العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٤ - الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٤ صفر ١٤٤٧هـ

مقالات

السودان لا يستطيع تحمُّل يومٍ آخر من الحرب – على العالم أن يتحرّك الآن

{ بقلم: رمطان لعمامرة

الاثنين ١٨ أغسطس ٢٠٢٥ - 02:00

لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬منذ‭ ‬15‭ ‬أبريل‭ ‬2023،‭ ‬حين‭ ‬وجّهت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬أسلحتها‭ ‬نحو‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬لكن‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬مذهل‭ ‬ويزداد‭ ‬سوءًا‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

واحد‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أربعة‭ ‬سودانيين‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬زهاء‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬النزوح‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭. ‬لفهم‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة،‭ ‬تخيّل‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬سكان‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬ونيويورك‭ ‬وفلوريدا‭ ‬اضطروا‭ ‬فجأة‭ ‬إلى‭ ‬الفرار‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭.‬

ربما‭ ‬لم‭ ‬تطلعوا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العناوين‭ ‬الإعلامية‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬قلتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬يشهد‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬أكبر‭ ‬أزمة‭ ‬إنسانية‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭. ‬وتزداد‭ ‬الأوضاع‭ ‬سوءًا‭ ‬مع‭ ‬تدهور‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬وارتفاع‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭. ‬كما‭ ‬تسهم‭ ‬الاشتباكات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬استشراء‭ ‬الكوليرا‭ ‬والأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬الأخرى‭. ‬وبلغ‭ ‬العنف‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬النوع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مستويات‭ ‬مقلقة،‭ ‬وتسبب‭ ‬النزاع‭ ‬بحرمان‭ ‬17‭ ‬مليون‭ ‬طفل‭ ‬من‭ ‬التعليم،‭ ‬مما‭ ‬ينذر‭ ‬بكارثة‭ ‬حقيقية‭ ‬تلمّ‭ ‬بجيل‭ ‬بأكمله‭.‬

ويهدد‭ ‬العنف‭ ‬والتشظي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بالامتداد‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬حدوده‭. ‬فالمنطقة‭ ‬برمتها‭ ‬تتأرجح‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الهاوية،‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬خطر‭ ‬الاشتباكات‭ ‬عبر‭ ‬الحدود،‭ ‬وتدهور‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وتعمق‭ ‬التدخلات‭ ‬الخارجية،‭ ‬وتهيئة‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬لتجذر‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭. ‬إننا‭ ‬نشهد‭ ‬سباقاً‭ ‬محموماً‭ ‬نحو‭ ‬القاع،‭ ‬والقاع‭ ‬يواصل‭ ‬الانهيار‭ ‬تحت‭ ‬أقدامنا‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬لتغيير‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬فرصة‭ ‬أمام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬لإنقاذ‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬الهاوية،‭ ‬إذا‭ ‬وُجد‭ ‬المزيج‭ ‬السديد‭ ‬من‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية،‭ ‬واستخدام‭ ‬الضغط‭ ‬وإسداء‭ ‬الدعم‭. ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحاً‭ ‬الآن‭ ‬فهو‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬حقيقي‭ ‬لمعالجة‭ ‬أسباب‭ ‬الصراع‭. ‬وبعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬حلّ‭ ‬أزمات‭ ‬عالمية‭ ‬شديدة‭ ‬التعقيد،‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬هارولد‭ ‬ماكميلان‭. ‬اليوم‭ ‬هنالك‭ ‬نافذة‭ ‬ضيقة‭ ‬لكنها‭ ‬تنغلق‭ ‬بسرعة‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭. ‬فموسم‭ ‬الأمطار‭ ‬يقترب،‭ ‬وقد‭ ‬تتراجع‭ ‬المعارك‭ ‬البرية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭. ‬وأقف‭ ‬بمعية‭ ‬الشركاء‭ ‬الدوليين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬للعمل‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬لخفض‭ ‬التوتر،‭ ‬تتيح‭ ‬وصول‭ ‬المساعدات،‭ ‬وحماية‭ ‬المحاصيل،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المنازل‭ ‬والمدارس‭ ‬والمستشفيات‭. ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬الثقة‭ ‬‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬تنقذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأرواح‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬سيبقى‭ ‬حلماً‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتوحد‭ ‬جهود‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬الخارجيين‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬عاصمة‭ ‬زرتها‭ ‬‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬ومن‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬أبوظبي‭ ‬‭ ‬دعوت‭ ‬القادة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬نفوذهم‭ ‬السياسي‭ ‬لضمان‭ ‬إيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وأيضاً‭ ‬للدفع‭ ‬بعملية‭ ‬سياسية‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬نحو‭ ‬إنهاء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المدمرة‭.‬

إن‭ ‬سودان‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الجميع‭ ‬‭ ‬من‭ ‬جيرانه‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي،‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وحتى‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬البعيدة‭. ‬وفي‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات،‭ ‬فإن‭ ‬وحدة‭ ‬وعزم‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أمران‭ ‬أساسيان،‭ ‬فهما‭ ‬يمنحان‭ ‬فرصة‭ ‬حقيقية‭ ‬لتشكيل‭ ‬اصطفاف‭ ‬سياسي‭ ‬يمكنه‭ ‬جمع‭ ‬الأطراف‭ ‬المتحاربة‭ ‬وداعميها‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬وإنهاء‭ ‬الحرب‭. ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يتحرّك‭ ‬الآن،‭ ‬وأن‭ ‬يمارس‭ ‬ضغطاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬ومستمراً‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬الدور‭ ‬القيادي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬توحيد‭ ‬‮«‬الرباعية‮»‬‭ ‬‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬مصر،‭ ‬والسعودية،‭ ‬والإمارات‭ ‬‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬حيوي‭ ‬ومحل‭ ‬ترحيب‭.‬

إن‭ ‬مهمتي‭ ‬تنطوي‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬منسّقة‭ ‬وفعّالة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬مشتتة‭ ‬في‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭. ‬وقد‭ ‬رأيت‭ ‬بأم‭ ‬عيني‭ ‬الأثر‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬حققته‭ ‬سنوات‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬ملايين‭ ‬السودانيين‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نُعيد‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬الروح‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق،‭ ‬حتى‭ ‬نتمكن‭ ‬معًا‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬فارق‭ ‬إيجابي‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬التقدم‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬بسرعة‭.‬

فمنذ‭ ‬تعييني،‭ ‬استمعت‭ ‬إلى‭ ‬المدنيين‭ ‬السودانيين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬‭ ‬رجالاً‭ ‬ونساءً،‭ ‬شباباً‭ ‬ومسنين،‭ ‬من‭ ‬مشارب‭ ‬سياسية‭ ‬وعرقية‭ ‬متعددة‭. ‬هؤلاء‭ ‬المدنيون‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يدفعون‭ ‬الثمن‭ ‬الأكبر‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬الوحشية،‭ ‬حيث‭ ‬تُطمس‭ ‬أصواتهم‭ ‬وسط‭ ‬ضجيج‭ ‬السلاح‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬رسالتهم‭ ‬إلى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السودانية‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬وداعميهم‭ ‬واضحة‭: ‬أوقفوا‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬المروّع‭. ‬وأُشيد‭ ‬هنا‭ ‬بصمودهم‭ ‬وإيمانهم‭ ‬العميق‭ ‬بالسلام،‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لمواصلة‭ ‬العمل‭ ‬معهم‭ ‬وتسخير‭ ‬كل‭ ‬طاقتي‭ ‬لدعم‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭. ‬إن‭ ‬شعب‭ ‬السودان‭ ‬يستحق‭ ‬فرصة‭ ‬لبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬ملؤه‭ ‬الكرامة،‭ ‬والسلام،‭ ‬والفرص‭. ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نغضّ‭ ‬الطرف‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭.‬

يجب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬أن‭ ‬يتّحد‭ ‬ويقف‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬للإسراع‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬السودان‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقبولًا‭ ‬أن‭ ‬نظل‭ ‬مكتوفي‭ ‬الأيدي‭ ‬بينما‭ ‬تُزهق‭ ‬أرواح‭ ‬السودانيين‭.‬

 

المبعوث‭ ‬الشخصي‭ ‬للأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للسودان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا