة‭ ‬تنفيذية‭ ‬مرنة‭ ‬تتسم‭ ‬بالوضوح‭ ‬والمسؤولية‭.‬

وتمثل‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرنانة‭ ‬تحدياً‭ ‬خفياً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيئات‭ ‬المؤسسية،‭ ‬حيث‭ ‬تُطلق‭ ‬مبادرات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬طموحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬بُنية‭ ‬تنفيذية‭ ‬داعمة‭ ‬أو‭ ‬تواصل‭ ‬فعّال‭. ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬يُترك‭ ‬الموظف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وضوح‭ ‬كاف‭ ‬للغرض‭ ‬أو‭ ‬آلية‭ ‬التنفيذ،‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬فراغاً‭ ‬يُملأ‭ ‬بالاجتهادات‭ ‬وقد‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬الوسطى‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬اطلاع‭ ‬كاف‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬التفعيل‭ ‬تسود‭ ‬الحيرة‭ ‬ويتباطأ‭ ‬الإنجاز‭ ‬وتضيع‭ ‬بوصلة‭ ‬التطبيق‭ ‬لتدخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬الإفتاء‭ ‬الإداري‮»‬‭ ‬والاجتهادات‭ ‬الميدانية،‭ ‬حيث‭ ‬تُستنزف‭ ‬الجهود‭ ‬في‭ ‬التأويل‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الإنجاز‭ ‬المنضبط‭. ‬فنجاح‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬صدى‭ ‬إعلانها‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬وضوح‭ ‬أهدافها‭ ‬وانضباط‭ ‬تنفيذها‭.‬

وتبقى‭ ‬مواءمة‭ ‬الخطط‭ ‬القطاعية‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬لتوحيد‭ ‬الجهود‭ ‬وتعظيم‭ ‬الأثر‭. ‬فالاستفادة‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬المحلية‭ ‬الناجحة‭ ‬وتفعيل‭ ‬التعلم‭ ‬المؤسسي‭ ‬ومأسسة‭ ‬التقييم‭ ‬المرحلي‭ ‬تسهم‭ ‬جميعها‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬موثوقية‭ ‬الخطط‭ ‬وتحويل‭ ‬الأهداف‭ ‬إلى‭ ‬منجزات‭ ‬قابلة‭ ‬للقياس‭. ‬فالتخطيط‭ ‬ليس‭ ‬وثيقة‭ ‬افتتاحية‭ ‬بل‭ ‬مسار‭ ‬متدرج‭ ‬يتطلب‭ ‬مراجعة‭ ‬مستمرة‭ ‬وتحسيناً‭ ‬ممنهجاً‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تبرز‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬كنموذج‭ ‬مؤسسي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬وضوح‭ ‬الرؤية‭ ‬وواقعية‭ ‬التنفيذ‭ ‬وتكامل‭ ‬الأدوار،‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬مسؤولية‭ ‬أكبر‭ ‬لتحويل‭ ‬الخطط‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬تنظيمية‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬فاعلة‭ ‬تحقق‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬العام‭. ‬فمراجعة‭ ‬الخطط‭ ‬ليست‭ ‬إجراءً‭ ‬شكلياً‭ ‬بل‭ ‬ممارسة‭ ‬تطويرية‭ ‬تسعى‭ ‬لتعظيم‭ ‬كفاءة‭ ‬الإنفاق‭ ‬وتحسين‭ ‬النتائج‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأثر‭ ‬المؤسسي‭.‬

ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬أطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تساؤلات‭ ‬مهنية‭ ‬مثل‭: ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ؟‭ ‬وهل‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬ملموسة؟‭ ‬وهي‭ ‬تساؤلات‭ ‬مشروعة‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬وعي‭ ‬إداري‭ ‬ناضج‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬التخطيط‭ ‬كأداة‭ ‬ديناميكية‭ ‬قابلة‭ ‬للتقويم‭ ‬والتطوير‭.‬

وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬عمل‭ ‬الحكومة‭ (‬20232026‭) ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬أهمية‭ ‬الخطط‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬النتائج،‭ ‬تبرز‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬مرنة‭ ‬ومؤشرات‭ ‬أداء‭ ‬قابلة‭ ‬للقياس‭ ‬وإشراك‭ ‬فعّال‭ ‬للجهات‭ ‬المنفذة‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬توافق‭ ‬الخطة‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬وقابليتها‭ ‬للتعديل‭. ‬فالمهنية‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬بحجم‭ ‬الوثيقة‭ ‬أو‭ ‬بلاغة‭ ‬العبارات،‭ ‬بل‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الرؤية‭ ‬إلى‭ ‬منجز،‭ ‬والهدف‭ ‬إلى‭ ‬أثر،‭ ‬والتحديات‭ ‬إلى‭ ‬فرص‭. ‬والخطة‭ ‬الناجحة‭ ‬لا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬صياغتها،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كونها‭ ‬أداة‭ ‬فاعلة‭ ‬للتغيير‭ ‬المؤسسي‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المواطن‭.‬

 

{‭ ‬مهتمة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬وتطوير‭ ‬الأداء‭ ‬المؤسسي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا