في خضم التوترات المتصاعدة والمواجهات العسكرية التي اندلعت بين إسرائيل وإيران، برهنت دول مجلس التعاون الخليجي على قدر عالٍ من الحكمة والحنكة السياسية في إدارة الأزمة، ما مكّنها من حماية اقتصاداتها والحفاظ على مسارات التنمية التي رسمتها في رؤاها الوطنية.
هذا الموقف الحكيم انعكس بصورة إيجابية على حماية أسواق الطاقة، حيث واصلت دول الخليج، في مقدمتها السعودية والإمارات والكويت، الالتزام بتأمين إمدادات النفط للأسواق العالمية، مما أسهم في تهدئة أسعار الطاقة وتقليل المخاطر الاقتصادية على المدى القصير. كما عملت هذه الدول على تنويع شراكاتها التجارية وتوسيع علاقاتها مع قوى عالمية صاعدة مثل الصين والهند، ما منحها مرونة إضافية في التعامل مع أي ارتدادات محتملة للأزمة.
الحكومات الخليجية تدرك أنها تقود سفينة برامجها التنموية وسط تحديات جيوسياسية لا تهدأ أو تتوقف. وقد نجحت في هذه القيادة، حيث أظهرت مؤشرات الأداء الاقتصادي خلال الفترة الماضية نتائج لافتة، وسجلت العديد من دول الخليج نمواً في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ما يعكس تقدم برامج تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
وفقاً للبنك الدولي، توقع نمو متوسط الناتج المحلي الإجمالي في دول الخليج أن يصل إلى 3.2% في 2025، و4.5% في 2026، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي بنسبة 3.7% في 2024. وبلغت نسبة القطاع غير النفطي 86% من إجمالي الناتج المحلي للبحرين في عام 2024. كما ارتفع إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البحرين بنسبة 5.7% خلال 2024، ليصل إلى 17.3 مليار دينار بحريني.
ومن أبرز المؤشرات على هذا النجاح، احتفاظ دول مثل البحرين والإمارات والسعودية بمراكز متقدمة في تقارير التنافسية العالمية ومؤشرات سهولة ممارسة الأعمال. كما حققت البحرين، على سبيل المثال، تقدماً ملحوظاً في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا المالية والخدمات اللوجستية والصناعات المتقدمة.
وفي الجانب الاجتماعي، شهدت المنطقة توسعاً في برامج تمكين الشباب والمرأة، مع إطلاق مبادرات نوعية لدعم الابتكار وريادة الأعمال، ما يعزز من قدرة الاقتصادات الخليجية على مواجهة التحديات المستقبلية واحتضان الكفاءات الوطنية.
لقد أثبتت دول مجلس التعاون الخليجي أنها قادرة على السير في خطين متوازيين: الحفاظ على استقرارها السياسي والأمني في بيئة إقليمية مضطربة، وتنفيذ خططها الطموحة نحو تنمية اقتصادية مستدامة تؤسس لمرحلة جديدة من النمو والازدهار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك